استطاع شعبنا، والى حد كبير، أن يفشل مؤتمر المنامة الاقتصادي عبر مقاطعته، واقناع الاصدقاء بخطورة ما قد يطرح فيه مما أدى ذلك الى حضور هزيل، ومشاركة غير فعالة. وانضم هذا المؤتمر الى غيره من المؤتمرات التي عقدت ولم تحقق أي انجاز لصالح قضيتنا العادلة والمشروعة. ورغم كل الاغراءات لتخصيص وجمع 50 مليار من الدولارات لترغيب المشاركة فيه، إلا أن شعبنا الفلسطيني رفض مساومة قضيته مقابل حفنة من الدولارات، لان هذه القضية لا تقاس بأموال، بل تقاس بمدى انصاف هذا الشعب الجبار عبر حصوله على حقوقه السياسية كاملا.
لقد كان "افشال" مؤتمر المنامة الاقتصادي بمثابة انجازاً سياسيا، ولكن التساؤل المطروح: ماذا بعد فشل هذا المؤتمر، وهل "تمر" صفقة القرن الاميركية الخبيثة القذرة فيما بعد عبر خطوات صغيرة ومن دون أن ندري، أم أننا سنواصل الانتباه لهذه المؤامرة، واخذ الحيطة والحذر من كل خطوة تخطوها الادارة الاميركية في المستقبل؟
أحد السياسيين قال اني اخشى أن تقبل قيادتنا مستقبلاً بهذه الصفقة ولكن تحت اسم آخر. واعطى مثالا على ذلك من أننا رفضنا عرض رئيس وزراء اسرائيل شمعون بيرس عام 1986 على رئيس بلدية غزة الحاج رشاد الشوا خطة سلام تتضمن انسحابا اسرائيليا كاملا من قطاع غزة، والسماح باقامة دولة فلسطينية على ارض القطاع. وتعهد بيرس بازالة كل المستوطنات هناك. وبعد عشر سنوات يتم التفاوض على ضم الضفة الغربية للدولة الفلسطينية. وكان رد الراحل السياسي المخضرم الشوا وبالاتفاق مع العديد من الشخصيات الفلسطينية في الضفة والقطاع، إننا نقبل ذلك بشرط واحد ألا وهو تجميد البناء في المستوطنات، ووقف سياسة الاستيطان في الضفة والقدس خلال السنوات العشر القادمة.
تدخلت القيادة الفلسطينية ورفضت الاقتراح والعرض، وفشلت مبادرة بيرس، ولكن وبعد 7 سنوات قبلنا بأقل من هذا الطرح وهو حل "غزة واريحا أولاً"، الذي لم يمنح دولة في القطاع، ولم تتم عملية ازالة المستوطنات من القطاع الا فيما بعد، في العام 2006، من منطلق امني اسرائيلي، وليس بمنة من القيادة الاسرائيلية وقتئذ بزعامة ارئيل شارون.
وقال هذا السياسي أن سعي اسرائيل واميركا الى اقامة دولة في قطاع غزة دون الضفة ما زال مستمرا، وهذا السعي واضح من خلال ما يسرب عن نصوص المبادرة الاميركية التي حملت اسم صفقة القرن.
من حق هذا السياسي أن يشك في تغيّر المواقف نتيجة تغيّر المعطيات والأوضاع العامة والاجواء الاقليمية والدولية. ولكن وضعنا ورغم كبر المعاناة والمسؤوليات تغيّر، فشعبنا واعٍ الآن وهو موحد في التصدي لمن يسعى الى تصفية القضية سياسيا، ولن يسمح لأي شخص بأن يوقع على أي اتفاق هزيل بعد اليوم لان شعبنا لدغ بصورة كافية في اتفاق اوسلو. ولذلك لن يسمح بأن تلدغ قضيته من ثعبان صهيو/ اميركي مرة أخرى.
ومن هنا يمكن الرهان على شعبنا في امكانية تصديه لما هو آت، حتى لو تحقق لاسرائيل التطبيع المجاني مع دول عربية. فالحفاظ على وجوده وتمسكه بأراضيه، وعدم التوقيع على أي اتفاق هزيل، هي كلها مؤشرات الى ان القضية ستبقى حيّة، ولن يستطيع أحد النيل منها!
بقلم/ جاك يوسف خزمو
رئيس تحرير مجلة البيادر