فى ذكراه السنوية ماذا لو كان المسيرى بيننا؟

بقلم: محمد سيف الدولة

كثيرا ما كنت أتساءل عن موقف ومصير الدكتور عبد الوهاب المسيرى لو كان قد امتد به العمر حتى يومنا هذا؟

 

واليوم أعيد طرح ذات السؤال، بمناسبة حلول الذكرى السنوية لرحيله فى 3 يوليو 2008

***

لقد كان المفكر الوطنى التقدمى العروبى الاسلامى الدكتور عبد الوهاب المسيرى، واحدا من أهم المناضلين المصريين والعرب فى مواجهة الصهيونية ومشروعها وكيانها وأفكارها وعنصريتها وإرهابها، وفى مواجهة الاستعمار الغربى الذى أفرزها و أسسها ودعمها ورعاها.

فهو صاحب السفر العظيم؛ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية بالإضافة الى عشرات الكتب والمؤلفات فى قضية الصراع العربى الصهيونى منها على سبيل المثال وليس الحصر:

  •        الجماعات الوظيفية اليهودية: نموذجٌ تفسيريٌّ جديد
  •        الانتفاضة الفلسطينية والأزمة الصهيونية
  •        الاستعمار الصهيوني وتطبيع الشخصية اليهودية
  •        العنصرية الصهيونية
  •        هجرة اليهود السوفييت
  •        الإدراك الصهيوني للعرب والحوار المسلح
  •        من الانتفاضة إلى حرب التحرير الفلسطينية
  •        انهيار إسرائيل من الداخل
  •        الصَّهيونية والعنف من بداية الاستيطان إلى انتفاضة الأقصى
  •        الأكاذيب الصهيونية من بداية الاستيطان حتى انتفاضة الأقصى
  •        اليَدُ الخفية: دراسةٌ في الحركات اليهودية الهدَّامة والسرية
  •        الصهيونية والحضارة الغربية الحديثة
  •        في الخطاب والمصطلح الصهيوني 
  •        مقدمةٌ لدراسة الصراع العربي ـ الإسرائيلي: جذورُه ومسارُه ومستقبُله
  •        الأيديولوجية الصهيونية
  •        أرض الميعاد
  •        نهاية التاريخ: مقدمة لدراسة بنية الفـكر الصهيوني
  •        أسرار العقل الصهيوني
  •        من هو اليهودي؟
  •        التجانس اليهودي والشخصية اليهودية
  •        البروتوكولات واليهودية والصهيونية
  •  

وكان له أيضا اجتهاداته وابداعته الهامة فى مواجهة الفكر الاستعمارى والتغريب والنظرة العنصرية الاستعلائية فى الفكر الغربى، ومن أهم مؤلفاته فى ذلك هو كتاب "العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة" بالإضافة الى كتب أخرى منها:

  •        العالم من منظور غربي
  •        العَلمانية تحت المِجْهر
  •        دفاع عن الإنسان
  •        الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان
  •        إشكالية التحيز: رؤيةٌ معرفيةٌ ودعوةٌ للاجتهاد.
  •        رحلتي الفكرية ـ في البذور والجذور والثمار
  •        دراسات معرفية في الحداثة الغربية
  •        الحداثة وما بعد الحداثة
  •        الإنسان والحضارة والنماذج المركَّبة
  •        قضية المرأة بين التحرُّر والتمركز حول الأنثى *فكر حركة الاستنارة وتناقضاته

***

لكن أهم ما كان يميز عبد الوهاب المسيرى عن كثير من المفكرين، هو انخراطه المباشر فى ميدان العمل السياسي والنضال الميدانى، فلقد كان المنسق العام لحركة كفاية، فى أوج اصطدامها مع نظام مبارك، وقبل رحيله ببضعة شهور تم اختطافه هو وزوجته وآخرين أثناء وجودهم في مظاهرة بميدان السيدة زينب الخميس 17يناير 2008 في ذكرى مرور 21 عاما على الانتفاضة الشعبية التي اجتاحت مصر في 18 و19 يناير 1977 احتجاجا على رفع الأسعار واتجاه الدولة في ذلك الوقت لالغاء دعم السلع الاستهلاكية الرئيسية مثل رغيف الخبز(ما أشبه اليوم بالبارحة)،

والتى قال عنها المسيرى انه ((أثناء المظاهرة قاموا بإلقاء القبض علينا، ووضعوا كل مجموعة في سيارة تحمل لوحة مدنية، وتوجهوا بنا إلى الصحراء برفقة رجال أمن يرتدون ملابس مدنية، كنت مع زوجتي، وتم وضعنا في سيارة انطلقت بنا إلى الصحراء. وعندما حاولنا أن نستفسر منهم عن الجهة الذاهبين إليها رفضوا الادلاء بأي أقوال. سارت بنا السيارة زهاء الساعتين في طريق الاوتوستراد خارج القاهرة، لست متأكدا ما إذا كان مؤديا إلى السويس أو الاسماعيلية. وفي العراء بمنطقة صحراوية خالية تماما على الطريق السريع تركونا. سألنا الضابط وعرفنا أنه برتبة "مقدم": أين نحن وكيف سنعود، ضحك ولم يجب ثم انطلقوا بسيارتهم عائدين))

***

ولذلك لا اشك لحظة فى أنه لو كان قد امتد العمر بالمسيرى لكان فى طليعة الثوار فى يناير 2011، ولوجدناه مفترشا أرض التحرير على امتداد أيام الاعتصام الثمانية عشر، وربما كان سينجح فى سد ثغرة هامة بين أطياف القوى السياسية، حيث كان محل تقدير واحترام من الجميع على اختلاف مرجعياتهم وتياراتهم، وكان شخصية جامعة، تجد فى صالونه الثقافى الذى كان يعقده فى منزله، خليط متنوع من الشخصيات العامة من اليسار والقوميين والاسلاميين والليبراليين. وكان يجيب مازحا عن من يسأله عن هويته الفكرية بمقولته الشهيرة: (( أنا ماركسى على سنة الله ورسوله)).

وربما كان سيلعب دورا محوريا، فى تصحيح كثير من الأخطاء والخطايا والانحرافات المبدئية والسياسية والأخلاقية التى ارتكبها الجميع بدون استثناء.

***

وحين يتساءل المرء ماذا كان من الممكن أن يكون موقعه اليوم بعد مرور اكثر من ست سنوات على الثورة، فيما لو كان قد كُـتِبَ له أن يظل بيننا حتى اليوم؟

فأظن انه كان على الأغلب سيكون معتقلا أو مسجونا او محاصرا مع قيادات حزب الوسط الذى اختار المسيرى أن ينضم اليه فى سنواته الأخيرة.

وان لم يكن لذلك، فلأسباب أخرى متعددة؛ فالمسيرى ومن واقع مواقفه ومؤلفاته وأفكاره، لم يكن من الممكن أن يصمت على مبدأ اجتثاث اى من تيارات الأمة، ومنها التيار الاسلامى الذى كان يعتبر أحد مفكريه.

ولم يكن من الممكن أن يصمت على أعمال القتل والاعتقال والتعذيب وأحكام الاعدام والمؤبد ومصادرة الحريات والحق فى التظاهر.

والمسيرى الذى طالما تصدى للزيف والضلال والمراوغة فى الخطاب الغربى الاستعلائى والصهيونى العنصرى، لم يكن ليصمت أبدا على حملات التزييف و التضليل و التشويه الاعلامى لكل خصوم السلطة السياسيين، بل كان على الاغلب سيكون فى مقدمة ضحاياها.

والمسيرى الذى كتب مقال بعنوان "الفيديو كليب والجسد والعولمة" ينتقد فيه ما وصلنا اليه من ابتذال، لم يكن ليتحمل السكوت عن وباء الابتذال و النفاق والانتهازية والرقص السياسى التى ضرب مصر فى السنوات الأخيرة.

فمن المستحيل أن يقبل من هم مثل المسيرى وفى مكانته، أن يكونوا جزءا من منظومة الاستبداد، أو من خدامه وحوارييه، أو جزءا من إعادة انتاج نظام مبارك بعد تحديثه.

كما لم يكن من الممكن أن يساير أو يصمت على ما يدور الآن من شيطنة الفلسطينيين وحصارهم واتهامهم بالإرهاب فى بعض وسائل الاعلام المصرية والعربية، او على ما يجرى على قدم وساق فى واشنطن واسرائيل وعدد من العواصم العربية من مشروعات لتصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية فيما يعرف بصفقة القرن.

وكان من المستحيل ان يلتزم الصمت تجاه ما يدور اليوم فى مصر من تنسيق وتطبيع بل وتحالف غير مسبوق مع (اسرائيل).

***

ولن يكن تقدمه فى العمر سيشفع له لدى اجهزة السلطة، فها هو الشيخ المسن المستشار الجليل محمود الخضيرى مسجونا، وهو واحد من أهم رموز ثورة يناير، ومن رموز حركة استقلال القضاء فى مواجهة نظام مبارك.

ولم يكن مرضه العضال أو حالته الصحية لتشفع له أيضا، فلدينا مئات من المعتقلين اليوم، يعانون من أخطر أنواع الأمراض، يتخاطفهم الموت واحدا تلو الآخر نتيجة الاهمال الطبى الجسيم.

ولم يكن من الممكن للمسيرى الذى انتصر فى آخر كتاباته للانسان والانسانية أن يقف صامتا فى معارك تستهدف اجتثاث الانسان والانسانية.

***

وربما يكون من رحمة الله عليه، انه لم يعش ليرى ما نحن فيه اليوم، بعد اجهاض ثورة يناير والقضاء عليها من انقسام حاد بين رفاق الأمس من عناصر وتيارات الحركة الوطنية المصرية مع عصف تام وكامل بكل انواع الحقوق والحريات، والقضاء على اى هامش ديمقراطى كان قائما أيام مبارك، ووضع كل المعارضة بكل اطيافها على القوائم السوداء.

*****

محمد سيف الدولة

[email protected]