بينما كان ذاك الرّجُل المُنهك عائداً ذات مساءٍ من عملِه، مرّ على ذاك المقهى، الذي اعتادَ الجلوسَ فيه في كلّ مساءٍ لاحتساءِ قهوته، لكنّه حينما وصلَه وجده مُغلقاً على غير عادته، فسارَ في ذات الطّريق، ووجدَ حانةً قديمة، وديكورُ مدخلِها بدا له مغرياً، فهو لمْ يدخلها من قبل، فقالَ في ذاته: لربما سأجدُ قهوةً في هذه الحانةِ، فولجَ إلى داخلِها، وبدتْ الحانةُ مضاءةً بأضواءٍ خافتة، فجلسَ هناك في إحدى زواياها، كانت موسيقى الحانة هادئة، وانتظرَ قدومَ أحدا من النُّدُل ليخدمه، فأتتْ بعد دقائقٍ معدودة نادلةٌ بوجهِها المُتعبِ، وابتسمتْ له، فقالَ لها: قهوةٌ عربية لو سمحتِ، فردّتْ عليه: لا يوجدُ للأسف، يوجد عندنا قهوةٌ تركية، فقالَ لها: لا بأس أحضري لي فنجانا، فذهبتْ النادلةُ لإحضارِ فنجانِ القهوة، وكانتْ تجلسُ خلفه امرأةٌ، وراحتْ تتحدّث عبر الموبايل بصوتٍ عالٍ وبدتْ عصبية، لكنّ ذاك الرّجُل لم يكترث لها، وبعد قليل بدأتْ تنفثُ دخانَ سيجارتها صوبه، لكنّه آثرَ الصّمتَ، وبعد عشر دقائقٍ انزعح من سيجارتِها كثيرا، فما كان منه سوى أنْ طلبَ منها أن تنفثّ إلى جهةٍ أُخرى، لكنّها نظرتْ صوبه بنظرةِ استغرابٍ، ولمْ تردّ عليه، فقامَ من على مقعدِه، وتكلّمَ معها بكلّ أدبٍ، لكنّها بدأت تصرخُ في وجهِه بكل وقاحة، فأتى السّاقي وقال للرّجُل: ما المشكلة؟ فقالَ ذاك الرّجُل بأنّ تلك المرأة تزعجُني بدُخانِ سيجارتها، فقالَ السّاقي لذاك الرّجُل، الذي بدا مُنزعجاً: دعكَ منها، وقمْ واجلسْ في تلك الزّاوية الأخرى من الحانة، وستكون بعيداً عن دُخانِ السّجائر، فاستجابَ ذاك الرّجُل، وذهبَ إلى زاويةٍ بدتْ له مُعتمةً أكثر من اللازم، وجلسَ هناك، وبدأَ يشربُ قهوته على عَجلٍ، وبعدما انتهى من شرب قهوته، وهمَّ بالخروجِ، هدّدته تلك المرأة بأنّها ستعاقبُه فيما بعد، فقامَ ذاك الرّجُل وصرخَ في وجهها، وخرجَ من تلك الحانةِ منزعجاً من تلك المرأة، التي لم تطفئ سجائرها، وقال في ذاته: لنْ أذهبَ إلى تلك الحانةِ مرة أخرى، فلن يكون إدماني على القهوة سبباً في بحثي عن مكانٍ لشُربها، سأحتسي القهوةَ بمعيةِ زوجتي في المرّةِ القادمة على شُرفةِ منزلي، لنْ أذهبَ إلى تلك الحانة، رغم أنَّ الجلسةَ هناك كانتْ هادئةً في بدايتها، ومهدئةً لأعصابي، لكنّ وقاحة تلك المرأة جعلتني منزعجا منها..
عطا الله شاهين