تثير الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة الرعب؛ فوفقا لتصريحات الناطقة بلسان الصليب الأحمر في قطاع غزة أمس الأول، وقبلها جمال الخضري رئيس اللجنة الشعبية لرفع الحصار عن غزة، يقبع أكثر من 80% من المواطنين في قطاع غزة تحت خط الفقر، ويعاني 70% من سكان غزة انعدام الأمن الغذائي، فيما أكثر من نصف القوى العاملة 52% غارقة في البطالة.
هذه الأرقام تتطابق مع ما جاء في نتائج استطلاع الرأي العام رقم 72 الذي اجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في شهر تموز الحالي، حيث وصف 86% من سكان القطاع الأوضاع الاقتصادية بانها سيئة وسيئة جدا. وتقول نسبة من 42% من المواطنين في قطاع غزة بأنهم يرغبون بالهجرة، يلعب سوء الأوضاع الاقتصادية السبب الأول لهذه الرغبة في الهجرة وترك البلاد. كما أن الأهم أن اغلب الذين يرغبون بالهجرة هم من فئة الشباب.
هذه الأرقام المرعبة المسبب الأول لها دولة إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال، لكن حركة حماس تتحمل المسؤولية المباشرة لهذه المأساة كونها هي التي تحكم وتتحكم في البلاد والعباد في قطاع غزة. كما أن على الذي يستولي على الحكم سواء بالانتخابات أو بالقوة العسكرية مهمته الأولى خدمة المواطنين وتقديم الخدمات والحرص على تحسين جودتها وتخفيف الأعباء على المواطنين التحكم بهم وتدمير مستقبل ابنائهم.
اعادت صور استلام المواطنين في قطاع غزة لمنحة المائة دولار القطرية في الأشهر الفارطة الى الاذهان صور اصطفاف طوابير اللاجئين الفلسطينيين أمام مكاتب وكالة الغوث في خمسينيات القرن الماضي إثر النكبة عام 1948. كما أن وسوء الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة اعادت حالة العوز والفقر المدقع الذي عاناه جموع كبيرة من الفلسطينيين. فبدلا من التقدم خطوة في أوضاع قطاع غزة أعادت حركة حماس القطاع عشرات السنوات الى الوراء دون تقديم أي أمل للخلاص.
إن غياب أي افق سياسي لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة وتحسين الأوضاع الداخلية يزيد من ضنك القطاع، حيث ترى نسبة عالية من المواطنين (63%) أن المصالحة لن تنجح، ما يعني ان تغييرا جوهريا على أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية وحتى طموحاتهم السياسية لن يحدث. هذا التشاؤم يزيد من حدة التوجهات في مواجهة قليل من الفرص أو اختيارات محدودة.
في ظني أن هذا الامر يتطلب من حركة حماس وقيادتها التفكير مليا بإنهاء مأساة الفلسطينيين في قطاع غزة قبل الوصول الى مرحلة اللاعودة في حالة المواطنين الذين لم يبقَ خيار أمامهم إما الانتحار أو الانفجار، وما احتجاجات آذار/ مارس الفارط الا احدى ارهاصات هذا الانفجار. بالقمع يمكن ان تطفئ نار هنا أو هناك لكن لن تتمكن أية قوه وقف نيران البركان القادم؛ فالشعوب كالبركان أقرب الى الثورة من الاستسلام البادي أو اللامبالاة الحاضرة.
جهاد حرب