ذات مساءٍ صيفي حارٍّ رأتْ امرأةٌ شابّا يقف على جرفٍ صُخريّ، وكان يهمّ بالانتحار، فصعدتْ المرأة على عجل إلى حيث يقف ذاك الشاب دون أن يراها، وعندما وصلتْ خطتْ بخطوات بطيئة وتقفت على مسافة قريبة منه، وسألته لماذا ترغب في الموْتَ؟ فأنت شابٌّ في عزّ شبابكَ، فنظر صوبها بنظرات حزينة، ومن نظراتِ عينيه بدا لها بأنه شابّ على ملامح وجهِه رأت البساطة، فدنتْ منه، وعانقته بسرعة، ومن عناقِها راح يهذي، رغم أن جسدها كان باردا، وقال لها: أتدرين بأنني طوال حياتي لم يعانقني أيّ أحدٍ في هذه الدُّنيا، بعدما وجدتُ نفسي أعيش وحيداً في بيتٍ متواضع تدلفُ من سقفِه مياة الأمطار كل شتاء، فقالت له المرأة: أراكَ هدأت قليلا، فردّ عليها: بلى، لكنني لا أصدق بأن العناقَ يجعل المرؤ يهذي لهذا الحدّ، فأنت أولُ امرأة تعانقني، فردّت عليه: لهذا أراكَ تهذي من التصاقٍ عاديّ، وعفويّ لجسدكَ البارد، فردّ عليها: أتدرين بأنّ هذياني بسبب التصاقٍ أهبل لجسدِ امرأةٍ عطفتْ عليّ في هذا المساء الحار، الذي أرى فيه لون الطبيعة بات يميل للون الحُبّ، فقالت له قبل أنْ تقنعه للنزول من على الجرف الصخري: لا تفكّر بعد الآن في الموت البتة، فردّ عليها والابتسامة في عينيه جلية لها: بعد هذا الهذيان، الذي أصابني منكِ، فبتّ لا أفكّر بأيّ شيء، فابتسمت له، وسارتْ في طريقِها، أمّا الشّابّ فعادَ إلى بيته، ونام على فراشِه مسرورا، وقبل أن يغفو قال: أكان ينقصني عناق مجنون، رغم أن عناقها كان عطفا منها فقط.
عطا الله شاهين