رحل القائد المؤسس للجنة الأولمبية الفلسطينية

بقلم: أسامة فلفل

هذا قدرنا نحن معشر الرياضيين والإعلاميين أن نتجرع على الدوام سم العلقم على فراق القادة والرواد الذين أخلصوا الجهد والعطاء، فهل للوداع مكان أم أنه سفينة بلا شراع، يا ليت الزمان يعود واللقاء يبقى للأبد، ولكن مهما مضينا من سنين سيبقى الموت هو الأنين تتردد عليه لمسات الوداع والفراق، والحسرة والألم.

ودعت  فلسطين المكلومة وشعبها الصامد المثابر والحركة الرياضية والكشفية في الوطن المأسور قائد وطنيا ورياضيا كبيرا صقلته التجربة النضالية عبر عقود طويلة، ظل رغم الألم والتحديات يشق طريقة بإيمان الصادقين ،لأنه كان مؤمنا برسالته الوطنية والرياضية، وكيف لا وهو من الرجال الذين رضعوا من ثدي المقاومة الفلسطينية والحركة الرياضية والكشفية، وظل رغم الظروف والمحن والمنعرجات حاملا مشعل صمودها ،لم تهزه رياح الاستهداف والمطاردة والملاحقة، ظل قابضا على الجمر، شق طريق الإنجازات بالعرق و الدم ، كتب في سفر التاريخ قصة عشقا جميلة لوطن يعيش فينا، لم يعرف طريق اليأس والإحباط على مدار مراحل تاريخية النضالي و الوطني، امتشق البندقية جنبا إلى جنب مع العمل الرياضي في كل الساحات والمواقع التي شغلها.

اليوم وبعد الراحيل والغياب الطويل نقول للقائد الوطني الكبير، ستبقى كلماتك التي غرستها فينا كأزهار ملونةً تنبتُ في كل الفصول، وإن جافاها المطر نسقيها بماء المقل والعيون، وحتما سيفوح أريجها مع قطرات الندي وتعيد ذكريات وأمجاد محفورة في ذاكرة الوطن والرياضة الفلسطينية.

خبر رحيل القائد الوطني الكبير اللواء الحاج أحمد القدوة كان صادما للجميع، حيث ترك غصة وألما كبيرا في قلب الأسرة الرياضية وأسرة العميد نادي غزة الرياضي، فرحيله خسارة فادحة للوطن والرياضة الفلسطينية.

كان الفقيد الراحل من أبرز رموز قادة الكفاح الوطني والرياضي على مدار عقود طويلة، حيث ارتبط اسمه بالإنجازات التاريخية الرياضية الفلسطينية ونادي غزة الرياضي خلال فترة الخمسينات والستينات، بعد نكسة العام 1967م كان الدينامو المحرك مع رفاق دربه من الرعيل الأول الذين ساهموا في صياغة وكتابة صفحات مضيئة للعميد وللحركة الرياضية الفلسطينية، فبرغم التحديات والغربة والشتات انطلقت هذه الكوكبة من رواد الفكر والتخطيط لترسي دعائم وقواعد العمل الرياضي الفلسطيني، وترسخ الحضور الفلسطيني في كل الميادين.

المرحوم القائد الوطني الكبير الحاج أحمد القدوة هو من الشخصيات التي لعبت دوراً محورياً في  كتابة و صناعة الانجازات، فهو من مواليد مدينة يافا عام 1932، بدأ حياته الرياضية عام 1944م في المدرسة العامرية في عروس البحر الأبيض المتوسط مدينة يافا التي مارس بها لعبة كرة القدم لفترة طويلة، انضم للحركة الكشفية عام 1948م حيث كان مولعاً بالعمل الوطني والرياضي والكشفي، انتقل إلى غزة مع أسرته بعد النكبة، والتحق بكلية غزة ودرس بها، وانضم من خلالها إلى فريق كرة القدم بنادي غزة الرياضي، ومع مفوضية الكشافة، بعد التخرج عمل مدرساً للتربية الرياضية في كلية غزة ، وأشرف على الكشافة من خلال الكلية وكان له دوراً بارزاً في إحياء وتفعيل النشاط الكشفي الفلسطيني .، تعاقد بعد ذلك للعمل مدرساً للتربية الرياضية في المملكة العربية السعودية والتحق بالعمل هناك ، وتدرج في المناصب إلى أن وصل لدرجة مفتش عام للرياضة في المملكة وأشرف خلال هذه الفترة على العمل الكشفي في السعودية ، بعد حرب حزيران عام 1967م ترك العمل في السعودية وتفرغ للعمل الوطني والثوري في حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، حيث اتنقل ما بين عمان وبيروت ، وخاض الكفاح وحمل السلاح جنباً إلى جنب مع العمل الرياضي من خلال المعسكرات الشبابية .

في عام 1968م أصدرت منظمة التحرير الفلسطينية قراراً بتشكيل المجلس الأعلى للشباب والرياضة، للإشراف الكامل على الرياضة الفلسطينية على مستوى الداخل والخارج، فتولى رئاسة المجلس وعمل على فتح قنوات التنسيق في الداخل من خلال رابطة الأندية الرياضية في الضفة والقطاع، نجح في التواصل ما بين الداخل والخارج.

قاد الفقيد النضال الرياضي والوطني حيث تم بناء هيكلية الاتحادات الرياضية والفنية والإدارية ولعب دورا مركزيا في دخول فلسطين لعضوية الاتحادات العربية والدولية، وبهذا الإنجاز التاريخي بدأ يتعاظم الوجود الرياضي والشبابي في الساحات والميادين العربية والدولية.

كان الفقيد الراحل عضوا في المجلس المركزي ل (م.ت.ف) وعضوا في المجلس الثوري لحركة فتح وعضوا في المجلس العسكري الأعلى ورئيس هيئة التنظيم والادارة في جيش التحرير الفلسطيني وأول رئيس للمجلس الأعلى للشباب والرياضة في (م.ت.ف) ورئيس اللجنة الأولمبية الفلسطينية، وعضو مجلس وطني فلسطين ل (م.ت.ف) 

شارك في العديد من الوفود والبعثات الرسمية لتمثيل حركة فتح في الخارج ومنح بقرار من الرئيس (أبو مازن) وسام نجمة القدس بتاريخ 25/4/2005م تكريما لخدماته ونضاله من أجل قضية شعبة وحقوقه الوطنية، كذلك منح درجة الوزير في كافة المعاملات والمناسبات الوطنية والبروتوكولية على المستوى الرياضي , ترأس الفقيد الراحل المرحوم الحاج أحمد القدوة اللجنة الأولمبية منذ إعادة إنشائها في عام 1979م في اجتماع ممثلي الاتحادات الفلسطينية الذي عقد في العراق، وفي عام 1994م عاد الحاج أحمد القدوة إلى أرض الوطن، وعمل على رئاسة اللجنة الأولمبية الفلسطينية التي تقوم بالإشراف على عمل الاتحادات الرياضية الفلسطينية، وعلى كافة الأنشطة.

ساهم وبجهوده المخلصة على ترسيخ معالم السيادة الوطنية والرياضية من خلال

تشيد وبناء مبني للجنة الأولمبية الفلسطينية بالسودانية شمال قطاع غزة حيث كان هذا المنجز بمثابة نقلة نوعية في تاريخ الرياضة الفلسطينية وأصبح مفخرة للرياضة الفلسطينية.

 شغل الفقيد الراحل اللواء أحمد القدوة العديد من المناصب، فكان عضو بمجلس وزراء الشباب والرياضة العرب، وعضو باللجنة الكشفية العربية التابعة لجامعة الدول العربية سابقا.

حصلت فلسطين في ظل قيادته على الاعتراف الأولمبي بالكامل بعد غياب عقود طويلة ليبدأ التقويم الرياضي من جديد على إيقاع الإنجازات التاريخية.

شاركت فلسطين بدور اتلانتا عام 1996م وترأس الفقيد الراحل اللواء أحمد القدوة وفد فلسطين، ليشكل هذا الحدث إضافة جديدة للإنجازات الرياضية الفلسطينية في ظل السلطة الوطنية الفلسطينية

كذلك زار سما رانش رئيس اللجنة الأولمبية الدولية فلسطين ووضع حجر الأساس للجنة الأولمبية الفلسطينية ليعزز هذا الحدث من معالم السيادة الوطنية والرياضية على الأرض الفلسطينية في ظل السلطة الوطنية الفلسطينية.

ولعل من أبرز الأحداث التاريخية أيضا ترأسه لوفد فلسطين بدورة الألعاب الرياضية ببيروت عام 1997م، حيث شكلت هذه المشاركة إنجازا وطنيا جديد بعد دخول بيروت ولأول مرة بالجواز الفلسطيني.

كما حققت فلسطين إنجازا تاريخيا مازال ماثلا في ذاكرة التاريخ الرياضي الفلسطيني، حيث حقق المنتخب الوطني الفلسطيني لكرة القدم أول ميدالية برونزية بالدورة العربية الرياضية التاسعة بالأردن.

لقد نجح الفقيد الراحل من فتح أبواب المشاركة على مصراعيها من أجل اقتحام كل الساحات وتثبيت الحضور الفلسطيني وصناعة وكتابة أبجديات الإنجازات لتكون شاهدا على عصر النهضة الرياضية بعد سنوات من القهر والاستهداف من قبل الاحتلال الصهيوني.

ختاما ...

عمل الفقيد طوال مسيرته الحافلة بالإنجازات والمحطات النضالية والرياضية على قيادة وتوجيه سفينة الرياضة الفلسطينية والحركة الكشفية والشبابية، واستطاع أن يعزز ويثبت اسم فلسطين على الخارطة العالمية الرياضية والكشفية، وتحت قيادته الحكيمة تحققت العديد من الإنجازات التاريخية التي تغطي قرص الشمس، وعمد الفقيد على تمتين الوحدة الوطنية والرياضية وتوحيد الجغرافيا الفلسطينية خلال فترة تولية لدفة القيادة الرياضية.

رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته.

كتب / أسامة فلفل