حزب التحرير: ردود تخاصم الواقع وتتجاوز منطق الوقائع

بقلم: سري سمور

ردا على مقالي المنشور قبل حوالي أسبوعين تحت عنوان(حزب التحرير وتجاهل الميزات الفلسطينية) نشر موقع الحزب ردا عليه بقلم عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير د.إبراهيم التميمي ونقلت بعض صفحات فيسبوك الرد المنشور في 25/6/2019م ولست في معرض (الرد على الرد) هنا خاصة أنه فقط أعاد تأكيد ما جاء في المقال بطرح مواقف الحزب من جديد تحت عنوان الرد!

فقد أكد إصرار الحزب على مسألة مخالفة مفتي القدس والديار الفلسطينية في موضوع إعلان عيد الفطر لأن وحدة أهل فلسطين لا تكون على حساب وحدة الأمة كما جاء في الرد؛ وكأن سلوك الحزب عمل على توحيد الأمة وجمع شتاتها!

وبخصوص قضية فلسطين وموقف الحزب منها أكد كاتب الرد على ما قلته ولو بصياغة مختلفة؛ فحل قضية فلسطين فقط بتحريك جيوش المسلمين لتحريرها، وغير ذلك هو (إلهاء عن الحل الحقيقي أو تضليل) كما جاء بالحرف الواحد في الرد المذكور!

أي أن مقاومة شعب فلسطين ورباطه لا طائل منها ولا أمل ولا ثمرة ترجى من شجرتها المباركة! ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

أوزبكستان وجامعة بيرزيت  

 

في عام 2000 وقبل اندلاع انتفاضة الأقصى قام بعض طلبة جامعة بيرزيت بمهاجمة رئيس وزراء فرنسا(ليونيل جوسبان) داخل مبنى الجامعة وقذفوه وموكبه بما تيسر من أشياء وصبوا جام غضبهم عليه، وذلك بعد تصريحات أدلى بها تصف المقاومة اللبنانية وحزب الله بـ(الإرهاب)!

كان الحدث خبر الساعة بامتياز وكانت له تداعيات؛ ومن الطبيعي أن مركز الحدث أي مقر الجامعة سيكون بؤرة الانشداد نحو متابعة الحدث وظلاله وانعكاساته المختلفة.

وقد نقل طلبة من الجامعة صورة سلوك اعتبروه في غاية الاستفزاز من عناصر حزب التحرير(للحزب كتلة طلابية لا تتنافس في الانتخابات تسمى  في الجامعات الفلسطينية كتلة الوعي وهو نفس اسم مجلة الحزب في لبنان) فأثناء ما يشبه الوقفة للاستماع إلى بعض الكلمات وتجمع الطلبة في الساحات حول ما حصل مع جوسبان، دخل  بعض عناصر الحزب بين جموع الطلبة ووزعوا بيانا مطبوعا، وتلقائيا ظن الطلبة أن البيان يتعلق بحدث الساعة الساخن؛ ولكن بمجرد إلقاء نظرة على ترويسة البيان غضب الطلبة بشدة وأظهروا انفعالا في وجوه موزعي البيان ولسان حالهم(أهذا وقته الآن؟!).

ذلك أن البيان يتحدث عن جمهورية (أوزبكستان) في آسيا الوسطى وما يجري فيها من أحداث كان الحزب بقضه وقضيضه منشغلا بها عبر منابره المختلفة؛ ولا شك بأن التوقيت غير مناسب إطلاقا بأخف التعبيرات والكلمات التي يمكن أن نصف بها هذا السلوك.

وفي الشارع أو في المساجد وبعض المتاجر وزّع نشطاء الحزب بيانا مشابها(ربما نفس البيان في بيرزيت) حول أوزبكستان، وحين ناولنيه أحدهم وضعته في جيبي بعد إلقاء نظرة على عنوانه وسألته:الآن ليس وقت أوزبكستان، فرد باستنكار:هل أوزبكستان ليسوا مسلمين؟!

ولكن هذا السلوك والتصرف يشير إلى عقلية وفكر ومنهج راسخ عند الحزب، بأن لا يعطي القضية الفلسطينية أهمية خاصة، مهما كانت الأحداث، والتعليق على الحدث الفلسطيني عند خطباء الحزب يكون مدموجا مع تعليقات على أحداث أخرى، مهما كانت سخونة الأحداث في فلسطين؛ وكأن الحزب يريد أن يعرّف نفسه كحزب غير مكترث بما يفترض أنه من المسلّمات:قضية فلسطين هي قضية الأمة المركزية.

صحيح أن الفلسطيني ليس منبتّا عما يدور في محيط فلسطين من أحداث خصوصا، أو في العالم عموما، ولكن حسب الظرف الموضوعي؛ فمثلا حين حدثت مجازر البوسنة والهرسك بحق المسلمين هناك من قبل مجرمي الصرب، كان هناك اهتمام مع أن انتفاضة الحجارة كانت موجودة ولو في مراحلها الأخيرة، وكان هناك ثمة أحداث وأشياء كثيرة، ولكن ثقل الحدث وفظاعته، جعلت الجمهور الفلسطيني يتفاعل معه إلى درجة السعي لتبني يتامى بوسنيين.

ولكن لم يكن مستوعبا مثلا من أي تنظيم فلسطيني في تشييع  شهيد دمه لم يجف أن يقوم نشطاؤه بتوزيع بيان حول أحداث البوسنة على المشيعين في المقبرة.

ولكن المنهجية الفكرية عند حزب التحرير لا تقيم وزنا لأولوية الحدث الفلسطيني الساخن...ما حدث في بيرزيت عينة صارخة على ذلك...فكيف يكون الحزب منافسا للقطبين وانشغاله بقضية فلسطين بهذه الدرجة وذاك الأسلوب؟!

 

موضوع الجيوش غير منطقي   

 

 

الرد من المكتب الإعلامي كذلك يؤكد كيف يفكر الحزب، ولقد سمعت  أحدهم في ندوة سياسية كلاما مفاده:التراب(يعني فلسطين) له حكم شرعي، بطريقة فيها استخفاف واضح.

ثم كيف سيقنع الحزب الناس هنا  بموضوع الجيوش التي ستتحرك لتحرير فلسطين، وهم يرون أن تلك الجيوش إما منشغلة بألاعيب السياسة أو في الاستثمار والاقتصاد أو في قمع الشعوب أو الانقلابات العسكرية أو التعاون القميء مع الصهاينة والأمريكان وغيرهم؟

ومعروف أن حزب التحرير يعلن أنه يريد تنفيذ انقلاب عسكري بعد استقطابه عناصر وضباط من جيوش عربية أو إسلامية ضمن ما يسميه (طلب النصرة من أهل القوة والمنعة) وبعدها سيحكم الحزب كدولة خلافة على منهاج النبوة، وعندها ستتغير عقيدة الجيش القتالية ويكون جاهزا للانقضاض على الجيش الصهيوني وكنسه من فلسطين!

ولكن هل هذا الكلام منطقي، في ظل طريقة ترتيب الجيوش وإعداد أفرادها من أصغر مجند إلى أكبر ضابط أركان حرب، وكيف أن الأجانب يشرفون على كثير من قضايا التسليح والإعداد والتدريب والمناورات وغير ذلك؟وقد توجهت بهذا السؤال إلى أحدهم فقال:إن ابن الجيش هو مسلم منا وفينا وهو ابن هذه الأمة المسلمة؛ وحين أجلس معه(وكأنه سيجلس معه في كهف بعيدا عن الأعين) سأسعى لإقناعه بحال الأمة الإسلامية وواجبه نحوها وكيف عليه أن يتصرف وو...إلخ.

كانت إجابتي:إن حادثة المنصة (اغتيال السادات) على يد أفراد من الجيش خلقت واقعا جديدا تماما وولدت حالة استنفار ورقابة وفرز في غاية الدقة والتعقيد، ليس في مصر فقط بل في المنظومة العالمثالثية كلها، ومع مرور الزمن تم الإمساك بكل المفاصل، وسدّت كافة المسامات؛ علما بأن تلك الحادثة كانت اغتيالا فقط ولم تكن تنفيذ انقلاب، ولو كانت كذلك لتحركت حاملات الطائرات الأمريكية لإجهاضه بأي ثمن.

على كل حال منذ متى في الدولة العربية الحديثة(دولة ما بعد الاستعمار العسكري الأوروبي المباشر) يسلّم ضباط وصلوا إلى الحكم مقاليده إلى حزب سياسي مهما بلغت شعبيته؟عبد الرحمن سوار الذهب –رحمه الله- كان حالة استثنائية تماما، وهو لم يسلم الحكم لحزب بعينه طبعا...وكل الأحداث في المنطقة تؤكد أن هذا محال؛ فقد يتنازل العسكر لمجموعة قوى سياسية مؤثرة جزئيا، أما أن يسلموا حزب التحرير الحكم ليقيم دولة الخلافة الإسلامية فهذا منتهى الوهم.

ويدل على كون الحزب يعيش-بفكره- خارج الظرف التاريخي والموضوعي تماما، ما قام به من توجيه نداء إلى السيسي كي يقيم دول الخلافة الإسلامية في مصر...هذه تكفي لأشياء كثيرة نصف بها طريقة تكفير الحزب وانفصاله عن الواقع الزماني والمكاني بكل معطياته تمام الانفصال!

 

استقطاب الإسلاميين

 

كنت في نهاية المقال السابق قد أشرت أن هذا المقال سيكون حول علاقة وموقف حزب التحرير من الحركات الإسلامية الأخرى، ولكن الرد والاستطراد أوجب طرح مسائل أخرى أعلاه.

ولكن أختم هنا –على أمل المواصلة في مقال قادم بمشيئة الله- بشيء ملحوظ سأضرب عليه مثالا؛ لو أن أربعة أشخاص يجلسون لهم انتماءات سياسية؛ واحد فتحاوي وثان جبهاوي وثالث حمساوي ورابع جهاد إسلامي، وحضر أحد منظري حزب التحرير كي يحاول استمالتهم سينشغل بابن حماس أولا ثم بابن الجهاد الإسلامي ولن يحاول التأثير على الإثنين الآخرين...فالحزب منشغل باستقطاب واستمالة أبناء الحركات الإسلامية الأخرى أساسا...وإذا شاء الله فإن لحديثي بقية.

،،،،،،،،،،،،،


بقلم:سري سمّور

الإثنين   5 ذو القعدة 1440هـ ، 8 /7/2019م