في عذاب الوحشة.. تلبسُ كبّود ذكراها.. بسحّابٍ متينٍ تسترُ كُلومها.. لربّما يحميها مِنْ قرِّ الوحدة.. وزوابع الغفلة.. وتظلُّ الذّكرى متوقِّفة ببدنها.. كعلامةٍ أبتْ المُضي مع مَنْ اغتربوا.. لتخطّ لها المُعاناةّ والغربة والوحشة..
ها هي جاثمةٌ في وسطِ العُمر.. بكرْبها المُدوِّخ.. بسِحنتها الباهتة.. بكدٍّ يأكلُ مُقلتيها.. وبكبّودها الأزرق الكالح المألوف.. تقتحمُ خزينةَ المنامات.. تفتّشُ دفاترَ الدّهر.. تتذكّرُ ما خطّطتْ يداها يوماً.. ما أخذتْ حدقتها.. تخبِّئُ عبَرةً وقعتْ لا شعوريّاً.. تُعاند..
هي بدأتْ النشوة به دون أنْ يدري.. ثم حاكتْ وإيّاه أجمل الحكايات.. شغفتْ بفتنته درجة الجنون.. درجة الإدمان.. لم يكنْ رجلاً عادياً.. كان ملكُ العُمر.. ها هي تقعدُ مستذكرةً صورا لنْ تغفلها يوماً.. قابضة يدها على ذاك الكبّود الأزرق الكالح، الذي لمْ يفارقها لحظة وحشْتها له..لا شيء اليوم يحميها مِنْ البرْدِ الشّديد.. كُلّ ما حوله ديجورٌ معتم صامت.. لا رجاء سوى ذلك الشيء المعلق بها كطيف لا يفارقها....
تذهبُ الأيام بسرعة.. وها هي مستمرة في مللها المجنون.. تخافها البهجة.. تخبِّئُ تحت كبّودها الأزرق الكالح دهراً من الانكسارات.. تلك البلدة، التي أسرفتْ عليها كُلّ ذاكرتها.. قدْ لا تؤوبُ البتة.. لكنّها قد منحتْ حياتها مُقابل ترقُّبها اللانهائي..
عطا الله شاهين