لا أتحدث هنا بالمطلق من قريب أو بعيد عن شركاء الدم والنضال والأخوة، بل عن تيار منشق عقيدياً وفكرياً عن الديانة المسيحية التقليدية. "مسيحيون متحدون من أجل اسرائيل" هي إحدى منظمات الصهيونية المسيحية في الولايات المتحدة ، بدأت نشاطاتها منذ منتصف السبعينات بالتحالف مع مناحيم بيغن ضد جيمي كارتر، واستمرت في النمو وباتت تشكل قوة سياسية في صنع القرار الأمريكي.
قبل يومين بدأ المؤتمر السنوي لهذه المنظمة بتباري منقطع النظير وتفاخر عظيم في خطب الخمسة الكبار الأشد تطرفاً في إدارة ترامب لاظهار الدعم لاسرائيل ومهاجمة كل منتقدي هذا الدعم : مايك بومبيو ، جون بولتون ، جيسون جرينبلات ، توماس فريدمان وطبعاًعلى رأسهم مايك بينس،أمام عشرات الالاف من المسيحيين الانجيليين أصحاب الكتلة التصويتية الاكبر لترامب.
ارتكزت جميع الخطابات على منطلق عقيدي ديني واحد هو أن البركة لن تحل على الولايات المتحدة إلا إذا دعمت اسرائيل . لماذا اسرائيل بالذات ؟ لأن درجة إيمان الفرد لدى الكنيسة الانجيلية تتحدد بدعم اسرائيل: كلما دعمت اسرائيل كلما زادت درجة إيمانك .ويجادلون بأن المسألة ليست بين اليهود والعرب، وإنما بين الله والشيطان أو بين الخير والشر.وهذا معتقد ينافي العقيدة المسيحية التقليدية سواءالأرثوذوكسية منها أوالكاثوليكية أوباقي طوائفها ومفاهيمها عن اليهود قديماً وحديثاً . ولطالما واجه الفاتيكان انتقاداً وهجوماً من المسيحيين الصهاينة لاختلاف الرؤى العقيدية بينهما تحديداًفيما يتعلق بنبوءات الأرض المقدسة.
إذاً المسألة أولا ًواخيرا ًدينية بحتة ، ولكن هل هناك أقوى من الدين سبباً كي تشن حرباً أو تبيد أمّة؟
وعلى الرغم من أن الكثير من اليهود يشعرون بالامتنان لهذا الدعم وأن العلاقة بين الطرفين تبدو وكأنها ارتباط لقيم مشتركة بين اسرائيل وهذه الطائفة، الا ان الحقيقة مغايرة لذلك لدرجة أن البعض يصفها بعلاقة حب من طرف واحد. ومؤخراً بدأت ترتفع العديد من الأصوات اليهودية للتشكيك بهذه العلاقة، من جانبهم اليهود المتطرفون يرون أن الهدف الخفي وراء هذا الدعم اللامحدود لاسرائيل من قبل المسيحيين الانجيليين هو التبشير.بينما يعده بعض الليبراليين اليهود ايضا بأنه من أكبر الأخطار على هوية إسرائيل.
تكمن لب المشكلة بين الطرفين في صميم عقيدة المسيحيين الانجيليين، حيث أن الخلاص الشامل وعودة المسيح لايمكن ان تحدث الا اذا تجمع اليهود في موطنهم الذين سيتخلون عن خطيئتهم ومعتقدهم ويقبلون يسوع كمخلص لهم !
فهل يحتاج اليهود الى يسوع المخلص؟؟ وهل يقبلوا بالتخلي عن عقيدتهم ؟ وهل هذا هو الهدف بالنسبة لديهم من وجود اسرائيل ؟
في العموم فإن الصهيونية الدينية تمتلئ بالحقد والغضب والكراهية ضد المسيحيين، فقد اعتبر أحد أعمدة اليهود المتطرفين الحاخام "شلومو أفنير"أن حريق كنيسة نوتردام الأخير ما هو الا عقاب الهي ضد المسيحيين المتسببين في حرق كتب التلمود حسب ادعاءاته. ولا يستثني أفنير تيار المسيحيين الانجيليين المنشق الذي يدعم اسرائيل، فهو يرفض علاقات اسرائيل بهذا التيار ويقاطع زياراتهم الدورية داعيا إياهم إلى عدم تدنيس المستوطنات .
في المقابل، تنظر الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة الى نمو حركة الصهيونية المسيحية كفرصة ذهبية لزيادة الدعم الدولي لاسرائيل ومخططاتها، داعين الى وضع الخلافات المسيحية اليهودية التاريخية جانباً من اجل استمرار الهدف المشترك بينهم .
وبناء عليه، سواء تم توظيف الدين من أجل السياسة كما يفعل اليهود أو توظيف السياسة من أجل الدين كما يفعل المسيحيون الانجيليون فالنتيجة واحدة هي زيادة الدعم لاسرائيل .
في الجانب الاخر من العالم، نحن العرب، واقتبس من خطاب المتشدد جون بولتون فقط لايضاح كم وصل بؤس حالنا :
" ...نقلنا السفارة الى القدس، واعترفنا بسيادة اسرائيل على الجولان فماذا حدث ؟ نتنياهو زار عمان والمنتخب الرياضي الاسرائيلي فاز في دبي ، وعلاقات إسرائيل باتت بمحيطها العربي طبيعية !!"
بقلم د. أماني القرم