الاستيطان.. إرهاب بالقول والفعل

"لن نسمح بإخلاء أيٍ من المستوطنات في الضفة" بهذا الوضوح أكد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو موقف حكومته الثابت لناحية استمرارها في الاستيطان.

تصريحات نتنياهو جاءت خلال مشاركته في الاحتفال بالذكرى الأربعين، لتأسيس "مجلس المستوطنات"، وفق ما أورد الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، سبقتها تصريحات في ذات الأسبوع الذي عملت فيه آليات ضخمة تابعة لقوات الاحتلال على شق طريق استيطاني في الأغوار الشمالية.

ويرى حقوقيون ومختصون بشأن الاستيطان بالأغوار الشمالية، أن أقوال نتنياهو عن الاستيطان، تلتقي مع أفعال المستوطنين في الموضوع نفسه بالأغوار الشمالية.

وبحسب الأرقام  المنشورة على الموقع الإلكتروني لــ "بتسيلم"، فإن منطقة الأغوار وشماليّ البحر الميت تمتدّ على مساحة 1.6 مليون دونم، وتشكّل ما يقارب 30% من مساحة الضفة الغربية.

على أرض الواقع الملاحظ  في الأغوار الشمالية، يتخطى الأمر بأنه لن يسمح نتنياهو بإخلاء أي مستوطنات، إلى أن تكون حركة دؤوبة لا تنقطع تكون نتائجها ولادة تجمعات استيطانية جديدة عشوائية على قمم الجبال بالأغوار  الشمالية.

في صيف عام 2015، تكثفت البؤر الاستيطانية العشوائية في الأغوار الشمالية بشكل واضح، عندما وضع أحد المستوطنين "بيتا متنقلا" على رأس تلة في خلة "حمد" بالأغوار الشمالية.

وعلى امتداد السنوات التي مرت طرأت تغيرات على المنطقة، فخلال هذه الأيام أمكن مشاهدة ذلك التجمع يحوي عددا من البيوت المتنقلة والخيام وبعض الماشية التي أخذت تتمدد بشكل أفقي، وتستولي على المزيد من الأراضي المحيطة بها.

بعد ظهور ذلك التجمع بدأت هذه البؤر بالظهور بشكل متزايد حتى وصل عددها في الأغوار الشمالية منذ تلك السنة 3 بؤر تحوي كل واحدة منها عددا من الخيام تشي باستمرارية التواجد فيها،  وعدد من التجمعات التي تضم "بيوت متنقلة"، وكلها لا أسماء لها.

فعليا، تكرر هذا الأمر خلال السنوات الماضية مرات عديدة في الأغوار الشمالية كالحمّة، ومزوقح، والسويدة.

وقال الناشط الحقوقي عارف دراغمة لوكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا": "حكومة الاحتلال تنظر إلى المستوطنات بأنها السياج الآمن للكيان الصهيوني، وأن الاحتلال يريد الاستمرار، والتقدم في موضوع الاستيطان".

وأضاف دراغمة الذي يتابع شؤون الأغوار عن كثب ويوثقها: "كل المؤسسات الإسرائيلية تعمل على تهيئة الجو لتطبيق ما يقوله نتنياهو في موضوع الاستيطان(..)، إنهم يأكلون الأرض بالاستيطان".

وتابع: ان ما يجري في عدة مناطق بالأغوار الشمالية هو ترجمة لتصريحات نتنياهو عن الاستيطان، لشيء ملموس، ووصف ذلك بقوله: "المستوطنون ينفذون سياسة حكومة الاحتلال في الاستيلاء على الأغوار".

وبحسب الأرقام في مركز حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم" أنه منذ العام 1967، أي منذ احتلال إسرائيل للضفة الغربية، وحتى نهاية 2017 أقيمت في أنحاء الضفة الغربية أكثر من 200 مستوطنة.

 نتنياهو عينه قال في كلمته: "إننا نعمل بجدٍّ لتحصين المشاريع الاستيطانية، التي تتطلب المال والتصميم والتغلب على الضغوط، وهو الأمر الذي فعَلَته جميع الحكومات تحت قيادتي، وبمساعدة من الله، وبمساعدتكم؛ سنواصل القيام بذلك معا".

بالنسبة لدراغمة فالأمر يبدو كذلك في الأغوار الشمالية، فعندما تعمل 4 آليات ضخمة لشق طريق استيطاني لمستوطن أقام خياما له في منطقة جبلية وعرة، هذا يعني أن الكل يعمل لأجله".

وحسب إحصاءات "بتسيلم" وهي منظمة مهتمة بتوثيق اعتداءات الاحتلال والمستوطنين في عدة مناطق من الضفة: أنه في العام 2016 سكن في الأغوار نحو 65 ألف فلسطيني ونحو 11 ألف مستوطن، في منطقة ما يقارب 90% منها مصنّفة ضمن مناطق  "ج" (التي بقيت السيطرة التامّة عليها في يد الاحتلال، وتشكّل نحو 40% من إجمالي أراضي هذه المنطقة في الضفة).

ويمتدّ الزحف الاستيطاني اليوم حسب ما أردفت "بتسيلم"، على مساحة 538,127 دونما وتشكّل نحو 10% من مساحة الضفة الغربية، يضاف إليها 1,650,376 دونما هي مساحة مناطق نفوذ المجالس الإقليمية للمستوطنات وتشمل براري شاسعة لا تدخل في منطقة عمران أيّ من المستوطنات.

وتابعت المؤسسة المهتمة بتوثيق اعتداءات الاحتلال والمستوطنين في مناطق متفرقة: "هكذا تبلغ مساحة الأراضي الواقعة تحت سيطرة المستوطنات مباشرة نحو 40% من مجمل مساحة الضفة الغربية وتشكّل 63% من مساحة مناطق "ج".

على مدار الأيام الماضية، يبث الناشط الحقوقي دراغمة أخبارا، وصورا، ومقاطع مصورة، عن تحركات المستوطنين العدائية في مناطق الأغوار الشمالية.

صباح الجمعة الفائت، أقدم عدد من المستوطنين من ذلك التجمع الاستيطاني في منطقة خلة "حمد"، على زراعة أشجار في أراض استولوا عليها على مقربة من خيام المواطنين.

يقول دراغمة: "يستولي المستوطنون بسبب تلك التجمعات على ما يقارب من 37 ألف دونم في الأغوار الشمالية".

ويضيف: "إرهاب بالقول والفعل.. هم يزحفون تدريجيا نحو خيام المواطنين لطردهم منها".

 لكن، نتنياهو يرى أن الحديث عن اقتلاع أي تجمع استيطاني بالضفة المحتلة هو "هراء"، وقال خلال كلمته التي ألقاها: "لقد انتهينا من هذا الهراء."

فبعد شهرين تقريبا، من وضع أحد المستوطنين خيمة له على قمة أحد الجبال في منطقة "المرمالة" بالأغوار الشمالية، ضمن عدد من أولئك المشابهين له في طبيعة النمو الاستيطاني في مناطق الأغوار الشمالية، بدأت مرحلة أكثر تنظيما لتثبيتهم فوق رؤوس الجبال بالأغوار الشمالية، كما وصفها دراغمة.

يقول دراغمة: "هذا مشروع استيطاني كبير في الأغوار مخطط له منذ سنوات(..)، إنهم يريدون إقامة مدينة استيطانية في الأغوار الشمالية، بربط كل التجمعات الاستيطانية بعضها ببعض".

وتشير المعطيات والأرقام أن عدد المستوطنين في مستوطنات الضفة باستثناء شرق القدس وصل لــ 413,400 كما نشرت "بتسيلم" على موقعها الالكتروني، (وفقًا لمعطيات دائرة الإحصاء المركزية  محدّثة في نهاية عام 2017).

وزارة الخارجية ترى أن الاعتراف الصريح الذي أدلى به نتنياهو لا يقبل الاجتهاد أو التأويل، ويُلخص أهداف اليمين الحاكم في إسرائيل، ويعكس الغاية الاستعمارية مما يجري من تدابير الاحتلال وإجراءاته الميدانية على امتداد الأرض الفلسطينية، ويكشف في ذات الوقت موقف اليمين الحاكم المعادي بشكل كامل لأية حلول سياسية للصراع، ومسؤولية اليمين في إسرائيل وحكوماته المتعاقبة عن إفشال المفاوضات وإجهاض فرص السلام.

تقول الأرقام التي بحوزة دراغمة أن بالأغوار الشمالية 9 مستوطنات بأسماء مختلفة، منها مستوطنة "ميخولا"، وهي أول مستوطنة أُقيمت بالأغوار الشمالية في صيف عام 1968

المصدر: طوباس - الحارث الحصني -