«قمة أوساكا».. استمرار الخلافات على رغم «المجاملات»!

بقلم: فيصل علوش

بدا الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال قمة العشرين التي عُقدت في مدينة أوساكا اليابانية (28 و29/ 6)، وكأنه يسعى لتسوية خلافاته مع باقي قادة المجموعة، والظهور بصورة مختلفة عن تلك التي اعتاد عليها، حيث تعامل معهم بمودّة، علماً أنه لم يتردّد سابقاً في انتقادهم.

فقد أشاد، على سبيل المثال، بـ«المصانع الرائعة» التي بناها صانعو السيارات اليابانيون في الولايات المتحدة، بعد أن كان انتقد علناً «اعتماد اليابان عسكرياً على الولايات المتحدة»!. كما أعرب عن رغبته بالتوصل إلى «تفاهم مع الهند» التي ينتقد سياستها التجارية.

وأجرى ترامب حواراً ودياً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قبل أن يعقد معه لقاءً ثنائياً، أشاد خلاله بعلاقاته معه واصفاً إياها بأنها «جيدة جداً». وتبادل الزعيمان حديثا ساخراً عن «الأخبار الكاذبة»، وحين سُئل ترامب عما إذا كان سيطلب من نظيره الروسي عدم التدخل في الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2020، استدار نحو بوتين وعلى وجهه ابتسامة ساخرة، وقال له وهو يلوّح بسبابته «لا تدخّل في الانتخابات أيها الرئيس»، فابتسم بوتين.

كذلك وصف ترامب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأنها «امرأة رائعة»، بعد أن كان قد اتّهم ألمانيا بأنها «شريك مُقصّر» في الانفاق العسكري داخل حلف شمال الأطلسي.

لكن فعالية هذه «المجاملات اللطيفة» كانت ضئيلة ومحدودة في التأثير على مجمل فعاليات وقرارات القمة، التي انتهت إلى الإقرار بصعوبة التوصل إلى حلول دبلوماسية موحّدة لأزمات العالم، ناهيكم عن طموح «الحكومة العالمية المتناغمة» الذي حدّده قادة المجموعة كهدف لهم في اجتماعهم الأول عام 2008، وذلك بسبب تعنّت الرئيس الأميركي دونالد ترامب وتصرّفه بشكل أحادي، وهو ما أفضى في المحصلة إلى اتساع الخلافات حول مسائل تتراوح من التجارة إلى التغيّر المناخي، وإثارة الشكوك حول جدوى هذا «التكتل» الذي تشكّل بالأساس لتقديم «ردٍّ موحّد على الأزمات التي يشهدها العالم».

وعلى ذلك، فقد اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن المجموعة أضحت اليوم أشبه بـ«الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تسمح لصانعي القرار بالالتقاء وتبادل وجهات النظر حول الملفات الهامة»، مشيراً إلى أنّها فقدت فعاليتها و«لم تعد مفيدة بما يكفي»!.

بيان ختامي

وعلى العموم، فقد باتت المجموعة التي تضمّ (الولايات المتحدة والصين وألمانيا واليابان وبريطانيا وفرنسا وروسيا وإيطاليا والبرازيل وكندا وكوريا الجنوبية والهند وجنوب إفريقيا وإندونيسيا والمكسيك وتركيا والسعودية والأرجنتين وأستراليا والاتحاد الأوروبي)، وتشكّل ثلثي سكان العالم، وتمثل أكثر من 85 % من إجمالي الناتج العالمي، تجد صعوبة في التوجّه نحو «وحدة الصف والموقف» إزاء أية أزمة من الأزمات المطروحة.

ومن هنا، فقد أقرّ البيان الختامي للقمة بـ«تصاعد حدة الخلافات التجارية والجيوسياسية» في العالم، وهي صيغة مُبهمة حلّت محلّ «التنديد الصريح بالحمائية»، الذي لطالما طبع بيانات المجموعة.

كما أقرّت القمة باستمرار الخلاف حول مكافحة التغير المناخي، مع تمسك واشنطن بموقفها منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/ يناير 2017، وإعلان انسحاب إدارته من اتفاقية باريس للمناخ الموقّعة في 2015.

وقد جدّد البيان الختامي التأكيد على التزام دول المجموعة ـ باستثناء الولايات المتحدة ـ بـ«التطبيق الكامل لاتفاق باريس لمكافحة الاحتباس الحراري»، في حين كرّرت واشنطن عزمها على الانسحاب منه. وأعرب الرئيس الفرنسي الذي أعلن أنّ هذا الملف يُعدّ «خطاً أحمر» بالنسبة إليه، عن أسفه للموقف الأميركي، في وقت تشهد فيه أوروبا موجة حرّ غير مسبوقة، يعتبرها بعض العلماء بمثابة «عارض لا لبس فيه للتغير المناخي».

«هدنة تجارية»

وقد سيطرت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين مُجدّداً على «البرنامج الرسمي» لقادة المجموعة في هذه القمة، حيث طغى اللقاء الذي جمع بين الرئيس ترامب ونظيره الصيني شي جينبينغ، وهو ثاني لقاء للمجموعة، بعد قمة بوينس أيريس نهاية 2018، يكون الحدث الرئيسي فيه اجتماع لا علاقة له بأجندة القمة.

والحال، فبعد أن زرع الطريق إلى قمة أوساكا بكثير من الألغام، بدا الرئيس ترامب وكأنه «يتفضّل» على العالم بتعطيله لبعض هذه الألغام ومنعها من التفجّر، (ولو مؤقتاً)، وهو ما حصل بعد اللقاء الثنائي مع نظيره الصيني، الأمر الذي دفع بالأسهم الأميركية والأوروبية لتسجّل أعلى مستوياتها في عشرين عاماً. وبذلك فقد استطاع ترامب توظيف «القمة»، في خدمة حملته الانتخابية، التي بدأها منذ أيام، موجهاً تحذيراً للناخبين من «انهيار وشيك في السوق، في حال عدم انتخابه لفترة رئاسية ثانية».

وكان العنوان الأبرز لحصيلة هذا اللقاء، الذي شكّل «قمة داخل القمة»، الغاء الحظر الذي فرضته إدارة ترامب على شركة الاتصالات الصينية «هواوي»، والتوصل إلى هدنة تجارية بين العملاقين الاقتصاديين، حيث أعلن ترامب «عودة البلدين إلى المسار الصحيح»، واصفاً مباحثاته مع شي بـ«الممتازة». وأكد أنه لا ينوي إضافة رسوم جمركية على الواردات الصينية ولا إلغاء بعضها، «على الأقلّ في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن المفاوضات في هذا الشأن ستستأنف بين البلدين.

واعتبر ترامب أن «الخلاف حول هواوي قضية تنطوي على الكثير من التعقيدات»، في إشارة فُهم منها أنه «لا يريد حسم ملف التكنولوجيا بالكامل مع الصين»، علماً أنّ هذه الشركة تتحكم بأدوات تطوير اتصالات الجيل الخامس، التي تُعدّ منصّة هامة في تطوير ودعم الذكاء الاصطناعي.

وهناك من اعتبر أنّ ترامب استخدم هواوي «طُعماً» لجرّ بكين إلى تقديم تنازلات على الصعيد التجاري، عبر القبول بفتح باب المفاوضات للتوصل إلى اتفاق تجاري «عادل»، كما يصفه ترامب، وبالتالي وضْع حد لاستنزاف ما قيمته «500 مليار دولار من الاقتصاد الأميركي سنوياً».

وكانت المفاوضات انقطعت بين العاصمتين بشكل مفاجئ في أيار/ مايو الماضي، وهدّدت واشنطن بعد ذلك بفرض رسوم جمركية مُشدّدة جديدة على البضائع الصينية المستوردة، لتشمل مجمل الواردات السنوية من الصين، التي تبلغ قيمتها نحو 500 مليار دولار.

وعلى رغم التعابير الرنّانة التي وصف بها ترامب لقاءه مع جينبينغ، فقد رجّح بعض المحللين أن يتكرّر السيناريو الذي حصل في قمة الأرجنتين، لجهة تعليق النزاع التجاري بين البلدين لبضعة أشهر، واستئناف المفاوضات التجارية التي سرعان ما تعثّرت!.

بقلم/ فيصل علوش