يمكن الجزم من خلال ما سرب حتى الآن من «صفقة القرن» أو «فرصة القرن» الأميركية لحل القضية الفلسطينية، أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لم تتعامل بواقعية مع حقوق الشعب الفلسطيني في وطنه وهذا الأمر ينسحب أيضاً على مواقف كل الإدارات الأميركية السابقة، الأمر الذي يؤكد أن واشنطن تتعامل بسياسة الكيل بمكيال واحد لصالح الكيان الإسرائيلي فقط.
تريد الولايات المتحدة هذه المرة إيجاد حل للقضية الفلسطينية عبر البوابة الاقتصادية على أن يتم الكشف عن «الجانب السياسي للصفقة في الوقت المناسب» وفق عراب هذا الحل، مستشار الرئيس الأميركي جاريد كوشنر.
الذي قال: «خطتنا تظهر القدرة على ربط الضفة الغربية وغزة، وعلينا أن نركز على تحسين الحياة بالنسبة للفلسطينيين (…) ونسعى إلى وضع أمني مستقر يسمح بتدفق الأموال إلى الفلسطينيين (…) وسنواجه كل المشكلات السياسية معاً لكن تركيزنا الآن على الجانب الاقتصادي». وأضاف: «نسعى للوصول إلى حكومة فلسطينية مستدامة تعتمد على نفسها».
خمسون مليار دولار رصدتها الصفقة التي تمتد عشر سنوات لإنعاش حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وكذلك اقتصادات مصر والأردن ولبنان التي تستضيف لاجئين فلسطينيين، لحلحلة الصراع.
تزعم الصفقة أنها ستضاعف الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني، البالغ حالياً 13.8 مليار دولار، وتوفر أكثر من مليون فرصة عمل للفلسطينيين، وتخفض معدل البطالة إلى ما دون 10 بالمئة، وتقلص معدل الفقر بأكثر من النصف.
وقبل أيام، كشف البيت الأبيض عن أبرز ملامح الخطة الاقتصادية، وتتضمن:
– مشروعات لفتح طريق بري بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وتوفير احتياجات الفلسطينيين من الكهرباء.
– مشروعات لبناء محطة كهرباء في غزة، ومنشآت طاقة متجددة، وشبكات مياه وصرف صحي، ورقمنة الخدمات والاقتصاد الفلسطيني.
– تحويل الضفة الغربية وغزة إلى وجهة سياحية عالمية ناجحة، عبر السياحة الدينية والثقافية والترفيهية وسياحة البحر.
– العمل مع مبتكري التكنولوجيا المالية، وزيادة فرص الوصول إلى رأس المال، وشراء بذور وأسمدة جديدة، وبناء أنظمة ري حديثة.
– زيادة البناء في الضفة الغربية وغزة لخفض أسعار العقارات، وتسهيل الحصول على قروض عقارية من البنوك الفلسطينية.
– دعم تطوير مناطق صناعية حديثة ومنشآت تصنيع أخرى، تستفيد فيها الشركات الفلسطينية من حوافز ضريبية وتمويلية، من شأنها خفض تكلفة ممارسة الأعمال التجارية.
– تقديم الدعم لتعزيز صناعة الحجر والرخام والمواد الهيدروكربونية ومعادن أخرى في فلسطين.
غير أن الواضح أن ترامب يستهدف عبر مستشاره وصهره كوشنر إسقاط حق عودة ملايين اللاجئين إلى أراضٍ تحتلها إسرائيل، ويمكن الاستشهاد بقراره، العام الماضي، وقف تمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا».
كوشنر الذي قدم في «مؤتمر المنامة»، وعوداً معسولة وأغفل حقوق الفلسطينيين، ترد عليه صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، بوصفها «صفقة القرن» بأنها «أضغاث أحلام ولا تمت للواقع بصلة».
لا شك أن الشعب الفلسطيني داخل وخارج فلسطين المحتلة، يعاني كثيراً من الانقسام المستشري الذي تعيشه القوى والفصائل الفلسطينية والذي لم يكن وليد الساعة، بل مرت عليه سنوات وعقود حتى قبل ظهور الإسلام السياسي في الساحة الفلسطينية والذي تقوده حركتا حماس والجهاد الإسلامي.
بالنسبة للسلطة الفلسطينية فهي ترفض التعاطي مع أي تحركات أميركية في ملف السلام، منذ أن أعلن ترامب، في 6 تشرين الثاني 2017، القدس بشطريها الشرقي والغربي عاصمة لإسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، ثم نقل السفارة الأميركية إليها في 14 أيار 2018.
وتتمسك هذه السلطة بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المأمولة، استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية، التي لا تعترف باحتلال إسرائيل للمدينة عام 1967 ولا ضمها إليها في 1980.
وتقول القيادة الفلسطينية إن ترامب منحاز تماماً لصالح إسرائيل، وتدعو إلى إيجاد آلية دولية لاستئناف عملية السلام المجمدة منذ نيسان 2014؛ بسبب رفض إسرائيل وقف الاستيطان والقبول بحدود ما قبل حرب حزيران 1967 أساساً لحل الدولتين.
أما فصائل المقاومة الفلسطينية فإنها منقسمة على نفسها نتيجة التشظي في مواقفها من المصالحة الفلسطينية والوحدة الوطنية الفلسطينية وإنهاء الانقسام ومنها من يضع «رجلاً في البور ورجلاً في الفلاحة». وأخرى تتعامل بردود فعل رمادية على الفعل الصهيوأميركي المستمر بحق الشعب الفلسطيني، قتلاً وتشريداً واعتقالاً واستيطاناً وغير ذلك. رغم أن الجميع ينادي بتصعيد المقاومة المسلحة كخيار أساسي ضد الاحتلال، ويضع اللوم دائماً على الظرفين الذاتي والموضوعي بكونهما لم يخدما القضية الفلسطينية كما ينبغي منذ نكبة فلسطين في العام 1948.
بناء على ما سلف فإن الكل الفلسطيني، من السلطة والفصائل، يلوم الكل الفلسطيني، وهؤلاء الكل عاجزون عملياً عن اتخاذ فعل مقاوم حتى الآن ضد صفعة القرن.
بقلم/ نعيم إبراهيم