أنا ادرك تماماً بان الكثير من العربان " المخصيين" وزعاماتهم المنهارة والتي تعاني من عقدة " الإرتعاش" السياسي الدائم في التعامل مع امريكا واسرائل،حيث الخضوع والإستجابة لكل ما تمليانه عليهم من قرارات واوامر وتعليمات،ومنع الخروج على النص،سيقولون بأن ما يقوله السيد نصر الله درب من الجنون وقفزة في الهواء وشكل من أشكال " العنتريات" الفاضية،فهم تعودوا على الذل والمهانة وتجذرت لديهم ثقافة " الإستنعاج"،من بعد توقيع اتفاقية "كامب ديفيد" وقول معلمهم ومرسي هذه الثقافة السادات،بأن 99% من أوراق الحل في يد أمريكا،ولتجد تلك الثقافة صداها عند انظمة عربية متعفنة ومنهارة،ولتُنظر لهذا النهج والخيار ،خيار الإستسلام بدل خيار المقاومة،بل وجدنا وزير خارجية قطر السابق حمد بن جاسم،يقول أثناء الحرب العدوانية التي شنتها اسرائيل على قطاع غزة في عامي 2008 -2009،نحن العرب "نعاج" ولا طاقة لنا بمحاربة اسرائيل.
هم يدركون جيداً بأن نهج وخيار وثقافة المقاومة،قبل أن تستهدف اسرائيل وتشكل خطراً على وجودها،فهي مستهدفة لعروشهم ،وبالتالي هم يخشون هذا النهج والخيار أكثر من خشية اسرائيل له،ولذلك سيستخدمون كل الوسائل والطرق وإمكانياتهم وطاقاتهم،لكي لا يكون لهذا الخيار مكاناً عند العرب ، لا فكرا ولا ثقافة ولا خياراً.
وبالمناسبة لا بد من القول بان ما حصل ويحصل في لبنان الآن،هو جزء من مخطط عدم تحقيق وعد سماحة السيد حسن نصر الله بالصلاة في القدس،حيث تنشط مشيخة آل سعود بعد هزيمتها المدوية في اليمن ،في تغذية الفتن المذهبية والطائفية والأثنية في لبنان،فهناك حرب شعواء تشنها وسائل الإعلام السعودية على حزب الله والتيار الوطني الحر،وملايين الدولارات تضخ على جماعة الرابع عشر من آذار وحزبي القوات اللبنانية / سمير جعجع،وما يسمى بالحزب التقدمي الإشتراكي / المأفون جنبلاط،فحادثة قبرشمون المفتعلة من قبل جنبلاط،والإجراءات المتخذة بحق لاجئ شعبنا في لبنان من حرمان بالعمل والحركة والتجارة،وتشديد العقوبات الأمريكية المالية وغيرها على حزب الله،هي جزء من الحرب المستهدفة تفجير الوضع الداخلي اللبناني،وتفجير العلاقات اللبنانية – الفلسطينية بالدفع نحو اقتتال لبناني- فلسطيني.
المُنظر والفيلسوف والقائد الشيوعي لينين يقول " التحليل الملموس للواقع الملموس"،ولذلك لا نعتقد بان سماحة السيد نصرالله والذي يعرف العدو قبل الصديق،صدقه وقرنه للأقوال بالأفعال،ومن قال ونفذ حيفا وما بعد حيفا،بأنه لا يطلق مثل هذه التصريحات بدون رصيد،او دون ان يكون لها إمكانيات للتحقيق على ارض الواقع،فالزمن الذي كانت به اسرائيل تحسم حروبها في ساعات او أيام،وتنقل فيها معاركها الى أرض العدو،ويبقى شعبها مستمراً في العمل والإنتاج والذهاب الى الملاهي والشواطىء،من بعد عملية تحرير الجنوب اللبناني في 25/ آيار2000،ولى هذا الزمن الى غير رجعة،حيث قوة الردع الإسرائيلي وهيبة الجيش الذي لا يقهر،سائرة نحو الإنحدار والتراجع،فلم تعد اسرائيل من بعد حرب تموز العدوانية /2006،قادرة على ان تمتلك وتقرر زمام المعارك والحروب،بدايتها ونطاقها واهدافها ونهاياتها،أو نقل المعارك الى أرض الخصم،فحرب تموز شكلت نقطة مفصلية ومحورية في هذا الجانب،حيث لم تنجح اسرائيل بحسم تلك الحرب بقواتها الجوية المتفوقة بشكل كبير جداً،والمعركة لم تحسم في ساعات وأيام،والإسرائيليون لم يستمروا في العمل والإنتاج والذهاب الى الشواطىء،بل أصبحوا يعرفون يومياً وطوال أيام الحرب ال33 طريقهم للملاجىء.
حرب تموز /2006 والحروب العدوانية الثلاثة على قطاع غزة 2008 -20009 و 2012 و 2014 ،قالت بشكل واضح بان اسرائيل،لم تعد مالكة ومقررة للحروب بداياتها ونطاقها ومدتها،وبان سلاح الطيران لم يعد العامل الحاسم في المعارك،وبان زمن المعارك والحروب الخاطفة انتهى،وان الحرب على أرض العدو،وعيش شعبها في النعيم،كذلك ولى الى غير رجعة.
من بعد ما يسمى بالربيع العربي،وما اعقب ذلك من تطورات،حيث كسرت الحلقة السورية بصمودها وثباتها المشروع الأمرو صهيو عربي ،وخرجت المقاومة بشكل أقوى على المستوى الكفاءة والقدرات والتسليح والخبرات،باتت المقاومة تمتلك الكثير من الأسلحة المتطورة كماً ونوعاً ودقة،بحيث أصبحت قادرة على ضرب أي هدف ونقطة على طول وعرض مساحة فلسطين التاريخية،وما الخريطة التي عرضها سماحة السيد حسن نصر الله لبنك الأهداف التي يمكن ان تستهدفها المقاومة في أي حرب قادمة،وبالذات ما يسمى ب"قلب اسرائيل" على مساحة 1200 كم2،والمتضمنة مراكز القيادة والإدارة والعمل والإنتاج في الامن والسياسة والمال والإقتصاد،إلا تأكيد على ما تمتلكه المقاومة من قدرات وإمكانيات عسكرية كبيرة جداً.
ان زمن الإستفراد بقوى المقاومة منفردة أيضاً قد ولى،والحروب القادمة ستكون ذات بعد إقليمي،وهي لن تعتمد على الصواريخ فقط،بل سيكون هناك حروب برية ستخاض،داخل الأراضي التي تحتلها دولة الإحتلال وعلى أكثر من جانب من جوانب الحدود.
اسرائيل تأخذ تهديدات السيد حسن نصر الله على محمل الجد،فهي تدرك بكل مستوياتها الأمنية والعسكرية والسياسية،وحتى الجمهور الإسرائيلي،بأن السيد نصر الله يصدق في قوله،ولذلك شرعت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في تحصين أكثر من عشرين مؤسسة اسرائيلية استراتيجية للوقاية من صواريخ حزب الله،منها شركة كهرباء اسرائيل وخطوط الغاز الإسرائيلية،ومؤسسات أخرى لم يكشف النقاب عنها لأسباب أمنية.
ان السيد حسن نصرالله في تهديداته لا يوجه رسالة ذات بعد نفسي،كجزء من الحرب المستعرة مع الإحتلال،بل ما يقوله السيد نصر الله،يتعدى حدود لبنان والجليل الفلسطيني،الى حرب شاملة قد تندلع في أي لحظة،إستناداً الى حصيلة كبيرة من المعلومات المتجمعة لدية،والى قراءة معمقة للأوضاع العسكرية والسياسية الحاصلة في المنطقة نتيجة للتوتر والتصعيد بين طهران وواشنطن في الخليج،ولذلك عندما يقول نصرالله بانه اذا امد الله في عمره سيصلي في القدس في السنين القادمة،فهو يستند الى ما تملكه المقاومة من قوة رادعة كبيرة،والى هشاشة بنية الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
بقلم/ راسم عبيدات
فلسطين – القدس المحتلة
17/7/2019