الحقوق لا تسقط بالتقادم وإسرائيل تغتصب الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني
تصريحات جيسون غرينبلات مبعوث الرئيس الأمريكي للمفاوضات الدولية، إن إسرائيل "هي ضحية (الصراع الفلسطيني الإسرائيلي)، وأنها من وجهة نظره لم ترتكب أي أخطاء على مدار عقود من الصراع المستمر". هذه التصريحات تعبر عن جهل في حقيقة وجوهر الصراع مع إسرائيل التي اغتصبت ارض فلسطين وارتكبت أبشع الجرائم والاباده بحق الشعب الفلسطيني وتشريده عن ارض وطنه ومرة أخرى تثبت أمريكا عبر مبعوثيها انحيازها الكامل وانقيادها الأعمى وراء ادعاءات الصهيونية العالمية المجافية للحقيقة وفيها تزوير للتاريخ .
وفي معرض إجابته عن سؤال عن "مدى مسؤولية إسرائيل عن الوضع الحالي للصراع مع الفلسطينيين أجاب غرينبلات في مقابلة على شبكة "بي.بي.إس: أعتقد أن إسرائيل هي في الواقع ضحية أكثر من كونها الطرف المسئول. منذ لحظة تأسيسها، تعرضت للهجوم عدة مرات، وهم يواصلون مهاجمتها من خلال "الإرهاب".
ورداً على سؤال حول احتمال ضم إسرائيل لمستوطناتها في الضفة، قال غرينبلات: "أنا لا أحب كلمة المستوطنات. أعتقد أنه مصطلح تحقير. أنا استخدم مصطلح الأحياء والمدن".
وأردف قائلا: "إنني أعتقد أن أحد التحديات التي يواجهها هذا الملف، في الوقت الذي يتحدث الناس عن الضفة؛باعتبارها محتلة، يمكنني القول إن الأرض (الضفة الغربية) هي أراض متنازع عليها. يجب حل هذه المسألة في سياق مفاوضات مباشرة بين الطرفين. إن تسميتها أرضاً محتلة لا يساعد على حل النزاع".
وهنا تستوقفنا تصريحات غرينبلات عن (الضفة الغربية) هي أراض متنازع عليها. يجب حل هذه المسألة في سياق مفاوضات مباشرة بين الطرفين. إن تسميتها أرضاً محتلة لا يساعد على حل النزاع". هذا المفهوم وهذه التصريحات خطأ فادح في فهم التاريخ وتحريف لقرارات الشرعية الدولية ففلسطين دوله تحت الاحتلال وهي مغتصبه من قبل إسرائيل التي هاجر اليها اليهود من مختلف دول العالم حيث هجر الشعب الفلسطيني قسرا وبالقوة الغاشمة وبالإرهاب من أرضه التاريخية فلسطين
قرارات الشرعية الدولية تؤكد مشروعية الحقوق الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني في فلسطين وتصريحات غرينبلات تشكل خرق فاضح لهذه القرارات وان حق العودة وقرار التقسيم أعطى مشروعيه قانونيه وتاريخيه وفند الادعاء الصهيوني لاغتصاب ارض فلسطين بموجب وعد بلفور وتواطؤ بريطانيا مع الصهيونية العالمية ومنحها فلسطين لإقامة وطن يهودي على ارض فلسطين ، صدر قرار التقسيم من الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 11-1947 بموافقة 33 دوله واعتراض 13 دولة وامتناع الباقي ، وكان هذا القرار يحمل رقم 181 أوصى بإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيم أراضي فلسطين إلى ثلاث كيانات جديدة
- تأسيس دولة عربية فلسطينية على45% من فلسطين.
- تأسيس دولة يهودية على 55% من فلسطين.
- أن تقع مدينتا القدس وبيت لحم في منطقة خاصة تحت الوصاية الدولية.
وكان قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة مجحف بحق الشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية وغافل لمبدأ حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير ولم يطبق القرار في حينه لرفض الفلسطينيين لهذا القرار الظالم وتمسكهم بحقهم بكامل فلسطين التاريخية إلا انه أرسى شرعيه دوليه لإقامة دولة فلسطين على 45 % من أراضي فلسطين وأعطى لليهود 55 % وهذا بحد ذاته يناقض تصريحات غرينبلات ويبدد ادعاءاته الباطلة عن اعتباره (الضفة الغربية) هي أراض متنازع عليها وهي مشمولة بقراري مجلس الأمن 242 و338 وقد نص القرار في المادة الأولى/ الفقرة أ: "انسحاب القوات الإسرائيلية من أراض احتلت في النزاع الأخير". وفي النصوص الفرنسية والروسية والإسبانية والصينية فقد دخلت "أل" التعريف على كلمة أراض بحيث لم يعد هناك أي لبس أو غموض. وزيادة في الوضوح فقد بادر مندوبو عدة دول مثل فرنسا والاتحاد السوفييتي ومالي والهند ونيجيريا إلى التصريح -قبل التصويت على القرار- بأن حكوماتهم تفهم هذه الفقرة بأنها تعني انسحاب القوات الإسرائيلية من جميع الأراضي التي احتلت عام 1967 وكانت آنذاك تتبع السيادة الاردنيه وقطاع غزه يقع تحت السيادة المصرية
جوهر وحقيقة الصراع مع إسرائيل الذي يحاول غرينبلات وكوشنير وفريدمان التغاضي عنه أن الصهيونية قامت كمشروع سياسي على مغالطات دينية وتاريخية، مثل القول "إن اليهود هم شعب الله المختار"، و"الوعد الإلهي بمنح الأرض المقدسة لهذا الشعب"، و"إن داود هو أول من بنى القدس واتخذها عاصمة لملكه"، وغير ذلك من الادعاءات التي يسوق لها غرينبلات وطاقم المبعوثين الأمريكيين " ولدى الكثير من الغربيين مشكلة كبيرة في التعامل مع التاريخ ومع الدين؛ فهم يستدعون التاريخ بشكل انتقائي متى كان ذلك في مصلحتهم. ومن الأساطير الشائعة هنا القول إن "لليهود حقا تاريخيا في فلسطين"، و"إن العبرانيين هم أول من سكن فلسطين"، و"إن فلسطين كانت أرضا صحراء"، وغير ذلك.
وبنفس المنطق يُستدعى الدين لتبرير سياسات ومواقف معينة، فمعظم الاعتداءات العسكرية التي قامت وتقوم بها دولة الاحتلال تتضمن أدوارا للحاخامات في دعم العدوان وتبريره ومباركته، وهناك مئات الفتاوى الدينية التي تبرر قتل العرب والتنكيل بهم.
ردد الرئيس الأميركي دونالد ترمب أسطورة من أساطير الصهيونية في زيارته الأخيرة لتل أبيب ، وهي أن "إسرائيل" تعبير عما أسماه "إرث الوجود اليهودي الديني" في فلسطين منذ آلاف السنين. وفي هذه الإشارة استدعاء للدين والتاريخ من أوسع أبوابهما، ولا سيما أنها جاءت في سياق الحديث عن الدعم الأميركي لدولة الاحتلال.
وبذات المنطق الذي يسوقه ترمب ومبعوثيه غرينبلات وفريدمان وكوشنير ؛ ممنوع على العرب والمسلمين الدفاع عن مقدساتهم الدينية في القدس، أو ذكر إرثهم الديني والتاريخي في المدينة وفي فلسطين . وعندما نتحدث عن هذا تكون الحجة التي يرفعها الغربيون في وجوهنا هي ضرورة التحلي بالموضوعية والتركيز فقط على الواقع.
وهذا الواقع في نظرهم مسألة نزاع على أرض بين طرفين يمكن حله بالتفاوض، وبتطوير الفرص الاقتصادية للشعب القابع تحت الاحتلال، أي بالتجاهل التام لأسباب الصراع السياسية وللأبعاد الإنسانية والحقوقية والجيوبوليتيكية للصراع.
سيظل الدين والتاريخ من العوامل الأساسية في صراعنا مع المشروع الصهيوني، الذي هو مشروع احتلالي عنصري قائم على أساس الدين. والموضوعية ذاتها -التي يرفعها كثيرون- هي التي تحتم علينا العودة إلى الدين والتاريخ، تماما كما تحتم علينا فهم الواقع الحالي وموازين القوة الإقليمية والدولية، وانتهاز الفرص وحساب المكاسب والخسائر.
الموضوعية والواقعية التي على غرينبلات فهمها تقتضي أن تُطرح القضايا الحقيقية التي يحتمها جوهر الصراع. فالمسألة تكمن في حقيقة وجوهر ما قامت عليه إسرائيل كمشروع سياسي صهيوني توسعي ، يدور حوله الصراع- هو طبيعة الدولة الإسرائيلية ذاتها، التي تقوم على صفتيْ "العنصرية على أساس الدين"، و"التوسع على حساب الدول المجاورة، إنْ بالشكل العسكري المباشر أو بالاختراق والتخريب". أما الاحتلال والاستيطان والحصار وكل الإجراءات القمعية والتعسفية الأخرى؛ فتأتي من هذه الطبيعة التي لا مثيل لها في عالمنا المعاصر.
فمواجهة هذا المشروع العنصري التوسعي تقتضي أن يعود العرب إلى جوهر الصراع، ويرفعوا المطالب الحقيقية التي تحتمها مقتضيات الموضوعية والواقعية، كإلغاء كل القوانين والإجراءات التي ترسخ التمييز والعنصرية والتوسعية، ودفع تعويضات عن كل الانتهاكات التي ارتُكِبت منذ عقود، والتخلي عن الطبيعة الاحتلاليه .
تصريحات غرينبلات أن إسرائيل ليست دوله احتلال وان الصراع مع إسرائيل ليس صراع حقوق بل هو تنازع على أراضي وتصريحاته تعطي شرعيه للاستيطان والمستوطنات ، وهذا يؤكد صحة الموقف الفلسطيني لرفض صفقة القرن و تهدف إلى نزع الطابع الوطني التحرري عن القضية الفلسطينية وإحالتها إلى محض قضية إنسانية ومساعدات اقتصاديه وهو أمر سبق للفلسطينيين رفضه وقد تتضمنه مشروع جون كيري وزير الخارجية الأسبق في عهد اوباما.وتم رفضه ،ويبقى جوهر الصراع مع إسرائيل صراع على حقوق وليس تنازع على أراضي ، غرينبلات يجهل التاريخ وجذور الصراع بتصريحاته ، و لمن أراد أن يتخذ من المسار التفاوضي نهجا لإدارة الصراع عليه ان يفهم جذور وتاريخ الصراع ويقرأ ويفهم التاريخ قبل ان ينساق وراء ادعاءات باطله وينقاد وراء أوهام ليس إلا.
بقلم/ علي ابوحبله