أنوبيس، رأس ابن آوى بلونه الأسود على جسم رجل، اختير ليكون ايقونة كأس الأمم الأفريقية التي تنظمها مصر، أثار ذلك موجة من الجدل على اعتبار انه اله الموتى والتحنيط عند القدماء المصريين وأن مهمته تمثلت في حماية قبور الموتى، وكثيراً ما تم استحضاره في الاساطير الشعبية ببعض الصفات الشريرة، لكن أنوبيس في الوجه الآخر من الاسطورة هو من يشرف على وزن قلب الميت بريشة ماعت "اله الحق والعدالة والنظام"، فإن كان قلب الميت أخف من ريشة النعام التي تضعها ماعت على رأسها كان الميت صالحاً يستحق النعيم كما تقول الأسطورة، وإن كان عكس ذلك تلقفه الوحش فلا يبقي منه ولا يذر، وريشة ماعت نفسها هي التي تقف خلف المثل الشعبي "على راسه ريشة" لمن يظن أنه فوق الحق والقانون والنظام.
خرجت مصر من البطولة مبكراً على غير المتوقع وتركت مضمار السباق لغيرها، خسرت البطولة لكنها في الوقت ذاته حققت مكاسب اخرى، ابهرت مصر الجميع بقدرتها على التنظيم ورسمت لوحة جميلة في افتتاح البطولة بما يليق مع مكانتها وتاريخها، والأهم أنها استغلت الحدث الرياضي لتضع علاقتها مع الاشقاء العرب في مسارها الصحيح، لتجفف بذلك تلك الأقلام التي اعتادت على تعكير صفو العلاقة الأخوية بين الشعوب العربية، تلك الأقلام التي ضخت على وسائل الاعلام حقدها قبل سنوات قليلة لتوتير العلاقة بين مصر والجزائر مستغلة مباراة كرة قدم جمعت بينهما، انتظرت وسائل الاعلام التي تبث سموم الفرقة والشقاق بين الشعوب العربية الفرصة لأن تنضح بما لديها، كانت تتلهف لحدث هامشي تعيد من خلاله بث اسطوانتها القديمة، فلم تجد سوى صورة مصر وهي تفتح ذراعيها لأشقائها العرب وضيوفها من القارة السمراء، تسمرت وسائل الاعلام المسمومة في حقدها وهي ترقب مؤازرة الشعب المصري للفرق العربية، وأصابها الذهول حين رددت الجماهير المصرية مع الحناجر الجزائرية "وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر.. فاشهدوا".
الأعلام الجزائرية وهي تغطي مدرجات استاد القاهرة، ذلك الصرح الرياضي الأكبر والأجمل في افريقيا الذي افتتحه الزعيم جمال عبد الناصر عام 1960 في ذكرى ثورة يوليو، أعادت رسم لوحة جميلة من العلاقة الأخوية بين مصر والجزائر، فلا يمكن للجزائر أن تنسى فضل مصر في دعم ثورتها وترسيخ دعائم استقلالها، ولا يمكن لمصر أيضاً أن تتجاهل دعم الجزائر لها في حرب اكتوبر 1973.
انصفت العدالة منتخب الجزائر بتتويجه بالبطولة، كون منتخبها تحلى بروح قتالية عزز بها قدرات أفراده مما أجبر الجميع على احترامه، وفازت مصر بقدرتها على الاستضافة والتنظيم لهذا الحدث الرياضي، وفزنا نحن بفرح جلبته لنا الرياضة بعد أن أوجعتنا السياسة باخفاقاتها، وإن كنا لا نؤمن بريشة ماعت ولا برفيقها انوبيس ولم نعد نسمع سقراط وهو يحلف به، إلا أننا نؤمن بقدرة هذه الأمة على النهوض من كبوتها وتسخير امكانياتها لخدمة قضاياها وتحقيق العدالة لشعوبها.
د. أسامه الفرا