ذكرى رحيل القائد الوطني الفلسطيني والمناضل الكبير بسام الشكعة “أبو تضال“ (1930م- 2019م )

بقلم: سامي إبراهيم فودة

بسم الله الرحمن الرحيم
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا "صدق الله العظيم"
يا وجعنا على زمن نفقد فيه الرجال في زمن قل فيه الرجال, يا لألم الذكرى التي تدون في صفحات الموت, أسماً جديداً لم يستسلم إلا لربه, رغم رحلة العذاب الشاقة ومحاولات التربص الدائم لقتله, يبكي عيبال، فيردُ جرزيم متنهداً، رحل صوت العروبة، ترجل ثالث الجبال, ,ترجل القومي المقاتل عن عالمنا الى عالم أخر في يوم إطلاق الرصاص على الشهيد ناجي العلي الذي دون للتاريخ قبل 32 عاماً ,بان حنظل لا يموت, لتتراكم رسائل الفلسطيني الصلب التي تبرق للمحتل نبأً عاجلاً مكرراً الفلسطيني المقاوم زاحفاً شامخاً يقاتل ميتاً باسمه الذي يردده الاجيال,
إخوتي الأماجد أخواتي الماجدات أعزائي القراء أحبتي الأفاضل فما أنا بصدده اليوم هو تسليط الضوء على سيرة عطرة وذكرى طيبة لرجل من رجالات الوطن وفدائي من مغاوير مقاتلين الثورة الفلسطينية وقائد ومناضل ومفكر ورئيس بلدية نابلس جبل النار لسنوات طويلة, وايقونة فلسطينية باسقة كالنخيل الشامخ وقامة من الرموز الوطنية النضالية الكبيرة والمشهود له بالنزاهة والكفاءة والإخلاص، ونظافة اليد وحسن السمعة وطهارة القلب واللسان ,انه سنديانة نابلس وهج جبل النار, رجل بحجم وطن في ذاكرتنا وفي ذاكرة شعبنا الفلسطيني, رحل المناضل بسام الشكعة تاركاً في رصيده قصصاً في الدفاع عن الأرض ودروساً في التمسك بالعروبة حتى الرمق الأخير رغم قساوة مشهد التمزق العربي...
انه صاحب توجه قومي عربي وزعيم البعثيين في فلسطين وإحدى الشخصيات الوطنية والاعتبارية المعروفة التي تحظى باحترام كبير على مستوى الوطن وأحد أعمدة النضال الوطني الفلسطيني على مدار عقود طويلة, وأخيراً ترجل البطل الفارس الهمام عن حصان الثورة تاركًا خلفه إرثاً تاريخياً وبصمة خالدة في مسيرة حياته النضالية, فقد خسرت فلسطين وعائلته وشعبنا في جبل النار نابلس خسارة ثقيلة, فمشواره الكفاحي كان برفقة الشهداء العظماء ياسر عرفات وخليل الوزير بعد ان وافته المنيّة عصر يوم الاثنين الموافق 22/7/2019م وذلك في المستشفى الانجيلي العربي في نابلس بعد صراع طويل مع مرض, عن عمر يناهز 89 عاما, أنه القائد الوطني الفلسطيني والمناضل الكبير بسام أحمد الشكعة..
نشأ القائد الوطني الفلسطيني المناضل الكبير الراحل/ بسام أحمد الشكعة المكنى" أبو نضال" في نابلس مقر سكناه ومسقط رأسه بتاريخ 1930م والابن الأصغر لوالده احمد احد اعيان نابلس وشخصيات فلسطين البارزة والتي عرفت بحسن خطها الوطني والسياسي ,ويعتبر الراحل أبو نضال احد الوجوه البارزة في تاريخ القضية الفلسطينية وأحد أعيان مدينة نابلس في فلسطين ورئيس بلدية نابلس السابق, وترعرع وسط أسرة فلسطينية لاجئة مناضلة متواضعة محافظة على تقاليد المجتمع الفلسطيني وملتزمة بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف, فهو متزوج وأب وله من الأبناء وهم/ نضال - غدير,
محطات مضيئة في حياة القائد الوطني الفلسطيني المناضل الكبير: بسام الشكعة
حياته مليئة بالظروف والأحداث والمواقف التي مرة بها في رحلة كفاحية طويلة من مسيرته الوطنية والإنسانية الحافلة بالتضحية والنضال والوفاء, فكان نموذج للإنسان الفلسطيني الملتزم في مواقفه السياسية والوطنية والإنسانية والاجتماعية حيث دافع بكل بسالة عن منظمة التحرير الفلسطينية، ودعا إلى إصلاح البيت الفلسطيني دائماً...
على يد احد النماذج الوطني الشهيد عبد الرحيم حمودة تتلمذ المناضل بسام الشكعة في مدرسة النجاح حبه للوطن استحوذ على اهتمامه, حيث انضم إلى جيش الإنقاذ في العام 1948 ضد الوجود الصهيوني في فلسطين وردَّد مع استاذه الرائد الشاعر، عبد الرحيم محمود، بحميّة وحماسة: سأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مَهاوي الرَّدى..
شارك في مظاهرة ضد العدوان الإسرائيلي على قرية قبيه عام 1954،مطالبا بتسليح الشعب الفلسطيني, الأمر الذي عرضه لقرار السجن ، لمدة ثلاثة أعوام حكما غيابياً, وأُبعد إلى مصر عام 1962، حيث بقي لاجئا سياسيا هناك الى ان صدر عفو من الملك حسين ابن طلال عن جميع اللاجئين السياسيين فعاد الى الاردن والى مدينة نابلس عام 1965م..
انضم إلى حزب البعث العربي الاشتراكي إلا انه ترك الحزب رسميا عام 1959,لخيبة أمله من الانفصال الذي قضى على "الجمهورية العربية المتحدة" التي وحدت القطرين المصري والسوري.
خاض بسام الشكعة انتخابات البلدية عام 1976م حيث كان على رأس قائمة وطنية في آخر انتخابات للبلديات الفلسطينية في الأرض المحتلة فترة الاحتلال الإسرائيلي وقاد القائمة الوطنية للانتخابات حيث فاز برئاسة بلدية نابلس ، وشكل مع اخوانه رؤساء البلديات الأخرى ( فهد القواسمه ، محمد ملحم ، إبراهيم الطويل ، كريم خلف ) وآخرين من ممثلي المؤسسات الشعبية والأحزاب لجنة التوجيه الوطني التي قادت النضال ضد الاستيطان وممارسات قوات الاحتلال الإسرائيلي داخل الأرض المحتلة .
كان الشكعة يذهب مشياً على الأقدام إلى جبلي عيبال وجرزيم ليتأكد من خلوهما من العصابات الإسرائيلية التي حاولت احتلال كل ما هو فلسطيني.
عمل على التصدي لعمليات مصادرة الأراضي والعقاب الجماعي وفرض الضرائب، ومن أدواره أيضا التنسيق مع الحركات الطلابية في جامعة بيرزيت، والنجاح، وبيت لحم، والنقابات المهنية والعمالية وكل قوى المجتمع، الأمر الذي عزز من الالتفاف الشعبي حوله، ونجح في إفشال قرار إبعاده الذي حاولت سلطات الاحتلال تنفيذه.
لعب الشكعة دوراً كبيراً في إفشال المخططات الإسرائيلية لما كان يطلق عليه "روابط القرى" إضافة إلى دوره في محاربة المخططات الاستيطانية من خلال تثبيت الناس في أرضهم، وتشجيعهم على استصلاح أراضيهم كما فعل في مناطق الأغوار، في محاولة لإفشال خطة "ألون" والتصدي لمشروع بناء مستوطنة في محطة سكة الحجاز بنابلس، ونجح في استعادة اراضي خلة السراويل في قرية حوسان بمحافظة بيت لحم.
اهتم الشكعة ورفاقه بإفشال محاولات الاحتلال اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم ووطنهم، وبذل جهودا كبيرة لمنع التهجير وشكل فرقا لمقاومة الاحتلال.
نجح الشكعة في تحدي الاحتلال الذي سعى لبناء مستوطنة في محطة سكة الحجاز في نابلس والممتدة من مسجد الحاج معزوز المصري إلى مسجد الانبياء، فوقف إلى جانب رجال المدينة والعلماء والوطنيين مانعا البناء بالقوة.
وشكل مع آخرين من ممثلي المؤسسات الشعبية والأحزاب التي نشطت في الأراضي المحتلة؛ لجنة التوجيه الوطني التي قادت النضال الفلسطيني ضد الاستيطان وممارسات الاحتلال، ولم تطرح نفسها بديلا عن منظمة التحرير الفلسطينية التي كان يترأسها ياسر عرفات.
تعرض الشكعة للتهديد من قبل وزير الجيش الاسرائيلي عيزر وايزمن في عام 1979 ومواجهة إيذاء جسدي اذا استمر في معارضته لسياسات الاحتلال، وخاصة مشاركته في مظاهرة ضد إقامة مستوطنة "الون مورية" شرق نابلس،
وتعرض لمحاولة اغتيال وقف وراءها ما عُرف بالتنظيم الإرهابي الصهيوني السري، وأدى انفجار عبوة وضعت في سيارته تسببت في بتر قدميه في 2 حزيران 1980م مع اثنين من رؤساء البلديات في الضفة هما رئيس بلدية رام الله كريم خلف آنذاك، ورئيس بلدية البيرة إبراهيم الطويل، كما بترت ساق كريم خلف، في حين نجا إبراهيم الطويل لاكتشافه العبوة الناسفة وقال الشكعة كلمته الشهيرة حينها "الآن أصبحت أقرب للأرض" في إشارة إلى عظم حبه لها.
هي نابلس الكبيرة التي طردت أيضاً الحاكم العسكري للاحتلال عندما حاول الوصول الى مستشفى بذريعة الاطمئنان على أبا نضال الحاجز البشري ينجح في منع الحاكم العسكري اللعين فكان رد الجماهير له فاشي اطلع بره..
وبعد حادثة التفجير بقي لخمسة سنين محاصراً في بيته وجنود الاحتلال يطوقون بيته ويمنعون زواره من التواصل معه عدا عن المضايقات التي كانت تواجهه من الجنود هو وأفراد أسرته، وبقي صامدا مقاوما مدافعا عن حقه وحق شعبه لم يضعف أو يتنازل أو يساوم,, مشعلة انتفاضة عارمة استمرت عدة أشهر وشملت مختلف المدن الفلسطينية.
وفي حديث لشبكة سي إن إن قال الشكعة: إن استطاعوا قطع أقدامي فلن يستطيعوا قطع نضالي، وأراد لي الصهاينة أن أموت ولكن الله منحني الحياة، لكي أكمل رسالتي في الدفاع عن فلسطين عربية حرة، كل فلسطين، وحق كل عربي أن يدافع عن فلسطين لأنها قضية الشعب العربي والأمة العربية، وهي قضية قومية عربية
هو التاريخ الذي سجل بفخر فلسطيني لحظات طرد المناضل بسام الشكعة للحاكم العسكري للاحتلال عام 1977م من أمام بلدية نابلس وسط هتافات موجهة لحاكم العسكري, فلسطين عربية...
وخلال رحلة علاجه وظف الشكعة إعاقته لشرح معاناة الشعب الفلسطيني، وكسب تأييد العالم لمنظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، وتلقى 29 دعوة رسمية من دول العالم لزيارتها عقب حادثة التفجير، ولم يرفض إلا واحدة قدمها الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، بسبب رفضه استنكار جريمة استهدافه واعتبارها جريمة سياسية، وليس النظر لها كجريمة من ناحية إنسانية فقط.
دفع الشكعة ثمن مواقفه من جسده وحريته، فقد تعرض للاعتقال عام 1979 واعلن من سجنه الاضراب عن الطعام لمدة اسبوعين وقد كان للالتفات الشعبي والجماهيري داخل الوطن وخارجه نتيجة باستجابة سلطات الاحتلال لهذه الضغوط والافراج عنه.
كما يسجل للشكعة أنه نجح في استعادة أراضي خلة "السروايل" من أراضي قرية حوسان قضاء بيت لحم بعد بيع أحد الأشخاص 400 دونم لصالح "كيرن كايمت" حيث تمت إعادة مبلغ مالي للمشتري واستعادة الأرض، وفق ما توضح المصري.
وقاد الشكعة وزملاؤه في لجنة التوجيه الوطني عام 1979 مواجهات جماهيرية ناجحة ضد مشروع مستوطنة "الون موريه" على أراضي قرية روجيب شرقا، متحديا الأمر العسكري الذي أصدره الجنرال وايزمن لإبعاده من وطنه، ما أرغم الاحتلال على التراجع عن بناء المستوطنة في ذلك الوقت وإلغاء أمر الإبعاد والإفراج عنه من سجنه.
مع قدوم السلطة الفلسطينية لم يهادن الشكعة كثيرا قيادتها، ولا سيما رئيسها الراحل ياسر عرفات، وعرف بمعارضته لسياساتها.
نظرة الوداع الأخيرة .. على رحيل القائد المناضل.. بسام الشكعة" أبو نضال"
بعد مسيرة نضالية وتاريخية مشرفة حافلة بالعطاء والتضحية والفداء والنضال والكفاح والصمود والمقاومة، من اجل تحقيق الحلم الفلسطيني وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية, باغته ملك الموت يوماً مات على طاعة الله وحب الوطن مساء الاثنين الموافق 22/7/2019م
وقد شارك في تشييع جنازة القائد الكبير والمناضل الوطني الفلسطيني ورئيس بلدية نابلس الأسبق الراحل/ بسام الشكعة" أبو نضال" اليوم الثلاثاء الموافق23/7/2019م ولف جثمانه الطاهر بالعلم الفلسطيني وسط حضور جماهيري غفيرة من المشيعون وكبار الشخصيات القيادية من حركة فتح والأجهزة الأمنية الفلسطينية بالسلطة الوطنية والقوى الوطنية و عدد من المسؤولين والوجهاء والشخصيات الاعتبارية في محافظة نابلس وكافة محافظات الضفة الغربية. وألقيت نظرات الوداع الأخيرة عليه من قبل عائلته رفقائه وأصدقائه,
وأقيمت صلاة الجنازة يوم الثلاثاء بعد أداء صلاة الظهر عليه من المسجد الحنبلي في البلدة القديمة بنابلس ودع جثمانه الطاهرة آلاف من أبناء شعبنا وسار جثمانه الطاهر في موكب جنائزي مهيب خيمت عليه أجواء الحزن إلى مثواه الأخير ليواري الثرى في المقبرة الغربية, وبعد دفن الشهيد توافد الالاف من أبناء شعبنا الفلسطيني في محافظات الضفة الغربية الى خيمة العزاء في بيته الكائن في المخفية بنابلس، ولمدة 3 أيام",
اللهم ارحم الفقيد المناضل/ بسام الشكعة، واسكنه فسيح جناته مع الأنبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً...

بقلم : سامي إبراهيم فودة 23/7/2019م