قرارات القيادة الفلسطينية والتي اعلن عنها الرئيس محمود عباس بوقف العمل بكافة الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الاسرائيلي ... تعتبر قرارات شجاعة وجاءت بتوقيت حساس وهام في ظل ما يخطط ويدبر من صفقة امريكية ... و ازاء ما يجري من تعديات وهدم وتهويد وتدنيس للمقدسات .... الى وقفة شجاعة والى حسابات وطنية يجب الالتفاف حولها ودعمها وتحمل كلا منا لمسؤولياته بعيدا عن ما هو قائم وسابق من مواقف لم تحسب بمفهوم وطني شامل بقدر ما كانت تعبير عن حالة انتقائية فصائلية تخدم اجندات خاصة .
قرار الرئيس محمود عباس يحتاج الى اعادة صياغة العلاقات الداخلية والوطنية بصورة جادة وبمسؤولية عالية ... كما يحتاج الى ترتيب اولويات علاقاتنا الفصائلية الخارجية بصورة صحيحة واكثر دقة وبما يخدم القضية ... وضرورة وقف ثقافة الاختلاف والتباين المصلحي المصطنع للكسب التنظيمي ... وان نغلب الاجندة الوطنية على الاجندات الخارجية .
القرار الصادر عن القيادة الفلسطينية من خلال الرئيس محمود عباس وبما يمثله من صفة اعتبارية رئيسا لدولة فلسطين ولمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلنا الشرعي والوحيد وللسلطة الوطنية الفلسطينية له الكثير من الدلالات السياسية والتي تؤكد ان المرحلة الانتقالية قد انتهت ... وان الارض الفلسطينية تعتبر ارض دولة فلسطين المحتلة بعاصمتها القدس الشرقية وان كافة الاجراءات والمخططات ستبوء بالفشل ... ولن يكتب لها النجاح مهما غلت التضحيات .
المرحلة الانتقالية بحسب اتفاقية اوسلو كان يجب الانتهاء منها بالعام 99 م على اعتبار ان اتفاقية اوسلو ثلاثة مراحل مرحلتها الاولى بالعام 93م والمرحلة الثالثة والاخيرة كان يجب الانتهاء منها بمايو 99 ... الا ان سياسة المماطلة والتسويف وعدم الالتزام حتى بالاتفاقيات الموقعة قد جعل المناطق الفلسطينية مناطق توغل واعتداء من قبل المحتل الاسرائيلي وهذا ما تثبته الايام من اعتداءات وحشية وتطهير عرقي ومحاولة ممارسة التمييز العنصري .
الارض الفلسطينية بتقسيماتها الثلاثة بحالة تعدي دائم ... ليس اخره سور باهر والقدس ومقدساتها والاراضي الفلسطينية بشكل عام في اطار حملة منظمة من التطهير العرقي ومحاولة تزييف التاريخ وشطب الحقوق ... وفرض شروط احتلالية وبدعم وانحياز امريكي دائم .
قرار القيادة الفلسطينية وقد جاء ما بعد صبر طويل ... وما بعد خطابات عديدة ولقاءات متعددة تم المناشدة فيها للمؤسسات الدولية والاقليمية وللمجتمع الدولي بأسره لأجل تنفيذ قرارات الشرعية الدولية التي لا زالت مجمدة وغير قابلة للتنفيذ لغياب الارادة السياسية الدولية والهيمنة الامريكية المتسلطة لكنها المنعزلة بحكم سياسة تتناقض مع الشرعية الدولية وقراراتها .
الاتفاقيات الموقعة من اوسلو وحتى اتفاقية باريس الاقتصادية وبكافة الملاحق والتفاهمات لم تلزم اسرائيل وحكوماتها المتعاقبة ... بل كان التسويف والمماطلة وعدم الالتزام من سمات السياسة الاسرائيلية التي طالما كان التحذير منها والاعلان عنها حتى لا تنفلت الامور وحتى لا تصل الى نقطة الصفر .
برغم شجاعة القيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس محمود عباس في ظل حرب مالية واستيطان قائم ... وانقسام حاد لا زال ينخر بالجسد الفلسطيني ومحاولات هنا وهناك لإضعاف القيادة الفلسطينية ومحاولة الالتفاف عليها .. الا ان شجاعة الموقف والارادة والاصرار قد تغلبت على كل ما يجري ... وما يحيط العمل الفلسطيني وما يتداخله من ظروف قاسية .
الا ان هذه الشجاعة لمثل هذه القرارات تحتاج الى قاعدة قوية وثابتة وراسخة من الوحدة الوطنية والعمل الوطني المشترك في اطار منظمة التحرير بصفتها التمثيلية والشرعية وان تكون اطارا جامعا للكل الوطني ... وان لا يسمح بعنوان اخر ولا حتى بقرار اخر ... الا قرار الشرعية الفلسطينية .
الوحدة الفلسطينية وانهاء هذا الانقسام الاسود هو من يوفر المزيد من القوة للقرارات المتخذة والتي تحتاج اولا واخيرا للوحدة وللإرادة الموحدة ... وان كافة الاحاديث حول مواجهة صفقة القرن ومواجهة الاحتلال وممارساته ... وحتى العمل من اجل تجسيد الدولة وتحقيق الحرية للأرض والشعب ستبقى مجرد كلمات لن تجد النور على ارض الواقع الا من خلال وحدة حقيقية ... والتفاف شامل حول منظمة التحرير والقيادة الفلسطينية باعتبار هذا الموقف هو المخرج الوحيد لتحقيق الحلم الفلسطيني وارغام اسرائيل على الالتزام وفرض الارادة الفلسطينية على السياسة الامريكية المنحازة .
الكاتب / وفيق زنداح