إن تجربة حركة حماس في الحكم هي واحدة من أبرز القضايا التي لاقت اهتماماً سياسياً واسعاً على المستويين المحلي والدولي، ونالت كذلك تغطيات إعلامية مستفيضة، حيث نُشرت على مدار عقد كامل عشرات الدراسات البحثية والتقييمية التي تناولت مسيرة الحركة وسياساتها، فرصدت فعلها ورد فعلها وما لها وما عليها، وأين أصابت وأين أخطأت؟. لقد تضمنت هذه المتابعة الدقيقة لسلوك الحركة في تجربتها الحاضرة في غزة محاولة الاجابة على أسئلة أكثر تفصيلاً، مثل: كيف تمكَّنت الحركة من معالجة أو إدارة أو السيطرة على تفاصيل الأزمة الوطنية، وأين وصلت محاولات رأب الصدع الداخلي وجهود المصالحة وإنهاء الانقسام؟. هل أخفقت في إقامة علاقات لها مع دول المنطقة؟ وهل حققت اختراقات على الساحة الغربية للخروج من طوق الحصار المفروض عليها؟ وهل نجحت في دحض اتهامات الإرهاب الموجهة إليها وتحقيق التواصل المطلوب مع المجتمع الدولي؟. إنه فيض من أسئلة لا تنتهي ربما جاءت خلاصاتها في معظمها متحاملة أو سلبية، بالرغم من توفر القناعات بأن الحركة تعرضت خلال مسيرتها إلى تآمر دولي وتواطؤ إقليمي ومحاولات تعطيل عملها من قبل الاحتلال الإسرائيلي، ولم تسلم بالطبع من ظلم ذوي القربي!! لكن ليس كل هذه العقبات تبرر التراجع والاخفاق في تقديم نموذج لحكم رشيد، فهناك ممارسات واخطاء لا يمكن تجاهلها أو الدفاع عنها، ربما تُحمَّل قيادة حركة حماس كامل المسئولية عنها، ففي السياسة ومشهد الحكم تبقى الإنجازات هي مؤشر النجاح أو الفشل لأي حزب أو أيدولوجيا ترفعها الحركات أو التيارات لتعبئة الجموع وحشد الشارع خلفها.
وعليه؛ فإن حركة حماس خلال مسيرتها المتعثرة في عشرية السنوات الماضية لا تُعفيها من النقد والاتهام، وأن الذرائع لا تكفي للدفاع عن تراجعها وتبرير سقوطها في مسعاها الخطابي والنظري نحو مشهد الحكم الرشيد، وهذا معناه أن تعيد حساباتها وتجري من المراجعات ما يُعين على إقالة عثارها، ويمكنها من الاصلاح والتغيير، وتحمل الغياب عن المشهد السياسي لحينٍ من الوقت، والتمكين لغيرها عبر العملية الانتخابية من تقديم نموذجه في الحكم، في عملية من التداول السلمي للسلطة تحفظ الأمن والاستقرار وفرص الازدهار. ويمكن لحركة حماس بعد ذلك إعادة انتاج نفسها، والخروج بإطلالة سياسية مغايرة تقنع الشارع بأهليتها من جديد للظهور في مشهد الحكم والسياسة.
لقد استقبل الشارع بالبهجة والفرح فوز حركة حماس في الانتخابات عام 2006، وكان ينتظر أن يشاهد صورة مغايرة لما كان قائماً من الحكم، ولكن بعد عشر سنوات أو أكثر كانت الصدمة في أن فترة حكم حماس لم تؤت أكلها ولم تكلل بالنجاح، بل غدت عبئاً تحول إلى نكبة أخرى في صورة انقسام وحصار ومحنة وطنية. بالطبع؛ هناك من الاخطاء ما يمكن تبريره لنقص الخبرة والتجربة السياسية، ولكن أيضاً هناك عجز واخفاقات لا تتحمل وزرها إلا الاختيارات الخاطئة من حيث المكانة والمهنية، وذلك بوضع الكثير من الكوادر والشخصيات القيادية غير المؤهلة في الأماكن التي لا يصلح لها إلا الكفاءات النوعية الخاصة وأصحاب التجارب والعطاءات والجدارة العلمية، وهنا – مع الأسف – تُسكب العَبرات، حيث كان الإخفاق والعثرات التي تحطمت على تقديراتها وحساباتها الخاطئة معظم ما كان يمكن التعويل عليه لتحقيق الكسب والإنجازات.
لقد تعثرت حركة حماس في تفاصيل يومها، فلم تستطع الحركة في العديد من المواقع تقديم الوزير الذي يحتفظ له الناس بذكريات طيبة ومواقف يُعتد بها، ولا البرلماني الذي يتحول من خلال توخيه العدل والنزاهة والإنصاف إلى حالة من الإشادة والغزل، ولا المؤسسة القضائية التي يجد فيها المواطن خلاصاً لمظلوميته، ولا المدير القدوة في مدونة السلوك الشخصي وإداريات العمل، ولا الموظف صاحب الابتسامة والوجه البشوش، الذي يقضي حاجات الناس وينجزها بما طاب من الكلام، فيخرج الناس من عنده بالدعاء له، بدل الدعاء عليه وعلى من جاء به إلى هذا المكان!!
إن ما يمكننا التجرؤ على نقله عن الألسنة المتعددة من حولنا، والتي لا نشك في إخلاصها ووطنيتها هو القول: إن تجربة حركة حماس في الحكم والسياسة ليس فيها ما يمكن البكاء عليه لو غابت عن الساحة. قد يكون هذا الكلام قاسياً، إنها الحقيقة الموجعة دائماً إذا ما أردت – فعلاً- أن تنطق بالحق ولا تجامل فيه أحداً.
لقد ظلت حركة حماس قبل انغماسها في مشهد الحكم والسياسة تمثل أملا كبيراً تعلقت بها أنظار الناس في الشارع الفلسطيني كما يتعلق الحاج بأستار الكعبة طلباً للطهارة والمغفرة، وكانوا يرون فيها طوق النجاة والمخلِّص من دائرة التيه والمظالم، ولكن – واحسرتاه- لم يكن الأمر بأفضل مما كان عليه حكم من سبقوهم من قيادات وأحزاب، بل ربما جاءت الخلاصات في بعض النتائج مخيبة للآمال.
لا يمكننا هنا الدخول في كل التفاصيل، ولكن تكفي نظرة على مؤشر استطلاعات الرأي العام لملاحظة حجم التراجع الكبير في الحاضنة الشعبية وفي فعالية وحماس جمهور الأنصار والمؤيدين.
لقد حاولت في أكثر من مقام وطريقة إسماع جهات اتخاذ القرار بأخطار المآلات التي تنحدر في اتجاهها الحالة الإسلامية، ونموذجها المفروض في الحكم، ولكني - بصراحة - كنت أشعر مع كل خلل وتراجع أو تكرار للأخطاء أننا كمن ينفخ في قربة مقطوعة، أو يصرخ بأعلى صوته في وادٍ غير ذي زرع!!
ولعلي هنا أعرض لبعض رسائل النصيحة التي أرسلتها إلى قيادة حركة حماس، حيث تضمنت تشخيصاً لتحديات المرحلة والاستجابة المطلوبة، وقد جاء فيها:
كنت دائماً ولا أزال الأبن الوفي لهذه الحركة الإسلامية منذ أن تفتحت عيوني على عهد الالتزام بها عام 1968، وقد توسدت الكثير من مناصبها القيادية في الداخل والخارج، ولم يتوقف قلمي عن الكتابة فيما اعتقد أنه رؤى استراتيجية لها، وهذا ما كان عبر أكثر من أربعة عقود من الحراك في المواقع القيادية المختلفة، وعلى مساحة تزيد عن ثلاثين كتاباً تمَّ نشرها باللغتين العربية والإنجليزية.
نعم؛ نحن عرفنا حركة حماس أكثر من غيرنا، حيث تربينا في أحضانها، وترعرعنا مع قياداتها، وكنَّا من وإلى جانب صُنَّاع القرار فيها، ونعرف أن هذا الأسلوب من النصيحة والخطاب لا يضيرها ولا يعكر صفوها، فهي حركة شورية ولها مؤسساتها ومرجعياتها الحركية التي نعتز بها، وهذا ما يمنحنا الاطمئنان والثقة بها، ويشجعنا على المجاهرة بالقول فيما نعتبره سلوكاً أخلاقياً يأتي في باب "اسداء النصيحة" لولاة أمورنا.
لا خير فيكم إن لم تقولوها!!
جاء في رسالتي تلك لإخواني في قيادة الحركة: إننا كإسلاميين نواجه مرحلة حساسة، وظروفاً سياسية وأمنية واقتصادية صعبة، وأوضاعاً حُبلى بالمخاطر والتحديات، وهي تفرض علينا أن ننصح لقيادة هذه الحركة بكل مستوياتها، وأن نضع النقاط على الحروف، حتى ولو كانت هذه العملية موجعة، وتستدعي الحيطة والحذر.
إن حركة حماس هي تاريخ من الفخر والإنجاز، وصفحات مشهودة من الدم والشهادة، وسيرة عطرة من البطولات والأمجاد، ولا يُخشى عليها من إشارات نقدمها في ثوب النصيحة، وبأمل التسديد والمقاربة، فإن وجدوا في ذلك خيراً أخذوه، وإن مرُّوا بكدرٍ تركوه.
وفي هذا السياق، فلعلي كنت من بين المبادرين الذين أشاروا على قيادة حركة حماس والأخ خالد مشعل؛ رئيس المكتب السياسي السابق للحركة، بضرورة وضع رؤية سياسية وبرنامج وطني يمثل المرجعية لخطابها الحركي والسياسي، حيث إن هناك - للأسف - غياباً في وحدة الخطاب وتبايناً في زوايا النظر والمواقف، مما يترتب عليه إشكالية قائمة في وحدة القناعة والفهم، وتعددية في لغة خطابنا السياسي، الأمر الذي أدى إلى تعقيد علاقتنا بالآخرين من أبناء جلدتنا من ناحية، ومن نظرتنا للصراع ومقارباتنا من الآخر الذي يشاركنا الرؤية والبندقية؛ فنحن كلانا يتطلع للتحرير وقيام الدولة الفلسطينية، ولكننا نمضي على خطوط تبدو للبعض متشاكسة ومتعاكسة!!
قبل عقد من الزمان كتب أخي د. غازي رسالة إلى قادة حماس تضمنت مخاوفه ونصائحه إلى إخوانه في الحركة، وكان من بين ما جاء فيها تلك الكلمات: " ليس مطلوباً من حماس أن تتنازل عن حقوق وثوابت القضية، بل مطلوب منها شيئان: رؤية استراتيجية واضحة، وقدرة مرنة في التكتيك والمناورة السياسية".
الحمد لله، تحقق المطلب الأول بهذه الوثيقة السياسية الجديدة، وبقى المطلب الثاني، والذي كنا نأمل أن نرى مفاعيله على الأرض بتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام.
في عام 2012 التقيت والأخ د. غازي حمد أخانا العزيز خالد مشعل في دمشق، وجرى بيننا حديث طويل وصريح حول خطورة النهج الذي عليه الكثير من كوادر الحركة وبعض قيادتها في نظرتها وطريقة تعاملها تجاه الشريك الفلسطيني، وضرورة أن تكون هناك توجهات إيجابية نحوهم على مستوى الفكر والممارسة، بحيث تتفهمها الكوادر كما القيادات، حتى لا يكثر المغردون خارج السرب طوعاً أو كرهاً. وعدنا الرجل خيراً، ولم يكن أمامنا إلا الانتظار.
وفعلاً؛ وقبل أن يغادر موقعه كزعيم للحركة ورئيسٍ لمكتبها السياسي، جاءت هذه الورقة السياسية الجديدة؛ باعتبارها "خارطة الطريق"، التي ترسم لنا كأبناء لهذه الحركة معالم الرؤية والفهم، والأهداف التي نصبوا إلى تحقيقها.
كان الغرض من هذه الوثيقة الجديدة – حقيقة - هو تصويب ما ورد في ميثاق 1988 من مسائل ومفاهيم، لم تكن – قبل ثلاثين عاماً - بالنسبة للشارع الفلسطيني أو نخبه الفكرية موضع حوار أو جدل، ولم تكن تشكل أزمة في الخطاب السياسي لحركة حماس، وجاءت في سياق أوضاع كانت فيها الانتفاضة الفلسطينية هي الفعل والهمِّ اليومي لقيادة الحركة، بعد انطلاقتها المباركة في نهاية الثمانينيات.
استغلت إسرائيل بعض البنود التي وردت في ذلك الميثاق بطريقة خبيثة، حيث قامت بإظهار حركة حماس بأنها حركة عنصرية ومعادية للسامية والقانون الدولي، وظلت تعزف على وتر أنها حركة إرهابية!! أدت عملية التحريض والتشهير والتشويه التي قامت بها الماكينة السياسية والإعلامية لدولة الاحتلال إلى وضع حركة حماس على قائمة الإرهاب الأمريكية عام 1996، ثم على قوائم الإرهاب الأوروبية في سنة 2001.
إن ما جاءت به هذه الوثيقة السياسية الجديدة والصادرة في ايار 2017 هو تقديم رؤية معدلة، وتسويق طرح ينسجم مع خطاب الحركة منذ أن دخلت مربع الحكم والسياسة مطلع عام 2006.
لا شك أن هذه الوثيقة جاءت متأخرة عن موعدها بعشر سنوات، ولكنَّ التفاعلات السياسية هي اسقاطات وتكيّف مع الواقع السياسي بناءً على معطيات وتحولات بعينها؛ لأن السياسة وإن كانت هي "فن الممكن"، فهي بالدرجة الأولى انعكاس لموازين القوى، والتي لا تبدو منذ تراجع حركة النهوض العربي، وانفجار الأوضاع الداخلية في العديد من الدول العربية، وانشغال العالم الإسلامي بتداعيات ما يجري في المنطقة من صراعات وحروب وتحالفات متعاكسة، أنها تعمل لصالح القضية الفلسطينية، أو تثبيت بوصلة العداء وتوحيدها باتجاه إسرائيل؛ العدو المركزي للأمة، بل أخذت مسارات مضلله وتحشيد باتجاه إيران كعدوٍ بديل!! وصار الكثير من دولنا العربية يخطب ودَّ إسرائيل، ويسعي لكسب رضاها لما لها من تأثير على سياسات الولايات المتحدة الأمريكية ومواقفها تجاه منطقة الشرق الأوسط، بهدف الاستقواء على إيران، وطمعاً في إيجاد تحالفات تحمي أنظمتها بالدرجة الأولى من مخاطر التهديدات الإيرانية العسكرية لها.
لا شك أننا في ظل هذه المتغيرات الكثيرة والكبيرة التي ألقت بتداعياتها الكارثية على القضية الفلسطينية، وجعلتنا هنا في قطاع غزة نعاني بسبب الانقسام البغيض من فقدان الحليف القريب، ونشعر ربما للمرة الأولى بغياب العمق الاستراتيجي العربي والإسلامي، والذي هرولت معظم أنظمته خلف أمريكا ترامب، والذي تعمد بوقاحة اتهام حركة حماس بأنها (إرهابية) من وسط العاصمة السعودية الرياض، وخلال مؤتمر جمع دول عربية وإسلامية، لم يمتلك أحدٌ منهم الرد على هذا الاتهام من بين كل من تحدثوا من القيادات العربية!!
أن يتم مساواة حركة حماس بغيرها وتصنيفها كحركة إرهابية ولا يحرك العرب ساكناً، فهذا شيء يبعث على الخوف والقلق لصعوبات قادمة قد تواجهها الحركة وأهلنا في قطاع غزة، مما يستدعي من ذوي الفطنة والحكمة والنباهة السياسية التحرك للتخذيل وسد باب الذرائع لما يمكن أن تفكر إسرائيل أو غيرها القيام به.
إن لحالات الاستضعاف فقهاً ينبغي أن نفطن له، وليس هناك ما يعيب من أجل حماية مشروعنا الوطني، وكسبنا الحركي والدعوي، وقاعدتنا الشعبية العريضة، حيث إن تاريخنا الإسلامي مليء بالشواهد على ذلك، وسأكتفي بالإشارة لبعض تلك الوقائع التي جرت في العهد النبوي، ولن أتطرق لعهود إسلامية وسياقات تاريخية أخرى مثل "صلح الرملة"، الذي عقده صلاح الدين الأيوبي مع الصليبيين، وما شاهدناه في تونس من مواقف متقدمة للحركة الإسلامية هناك، حيث تنازلت حركة النهضة طواعية عن صدارة المشهد السياسي، بهدف حماية البلاد من الانقسام وحمامات الدم.
في المشهد التاريخي، يتبدى لنا أبدع ظواهر تدبير المستقبل في "صلح الحُديبية"، فقد قبل الرسول الكريم (ص) محو كلمة "محمد رسول الله" لهدف أبعد مدى يتعلق بتأمين المستقبل الإسلامي، وقد دخل من الناس في دين الله تعالى بعد مرحلة الانفتاح والسلم تلك ما يعادل من دخلوا في الإسلام قبل الصلح، الذي سماه القرآن الكريم فتحاً مبيناً.
وفي وضع ثلث ثمار المدينة ما يدل على ضرورة استقراء المستقبل، الذي يحقق الأمن والسلام للأمة المسلمة، فقال الرسول (ص) "ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم شوكتهم إلى أمر ما".
وكما أشار المؤرخون فإن مجمل الوثائق السياسية التي عقدها الرسول الكريم (ص) والبالغة 287 وثيقة، كان دافعها وموجبها تأمين مستقبل أعز وأقوى وأحكم للأمة المسلمة.
وعليه؛ ومن باب ألا نُضيق واسعاً علينا وعلى أهلنا في قطاع غزة، فإن هناك مجموعة من الأفكار أرى واجباً أن أقدمها هنا لأنصح بها، وأهديها لإخواني في قيادة الحركة التي أنتمي إليها، من باب أنها إعذارٌ إلى الله واعتذار إلى الناس، الذين منحونا ثقتهم، وهم اليوم الحاضنة الشعبية الأهم لنا وللمقاومة، التي نعتز بها جميعاً، وهي تتلخص في النقاط العشرين التالية:
1) احتضان قطاع غزة المحاصر وتعهد أهله بالدعم والاسناد، وتقاسم لقمة العيش بالتساوي بين الجميع.
2) تجنب لغة التصعيد والحرب، حيث تعودت ألسنة البعض تظهيرنا في قطاع غزة وكأننا بإمكانياتنا المتواضعة دولة عظمى.
3) التحرك من خلال عنوان سياسي يعبر عن توجهاتنا، والوثيقة الجديدة فيها ما يصلح أرضية مناسبة لحزب سياسي للتحرك ورسم السياسات.
4) يجب التسليم بأننا شعب قوي بأمته العربية والإسلامية، وهو يعتمد على إمكانياتها في الوصول إلى حقوقه المغتصبة، كما أنه قادر بدعم هذه الأمة في الدفاع عن شعبه ضد أي عدوان خارجي.
5) اعتماد السلوك الديمقراطي في إدارة شئون قطاع غزة، وتفعيل العملية الانتخابية في جميع المرافق التي تتطلب ذلك، مثل البلديات والنقابات والاتحادات والكتل الطلابية، وهذه مسألة ليست مرتبطة بالانقسام، بل هي حراك يحافظ على حيوية المجتمع وفعاليته السياسية.
6) العمل على تجنيب المساجد والمؤسسات التعليمية لغة المناكفات السياسة، واحترام الخصوصيات الدينية والوطنية لتلك الأماكن.
7) تهذيب لغة الخطاب الإعلامي، والابتعاد عن أسلوب التكفير والتخوين والملاعنات الحزبية، وكل ما يوغل الصدور، ويكرِّس ثقافة التلاحي والانقسام.
8) اعتماد المصالحة الوطنية كأولوية، وتوفير الأرضية التي تشجع على ذلك، وتعمل على سرعة تحقيقها.
9) التخفيف من مظاهر العسكرة ولغة الحرب، وتعزيز دور الأجهزة الشرطية والأمنية في ظل احترام الجميع للنظام وسيادة القانون.
10) تحقيق التقارب مع فصائل العمل الوطني والإسلامي كشريك حقيقي وصاحب قرار، وإيجاد الإطار المناسب لتحقيق ذلك.
11) وفي ظل غياب أي دور لحكومة رام الله في قطاع غزة، العمل على تشكيل لجنة وطنية بمهمات محددة، هدفها التنسيق بين الوزارات، بما يخدم عملها، ويملأ الفراغ الناجم عن غياب الحكومة المركزية.
12) ارتقاء القيادة في خطابها السياسي للمستوى الوطني، والابتعاد عن لغة التهديد والوعيد والمفردات الحزبية والفصائلية والعنصرية، وتجنب إقامة الفعاليات التي تمضي في مثل هذا السياق.
13) تبنى الحركة لسياسات تحافظ على رصيدها في الشارع، وتسهم في تعزيز حاضنتها الشعبية، كالحفاظ على الحد الأدنى من العيش الكريم للأسر البائسة والمحتاجة، ضمن نظام تكافلي يستوعب الطبقات التي تعيش تحت خط الفقر.
14) ضرورة التزام القيادة والمتحدثين باسم الحركة بخطاب سياسي يعكس روح ما جاء في الوثيقة الجديدة من تحولات، للإجابة على سؤال المصداقية الذي ينتظره الغرب والمجتمع الدولي من حركة حماس.
15) إن الحركة بحاجة الى مراجعة حقيقيةٍ لنظرتها لمن هم خارج دائرتها التنظيمية، كما أنها بحاجة إلى تربية كوادرها وتعويدهم على لغة الوفاق وتقبل الآخر، وأهمية البحث عن القواسم المشتركة.
16) التأكيد على حث الرئيس محمود عباس للقدوم إلى غزة واستقباله أو أي أحد من الإخوة الوزراء في رام الله، فهذا الشطر من الوطن يحتاج إلى أن نلتقي ونتواصل، مهما نزغ الشيطان بيننا، فنحن في النهاية أبناء هذا البلد، والحاملين لواء حريته واستقلاله.
17) التأكيد الدائم على نهج الحركة؛ باعتبارها حركة تحرر وطني، وليس لها أي علاقة بالإرهاب، وقد سبق لها التنديد ببعض أشكاله التي تجري في المنطقة وحول العالم.
18) إبراز المكانة التاريخية لمصر في دعم القضية الفلسطينية، والتركيز على ذكر الدور والجهود المتميزة لها طوال سنوات الصراع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
19) الوضوح والصراحة في خطاب الحركة السياسي والأيديولوجي بأنها ليست طرفاً فيما تعيشه المنطقة من اصطفافات وأحلاف، فالقضية الفلسطينية هي قضية الأمة المركزية، وهي تحتاج جهد الجميع ومواقف الكل العربي والإسلامي.
20) التشجيع الدائم لمصر للعودة إلى ملف المصالحة الفلسطينية، وإبداء المرونة التي تتطلبها عملية إنجاحها، والتسريع في إجراءات إنهاء الانقسام.
وختاماً، فيما أدعو لكم بكل الخير، وأن يجنبنا المولى سبحانه وايَّاكم كل سوء، فإنني في رسالتي هذه لا أخاطب شخصاً بعينه، مما يستدعي الستر والسرية، ولكن نتحدث إلى قيادة الحركة في الداخل والخارج، كما كان المسلمون في العهود الراشدة يواجهون – بشجاعة وقوة - خلفائهم وسلاطين زمانهم، حيث يطرحون الرأي، ويقدمون المشورة، ويرفعون السؤال بلا خوفٍ أو وجل.
ومن نخاطبهم اليوم ليسوا بأفضل من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، الذين جعلوا من المساجد ديواناً للمظالم، وتبنوا سياسة "الباب المفتوح" ليسمعوا الجميع، ويأخذوا منهم الرأي والمشورة.
ما أرت بكلمتي هذه إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله.. ودائماً أذكِّر إخواني بما كنا نقوله منذ أكثر من عقد من الزمن، ولكن نصائحنا كانت تظهر للبعض منهم كشطحات وتغريدات خارج السرب!! آمل اليوم أن يأخذوا ببعض منها قبل أن يستبينوا النصح في ضحى الغدِ؛ أي متأخرين وبعد خراب مالطا!!.
اللهم قد بلغت.. اللهم فاشهد
بقلم:د. أحمد يوسف