لم يَعُد على هذه الأرض ما يستحق الحياة

بقلم: مصطفى إنشاصي

الكتابة عن الوضع الفلسطيني لم تعد سهلة على النفس ولا يسيرة على القلم في ضوء الوضع المتردي يوماً عن يوم، الكتابة لم تعد عصفاً فكرياً بقدر ما هي اعتصاراً لألم القلب، وإرهاقاً للعقل، وتوتيراً للأعصاب، فأمثالنا الكتابة بالنسبة لهم ليست وظيفة ولا حضور ولا ملئ للفراغ أو ... الكتابة واجب وطني وشرعي عند الضرورة والحاجة له، والواجب يعني أن تَصدق مع نفسك في ما تكتب قبل أن تَصدق مع القارئ، لذلك الكتابة اجترار للألم الذي لا ينتهِ ونحن نتابع مهزلة السياسة والسياسيين، وفي الحقيقة ما هي بسياسة ولا هم سياسيين، السياسة فعل وإبداع وابتكار وفن التعامل مع الواقع والاستفادة منه لصالح تحقيق الأهداف، الأهداف!
نحن لم يعد لدينا أهداف، لا استرايجية ولا تكتيكية، أهدافنا غدت أهداف أعداء الأمة نتسابق على تنفيذها على حساب حقوقنا وأهدافنا الوطنية، اي أصبحنا أدوات لتنفيذ سياسة عدونا ضد أنفسنا ...!!! والسياسي يجب أن يكون انتمائه الأول والأخير لوطنه لا لحزبه، ويجب أن يمتلك أدوات السياسة وخبراتها ويلم بتجاربها، وأن يكون عالماً بتاريخ بلده ومحيطه الإقليمي وفضائه العالمي، وأن يمتلك قدرات عقلية وفكرية ةنفسية تمكنه من فهم ما يدور حوله واستنباط حلول لصالح قضية بلده، و...! وحقيقة ما نراه في واقعنا الفلسطيني أننا لا يتوفر لدينا على كثرة الألقاب والدرجات العلمية والألقاب الطنانة الكثيرين من السياسيين، لدينا شخصيات حزبية احتكرت أحزابها لنفسها، وارتهنت الشعب والوطن والقضية لذواتها والحفاظ على مصالحها الشخصية وتنميتها، واختارت أقصر وأسهل الطرق والوسائل السياسية لتبقَ هي المسيطرة والمهيمنة على الحزب وعلى الوطن، وهي السير في نفس تجاه مصالح العدو وعدم معارضتها معارضة فعلية ومن حقها أن تعارضها بالخطب والشعارات وغيرها، وحولت كل هزائمها لانتصارات، وكل مَنْ عارضها تهم الخيانة والعاملة و... جاهزة والشهود!!!
لذلك عن ماذا نكتب؟! عن سلطة فلسطينية نهجها الحياة تفاوض، لذلك هي تفاوض منذ ربع قرن وكل ما حققته هو إضاعة الأرض والشعب والقضية؟! أم عن مقاومة لم تعد مقاومة ولم يعد هدفها التحرير ولكن مرتبطة بالشنطة وتأخرها؟! أم عن انقسام طال زمنه وطال كل شيء فلسطيني وأصابه بالخراب؟! أم عن التهدئة ومماطلة العدو في تنفيذ شروطها منذ إحدى عشرة سنة، قايضنا فيها حقنا في المقاومة وتوفير العدو لكل ما نحتاجه بتهدئة مجانية انتهت إلى لا شيء، لا وطن تحرر ولا وحدة سياسية لا جغرافية بين ضفتنا وغزتنا حافظنا عليها في حدودها الدنيا؟! أم عن مفاوضات المصالحة الماراثونية التي بلغ فيها العدو الصهيوني إلى أقصى أقاصي وطننا وأمتنا اختراقاً وتطبيعاً ونحن بلغنا أقصى أقاصي العداء والكراهية والفرقة (الانقسام) تكريساً وتجسيداً وآخره فرض حماس ضريبة جمركية على البضائع القادمة من الضفة الغربية إلى غزة، وكأن الضفة دولة أخرى مثلها مثل كل دول العالم؟! أم مسيرات العودة التي لم تقربنا من فلسطين ولا عادت لها علاقة بالعودة ولا حتى فك الحصار بقدر ما حولها العدو الصهيوني بتضخيم خطرها علي مغتصبات غلاف غزة إلى لعبة شغلنا بها عن المقاومة الحقيقية وعن أولويات قضايانا المصيرية؟!
أم عن صراع سلطتين وحكومتين على كرسي تحت الاحتلال ويستمد شرعية وجوده منه؟! إحداهما تشرعن وجودها بزعم تمسكها برفض العودة للمفاوضات إلا بعد أن يذعن العدو الصهيوني لشروطها في موضوع أموال المقاصة الضريبية والجمركية التي رهنها اتفاق باريس ليتحكم بها العدو، وفي الوقت نفسه تصفي وجودها في غزة من خلال تصفية موظفيها وعناصرها ومصدر وجودها، من خلال التقاعد والتضيق عليهم بالخصميات من مرتباتهم وخسفهم وتشريدهم وتشحيدهم اللقمة؟! وأخرى تشرعن وجودها بمقاومة بلا هدف ولا غاية وطنية محددة تسير نحوها بخطى ثابتة وسياسة مدروسة وموجهة، ولا تعي أهمية الحفاظ على وحدتها المجتمعية التي تشكل حاضنتها التي تحميها وتدعم صمودها، دمرت كل مقومات مجتمعنا المقاوم وكرهت المواطنين حياتهم، وأكثرهم يبحث عن طريق للهجرة والهروب من جحيم الوضع الذي أذلت به شعب عزبز كريم، اختاره الله أن يكون طليعة الأمة في مواجهة مشاريع أعدائها ضدها، ولا تبالي؟!
أم عن مواقف كلتا السلطتان في تقاعسهما في الدفاع عن قدس الأمة وأقصاها، وعاصمة الدولة، ولا تخجلان من موقفهما المتخاذل إلى حد المؤامرة على فلسطيننا كلها، ذلك الموقف المخزي لسلطة المقاومة قبل سلطة المفاوضة، في ما حدث في وادي الحمص، صور باهر، القدس، وكلُ منهما يبرر لإخلاء مسئوليته وإلقائها على الآخر، وكل من أطره التنظيمية شغل أبنائه وجرافات العدو تهدم عشرات المنازل والعمارات، في أنشطة ترفيهية مسخرة مكافأة لهم على الانتصارات التي حققوها؟!
عن ماذا نكتب وماذا نترك؟! حياتنا كلها أصبحت مسخرة .. قضايانا كلها أصبحت مهزلة .. ومعذرة يا محمود درويش لم لدينا شيء على هذه الرض يستحق العيش! إلا الهتاف لأصنام بشرية وتنظيمات ورقية ولعق لأحذية هذا الصنم أو ذاك لأجل مرتب تافه لا يسمن ولا يغني من جوع، تعلمنا النفاق والمذلة، وبِعنا أنفسنا ومبادئنا والقضية لأجل خازوق لهذا الصن يجلس عليه أو ذاك، لم يعد لنا وطن ندافع عنه وأصبح وطننا التنظيم الذي يوفر لنا مرتباً أو كبونة، لم يعد لدينا بيت نحتمي به من حر الصيف وبرودة الشتاء أصبح لنا خيمة لا تقينا حراً ولا برداً، لم يعد كرامة نحتمي بها من الذل الإذلال العربي والدولي قبل الصهيوني لأننا لم يعد لدينا مقاومة .. بندقية تحمينا وتحمي عرضنا وشرف الأمة، أصبح لدينا أموال مانحين وشنطة وكلهما أضاع السياية والمقاومة، ورهنهما لمن يدفع، لم يعد لدينا ...
لذلك وغيره أصبح لا بد من التغيير .. لا بد من جيل التغيير أن ينهض من وسط هذا الحضيض الذي أوصلنا إليه السياسي والمفاوض والمقاوم على السواء ...
قال تعالى: (قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ) (اﻷنبياء:60)
وقال تعالى: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) (الكهف: 13)
وقال صل الله عليه وعلى آله وسلم: نصرني الشباب وعاداني الشيوخ!
أيها الشباب إن المستقبل مستقبلكم وليس مستقبل قادة سلطتا الأمر الواقع وأبنائهم، فلا تنتظروا التغيير من الشيوخ الذين شبوا وشابوا على واقع هم صنعوه، ولا من جيل تربى وترعرع على ثقافة العبودية لشخص أو تنظيم أو فكر سياسي أو غيره جمد وجمدت عليه عقولهم وقصرت بهم همهم عن التطور ومواكبة التغيرات، أو يتخذون تلك الأطر وسيلة للارتزاق والثراء ...
لا تنتظروا من أحد منهم أن يغير لكم واقعكم، عليكم أنتم مهمة التغيير مع قلة اﻹمكانيات، فإبراهيم عليه السلام والفتية وكل الأنبياء والرسل عليهم السلام وأتباعهم، ومن فجروا الثورات وحققوا اﻻستقلال، وإن كان شكلياً بعد أن انقض على ثوراتهم وتضحياتهم أذناب الغرب ومرتزقته، لم يكونوا أثرياء بقدر ما كانوا فقراء محتاجين، ولكنهم صدقوا مع الله وجاهدوا بأموالهم على فقرهم فكتب الله لهم النصر، فلا تقولوا لا نملك ما يعيننا على الحركة و...
اصدقوا مع الله يصدقكم وييسر لكم أموركم ويقضي لكم حاجاتكم، توكلوا عليه ولا تترددوا ...
لا تنتظروا من يمولكم لأنه سيتحكم في قراركم وسيملي عليكم ما يريده هو ولكم في المقاومة عبرة
أخلصوا لله فقط وسترون كرمه
تذكروا دائماَ أن الشعب هو صاحب القضية هو المسئول عن تغيير واقعه والتخلص من المسمسرين بدمه ومعاناته وتضحياته، الذين هربوا بأمواله التي نهبوها ليستثمروها في بلاد الآخرين ويحملوا جنسيتها، أو هربوها إلى أن يحين وقت الهرب ورائها ...
وليحذر جيل التغيير من النخب من أي نوع، فكرية، سياسية، دينية، اجتماعية ... فهي سبب كل هزائمنا ونكباتنا، لأنها لا تهتم إلا بالتنظير والنجومية ومصالحها المادية أو الحزبية ...
لا تنتظروا من قيادة شبت وشابت في أنظمة سياسية وثورية طابعها الصنمية وعبادة الفرد انتهت إلى وسائل للارتزاق أن يكونوا معاول للتغير بل هم معاول للهدم وأعداء للتغيير، لا يعول عليها إحداث تغيير لواقعها؟
إن لم تسارعوا لفرض رؤيتكم للتغيير حرصاً على مستقبلكم فلن تجدوا وطناً يأويكم بعد أن فقدتكم المستقبل الذي حلمتم به أن يغنيكم! وعليكم أن تدركوا أن التغيير ليس سهلاً وأن سلطات الأمر الواقع ستذعن وتقبل به بسهولة، عليكم أن توطنوا أنفسكم على البذل المالي من دخلكم القليل، وعلى الثبات والصبر على أساليب الطغاة المستفيدين من الواقع ويرفضون تغييره، عليكم أن تعلموا أن السابقين الذين آل حالهم إلى مستبدين يدافعون باستماتة ضد أي تغيير، لم يكونوا يوماً مناضلين أو مجاهدين حقيقيين ولكنهم كانوا انتهازيين وصوليين، اندسوا في صفوف المخلصين ليفسدوهم ويقفزوا إلى مواقع القيادة، لذلك احذروا من الغفلة والاغترار بالمظاهر أو الأسماء والصفات والألقاب واحسنوا الاختيار ...


مصطفى إنشاصي
التاريخ: 30/7/2019
[email protected]