عندما تواجه دولة أزمة من الأزمات، سواء أكانت من صنعها أم ناتجة من ظروف محيطة، فمن الطبيعي أن تنتج أزمات جانبية تمس حياة المواطنين وأسلوب معيشتهم ومستواه وما إلى ذلك. لنأخذ وضع ألمانيا في السنين الأخيرة على سبيل المثال. فعندما سمحت المستشارة لمئات الألوف من طالبي اللجوء بدخول أراضيها دفعة واحدة، تبين أن هذا التدفق البشري الهائل قاد إلى أزمة جديدة إضافة إلى الأزمة الأصلية المتمثلة في الحشد البشري الهائل على تخومها وتخوم جيرانها. عندها أمرت برلين أجهزة الدولة كافة باستقبال اللاجئين في مراكز مؤقتة، ومن ثم توفير السكن الدائم اللائق لهم. ولأن ألمانيا تعاني أزمة سكن حادة، فقد اختار ملّاكو الشقق الفارغة إغلاقها بهدف رفع الأسعار والاستفادة القصوى من معاناة اللاجئين وأزمة الحكومة. عندها قررت المستشارة تفعيل قوانين سارية تقضي بمصادرة الشقق الفارغة وتصليح ما هو في حاجة إلى تصليح وترميم، على حساب مالك الشقق طبعاً، ومن ثم تأجيرها للاجئين بحسب أسعار المنطقة التي تقع الشقق فيها. الملاحظ أن أحداً لم يحتجّ على خطوة الحكومة تلك. هذا التصرف كان تحدياً لا بد منه لملاكي الشقق، لكنه يصبّ في المصلحة العامة. الحكومة الألمانية لم تحتج إلى سن تشريعات جديدة بالخصوص، بل فعّلت قوانينها.
بل إن الأمر تجاوز هذا بسبب أزمة السكن الخانقة التي تعاني منها البلاد، إذ حذّر بعض وزراء الولايات من حزب الخضر من أنهم سيلجأون إلى مصادرة أراضي خاصة مخصصة للبناء لبناء شقق سكنية ضمن برنامج السكن الاجتماعي. بل وصل الأمر ببعض الوزراء إلى تحذير الحكومة الاتحادية من أنهم سيلجأون إلى التأميمات لحل بعض المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، والحديث امتد ليغطي مسألة نهاية النظام الرأسمالي واللجوء إلى الاشتراكية.
علينا تذكّر أننا في صدد الحديث عن دولة تقدس الملكية الخاصة وتثبت ذلك في دستورها.
هذا يأخذنا إلى مسألة الأزمات الجانبية المتفرعة من أزمة كبرى تواجهها دولة من الدول. فمن المعروف أن المستثمرين في قطاع البناء يتوقفون عن الاستثمار فيه في حال أن دولتهم تعاني أزمة كبرى، ويلجأون إلى محاولة تحصيل أقصى الأرباح من خلال الضغط على الباحثين عن مسكن لائق، سواء عبر الاتفاق في ما بينهم على مقدار الإيجارات وفرض الدفع مقدماً لفترات طويلة تصل أحياناً إلى ثلاث سنين، إضافة إلى خيار إبقاء الشقق الفارغة مغلقة. هنا على الحكومة التدخل لحماية الضعفاء عبر وضع جداول واضحة لمقدار إيجار المتر الواحد في كل منطقة، وتحديد مقدار الضريبة على الشقق المؤجرة، ولنقل 10% من قيمة الإيجار المدفوع الذي يجب أن يكون مذكوراً ذكراً واضحاً وصريحاً.
الحكومة في البلد الذي يعاني أزمة كبرى ليست في حاجة إلى مصادرة الشقق الفارغة ولا إلى اتخاذ إجراءات طارئة. على سبيل المثال، يمكن للحكومة فرض ضريبة مضاعفة عليها، ولنقل 50% من قيمة الإيجار الوارد ذكره في الجداول التي اقترحنا وضعها.
بتطبيق هذا الخيار، سيضطر أصحاب الشقق إلى عرض شققهم للإيجار. وكثرة العرض ستتجاوز الطلب، بما يعني هبوط حاد في أسعار الإيجارات في مناطق محددة تعاني أزمات. أما التذرع بأن سياسة كهذه ستؤدي إلى امتناع المستثمرين عن العمل في قطاع البناء، فأمر غير وارد، لأن المستثمر يفرّ من مناطق الأزمات.
بهذا تكون الحكومة قد قامت بجانب من واجبها، وهو حماية الضعفاء والفقراء، ووضع ضوابط تعطي كل ذي حق حقه. أما أن تترك الأمور سائبة، فقد تؤدي إلى انفضاض الضعفاء عن النظام وبحثهم عن حلول لمشاكلهم الاقتصادية ضمن أطر أخرى.
زياد منى