لا تقدم على مسار التفاهمات التي توصل اليها الوسط المصري بين المقاومة واسرائيل في قطاع غزة فلم تدخل مرحلتها الثانية ولم تستكمل المرحلة الاولي ولم يلتزم العدو سوي بالقليل من بنودها وباتت تفهم على انها ليست اكثر من تكتيك اسرائيل مدروس ومرتبط بحد زمني وحد اجرائي على الارض لكسب الوقت والمناورة الي ابعد الحدود , بات المشهد تعلوه الكثير من المؤشرات التي توحي بان اسرائيل غير جادة في موضوع التفاهمات ولا تنوي التقدم فيها باي شكل من الاشكال لان اي مرحلة تتقدم فيها اسرائيل وتطور اجراءات فك الحصار عن غزة تربطها باستحقاق اسرائيلي على الارض سواء فيما يتعلق بمسيرات العودة او ملف جنوده الاسري او ملف سلاح المقاومة وتجهيزاتها او ملف صفقة القرن التي بنيت على اساس فصل غزة عن باقي الارض الفلسطينية واعتمادها مركز الحل في المستقبل . الواضح حتي اللحظة ان اسرائيل لا تريد ان ترفع الحصار عن قطاع غزة في ضوء التفاهمات ولا تريد من التفاهمات سوي الوقت واسرائيل تريد كل شيء ولا تريد ان تعطي المقاومة الشيء الكثير سوي تسهيلات هنا او هناك لا اكثر ولا تريد في زات الوقت ان تدخل في حرب كبيرة وما تريده البقاء بين النقطتين لاتفاهمات حقيقية ولا حرب كبيرة .
لم تستثني اسرائيل خيار الحرب على غزة يوما من الايام ولم توقف لغة التهديد والوعيد بان المعركة القادمة على غزة مسالة وقت وهذا بدا واضحا من خلال تكرار حديث نتنياهو اكثر من مرة "ان القادم هو عملية عسكرية واسعة وغير مسبوقة لغزة نقضي فيها على القوة المسلحة للجهاد الاسلامي وحماس " وجاء هذا خلال الحفل التذكاري لقتلي الجيش الاسرائيلي في الحرب الماضية , واكد وزراء اسرائيليون في حكومة نتنياهو انه ستكون هناك معركة اخري في غزة حيث وادعوا تحديد الوقت والشروط وقالوا انه ولسوء الحظ فأن المعركة المقبلة ستحدث لعدم وجود خيار اخر , وطالب اخرون بتنفيذ عملية "سور واق" في غزة على غرار ما جري بالضفة الغربية عام 2002 , اما قادة الجيش فلم بتحدثوا كثيرا عن المعركة لكنهم قالوا انها ستكون خاطفة وواسعة ومفاجئة ولعل استعداداتهم على الارض تؤكد ان لديهم تعليمات بالجهوزية التامة لخوض معركة حاسمة في قطاع غزة والدخول برا لذلك جاء التدريب الاخير لفرقة غزة والتشكيلات العاملة على الحدود تحت مسمي "الفصول الاربع" والذي يحاكي عملية عسكرية مفاجئة وحاسمة تستهدف المقاومة الفلسطينية هناك وتعمل جميع الهيئات العسكرية خاصة القيادة الجنوبية على رفع الجاهزية في عدة مجالات مثل استيعاب وشراء المعدات القتالية، ووضع الخطط العسكرية، وجمع المعلومات الاستخبارية، وتعزيز بنك الأهداف.
الاستعدادات على الارض تجري والجيش يرفع جهوزيته , بالمقابل فأن المقاومة الفلسطينية تدرك ان المعركة القادمة مسالة وقت وهي بالتالي ترفع جهوزيتها وتستعد لاسوء السيناريوهات وتضع الخطط الي من خلالها تحقق تفوق عملياتي كبيريؤلب الجمهور الاسرائيلي على المستوي السياسي لذلك فان المعركة ستكون قاسية ومحدتمة وستتغير فيها معادلات كبيرة وتفرض وقائع جديدة على الارض وقد لا تتراجع اسرائيل او توقف الحرب هذه المرة الا اذا خسرت مئات ارواح وتورطت في عمق القطاع لذلك خيار الحرب وقراره بيد المستوي السياسي وهو قرار دقيق وحساس , لذلك فاني اعتقد ان المستوي السياسي يولي التفاهمات الاولوية ويعتبرها اقصر الطرق لتحقيق الاهداف العسكرية دون خسائر ودون تكاليف وخاصة ان اسرائيل اليوم لا تدفع فلسا واحدا من ميزانيتها لتستمر هذه التفامات وتتطور مقابل المال . لعل قرار الحرب ايضا ليس بيد نتنياهو وحده لان ادارة ترامب تشاركه في ذات الموضوع وخاصة ان قرار الحرب يعني فشل كافة الخيارات التي تسعي اليها اسرائيل عبر التفاهمات وبالتالي فشل الدور القطري والفشل هنا يعني فشل اسرائيل في تحقيق ما تريد تحقيقه بالتفاهمات وعدم قدرتها على تدجين المقاومة وتوظيف وجودها لصالح تنفيذ المخطط الامريكي اي الابقاء على الانقسام وتعزيزه من خلال مد جسور اقليمية مع حركة حماس وفي نفس الوقت تدمير جسور حركة حماس مع ابو مازن باعتبار ان اي تقارب بين حماس وهذا الرجل نسف الخيار الاول لنتنياهو وهو بناء تفاهمات تعمل على تذويب الايدلوجيا العسكرية للمقاومة الفلسطينية وتوظيفها كقوة فلسطينية يجب عدم تفتيتها للنيل من ابو مازن نفسه وسلتطة التي ترفض المبادرة الامريكية .
تبقي الحرب الطاحنة الخيار الذي ستلجأ اليس اسرائيل افي النهاية بعد استنفاذ وفشل الجهد السياسي والذي يسير قدما فيه اليوم بمساعدة اطراف اقليمية مهمة تعلب دور الوكيل في كل شيء للوصول الي تحقيق الاهداف الاسرائيلية الكبيرة مع مرور الوقت في صورة صفقة شاملة مع المقاومة , وتبقي الحرب الخيار الذي لا يمكن لاسرائيل ان تستغني عنه فهو جزء من الايدلوجيا الصهيونية اذا ما حدث اي طارئ خرج عن السيطرة على الارض وجر الطرفان لهذه المعركة التي لا يرديوا ان ينجروا اليها الان او على الاقل في هذا الوقت وهذا ما يفسر سعي اسرائيل لاستمرار ادخال الاموال القطرية الى غزة وتنفيذ مشاريع مهمة لقطاع غزة بدعم قطري واشراف امريكي واسرائيلي كالمستشفي الذي بدأ العمل على انشائه شمال قطاع غزة دون تنسيق مع السلطة الفلسطينية بالرغم من الانتقادات الكبيرة التي تواجه لنتنياهو وقد تؤثر على حظه في الانتخابات القادمة . لا نستطيع ان نؤكد ان الحرب هي الخيار الاول في وجود خياراخر على المشهد وهو التفاهمات التي يخطط لها لتصل في النهاية الي اتفاق شامل بين اسرائيل وحماس يحقق فيها الطرفان اهدافهما دون الحاجة لمواجهة عسكرية او حرب طاحنة مفاجئة وقصيرة.
بقلم/ د.هاني العقاد