الزلزال لم يضرب فتح وحدها بل ضرب من هو أكبر وأهم من فتح، إنها القضية الفلسطينية والمستقبل الفلسطيني وحركته الوطنية والاسلامية ممثلة بالفصائل والجماعات السياسية والإجتماعية ووصلت إرتدادات الزلزال حتى عصفت بمؤسسات الإن جي أوز التي صنعت لترث الحركة الوطنية والفصائل في اللحظة السياسية المناسبة أي أن حتى البدائل التي هيؤوها وتمنوا لها إستلام السلطة والقيادة فيما بعد عصر الفصائل قد شكمها الزلزال القديم الجديد.
الزلزال الذ أعنيه كان الخروج من بيروت للثورة الفلسطينية أي الخروج من الحاضنة الثورية المواتية إلى حواضن الخمس نجوم والمال السياسي الملوث والمستخدم للوصول لوضع التشظي والوهن والهوان.
الزلزال بدأت إرهاصاته بعد كامب ديفيد حين رفض ياسر عرفات العرض المصري للمشاركة في عملية السلام المستند لظهر القوة العربية الأولى وما تبعه من إنتقال مركز القوة للقيادة الفلسطينية بعيدا عن مصر وسياسات الرئيس السادات نحو حل الصراع مع إسرائيل، وما كان في حينها من تشكل موقف لكل العرب وعزل مصر ونقل الجامعة العربية إلى توتس، والتي كان بالإشارة في حديثنا عن الزلزال حين نتج عن خروج الثورة الفلسطينية مهزومة من بيروت وفرض حينها المنتصر وهي إسرائيل والولايات المتحدة شروطهما، وأتبعتاهما بفرض شروط المنتصر بإتفاق أوسلو الذي لم يكن إنتصارا كما خيل للبعض بنفس الترويج والتخيل بأن الخر وج من بيروت كان إنتصارا ولو بالحفاظ على مقاتلي الثورة الخارجين من بيروت تمحكا بالإنتصار ، فلم يكن الخروج من بيروت ولم تكن أوسلو أيضا إنتصارات بل كانت شروطا فرضتها اسرائيل ولذلك تواصل الضعف والتضعضع والانهيار للسلطة والفصائل وأنتجت حالة الانقسام والخلاف بين الفلسطينيين التي عصفت بكل شيء في فلسطين وفي مقدمتها حركة فتح والآن ننتقل لموضوع فتح بعد هذا التقديم المختصر.
ما تحدثنا به كثيرا ونواصل الحديث عنه هي مسيرة ومصير فتح ليس بشكل عاطفي أو موجه ضد قيادتها أو الحركة نفسها، فأنا ألأقرب فكرا وسياسة ونهجا للوطنية الفلسطينية والتي مركزها فتح ومنظمة التحرير واللاتان مثلتا شعبنا حتى الآن، ولكن حديثي هو واقع السياسة التي وصلنا بها أو أوصلتنا لما نحن فيه من حافة الهاوية التي تتواصل فيه إسرائيل والولايات المتحدة في فرض شروطها علينا والتي في سياق تفاعلاتها وردود فعل الفلسطينيين عليها ظهر أيضا من حاول ويحاول تغيير المعادلة التي بدأت بالهزيمة والخروج من بيروت وأدت لظهور التيار الإسلامي ممثلا في حركتي حماس والجهاد الإسلامي وبعض الإحزاب والحركات الوطنية الصغيرة الحجم والتأثير في الخارطة السياسبة الفلسطينية ولم تنجح تلك الحركات والأحزاب من تغيير تلك المعادلة وتوشك هي أيضا على الإنهيار أمام إستمرار فرض شروط إسرائيل المنتصرة والمتواصلة وآخرها صفقة العصر أو صفقة ترامب.
أاما عن فتح فالحقيقة اواضحة هي أن ياسر عرفات ألم يكن منتصرا ولا قيادة فتح ولا منظمة التحرير منتصرة حين خرجوا من بيروت ولا حين عقدوا اتفاق أوسلو ولا حين تشكلت السلطة ولا حين أداروا الحكم ولا حين أداروا الصراع مع إسرائيل وحتى الآن، ولا كان ياسر عرفات ولا غيره قادرا على تغيير تلك المعادلة بعد وقوعه في الفخ، بل كان فشلهم جميعا مؤكدا في قيادة السياسة الفلسطينية وقيادة حركة فتح ومنظمة التحرير وكل التفاصيل يعرفها الجميع وفي عمقها الصراع بين الفلسطينيين على السلطة وإمتلاك القرار الفلسطيني ما أضعف الحال الفلسطيني أكثر وأكثر.
فتح التيار الوطني المركزي تغيرت بيئتها وأداتها النضالية تماشيا مع واقع أوسلو المفروض عليها وقبله تماشيا مع واقع ما بعد الخروج من بيروت المفروض عليها فكانت فتح وكل التنظيمات الفلسطينية عرضة للإنهيار وتفريغ محتواها وآلت تلك الفصائل إلى موظفين ينتظرون الراتب، وبعض الفعاليات غير القادرة على تغيير المعادلة السابقة، وكذلك التيار الاسلامي بشقيه حتى في حروب غزة المتعددة والمتواصلة حتى الآن، ودليل ذلك أن مساحة الأرض التي يقف عليها الفلسطينيون جميعهم حقيقة وسياسة قد تقلصت وتوسع النفوذ الاسرائيلي وكبرت الخسائر الفلسطينية وفتحت العلاقات مع العرب وانتقلت لديهم القضية الفلسطينية من المقدمة ورأس الأولويات وبدا وكأنها قضية من قضايا الديمقراطية والإقتصاد، ولذلك حملت فتح أو حملت القسط الأكبر من المسؤولية والمضاعفات فاشتبك الفتحاويون وضعفت فتح وإوشكت على الانهيار بسبب برنامجها الذي تمسكت به وفساد الادارة والمال وارتبكت قيادتها أمام هذا الطوفان الذي حل بالقصية الفلسطينية فكانت أولى علاماته هي هزيمتها في الانتخابات في العام ٢٠٠٦ وتراجع دورها وبدأت الصراعات داخلها تتوسع وتغيرت الحالة الفتحاوية من حالة نضال ومقاومة ضد الإحتلال إلى حالة نزاع على المواقع القيادية والمكاسب وانتعشت الشللية والمناطقية داخلها وإنعكس كل ذلك داخل سلطة حكم البلاد وخارجها ووصلت لحد فرض عقوبات على غزة على خلفية الصراع مع حماس التي استولت على السلطة في غزة بالقوة، وأيضا على خلفية الصراع داخل حركة فتح نفسها فكان نشوء التيار الآصلاحي في محاولة للظفر بمستقبل فتح، ولكن أي مستقبل هذا وفتح والفصائل الأخرى الاسلامية والوطنية كلها على حافة الانهيار فالزلزال القديم مازال يضرب أطنابه في كل قديم وتعديلاته على أمل تلنهوض، ولذلك فالخارطة السياسية الفلسطينية بمجملها هي في حالة تغيير حاد فيها ويحدث انسحابات وأفول لبعض القوى ظاهرا للإعيان وفي الباقي منها في الطريق للأفول رضينا أم تشنجنا أمام ذلك فهذا لن يفيد والمجتمع الفلسطيني في حالة صراع مستمر مع الاحتلال والطبيعي أن تحل الاحزاب والحركات الجديدة اليوم أو غدا مكان القدبم ولذلك لن تعود فتح لما كانت عليه هذا أصلا إن بقيت، فتح ومثلها تماما بافي التنظيمات الأخرى التي خضعت ولازالت تخضع لقاعدة معروفة وخقيقية وهي " إن كانت فتح بخير فالوطن وتنظيماته الأخرى بخير" والقاعدة التي لا يريد الجميع فهمها ان إنهيار فتح هو إنهيار لحماس وإنهيار لباقي الفصائل ولاحظوا ما يحدث لديها جميعا لتتأكدوا من تلك القواعد.
مجنمعنا وقصصصيتنا بعد تلك النكباتيحتتج أحزالا تناسب العصر وتستخدم أدواته ورجاله وإمكانياته، ومرحى لأحزاب جديدة تستخلص العبر من تجارب الماضي في السياسة وفي الديمقراطية وفي تحديث التنظيم داخل الحزب السياسي كما في الشعوب الأخرى وشعبنا ليس طينة مختلفة عن العالم والناس في كل زمان ومكان، فالإنسان هو الإنسان وعلينا أن نرتقي في تنظيم الصفوف وتحسين الأداء واحترام الكفاءة وتحديد رؤؤتنا من جديد لنستطيع تغيير معادلات الهزيمة وإحراز النصر الحقيقي وليس تزييف الوعي بإدعاء الانتصار التي تبرزه وتؤكده النتائج الحقيقبة على أرض ااواقع.
ملاحظة:
أقول للتيار الإصلاحي الذي أنا منه وفيه ولقيادته أخرجوا سريعا من الاشتباك والمراهنة على وراثة فتح ولا تحملوا كوارث ووزر الماضي المعيب لتياركم فالأفق أوسع وهذه حركات وأحزاب المرحلة السابقة توشك على الأفول فقد هزمت وفسدت وذهبت ريحها وغير قابلة للإصلاح أصلا وافتحوا آفاق حزب جديد يتمتع بالحيوية والفتوة ولن يعيدها الزمن لمن يعرف ويقرأ المشروع الصهيوني وانتصاراته المتصاعدة التي لا توائمها كل الخارطة السياسية الفلسطينية ولا تذهبوا مع الماضي الذي مازاىت عمليات الهدم به فاعلة فالوطن والتحرر والاستقلال يحتاج نوعا آخر من الأحزاب تماما كما كانت نكبة ١٩٤٨ حين زالت أحزاب وجاءت فتح وغيرها وهي الآن تزول ولن تعود.
د. طلال الشريف