كلنا سمعنا في الأيام الأخيرة، تلك الهتافات والشعارات التي تنادي وتروِج للعصيان المدني، ضاربة عرض الحائط إرادة الامة المتطلعة للأفضل في ظل حراكها السلمي الحضاري السلس، فعلا إنه أمر غاية في الخطورة، لكونه تحوُل مخيف في المسار السلمي الذي انتهجه الشعب في رحلة بحثه، عن مستقبل أفضل للوطن، مستقبل أفضل سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، بعيدا عن خبث وتآمر المتآمرين.
نعم إنه سيناريو جد دقيق ومخيف تقوده جهات لاهثة خلف سراب السلطة، لإشعال النار في هاته الأرض المباركة، وبالتالي إدخالنا في ذات النفق الذي دخلت فيه بلدان أخرى مثل ليبيا واليمن وسوريا، من خلال بث تلك الافكار المسمومة وسط الحراك في محاولة لاختراقه، ومن ثم تفجيره من الداخل، عبر مزالق الصدام مع النظام والمؤسسات الأمنية، تمهيدا لانتشار رقعة النار والحريق، وفتح الباب لفوهات البنادق وحلول لعنة الحرب، فهذا ومع كل آسف السيناريو يجري بسرعة البرق، برعاية المتضررين مما يجري من تطورات سريعة على المستوى السياسي والقضائي، لانهم لا يهمهم ضياع الوطن أو التهام النيران لقلبه وأحشائه، بل تُهمهم فقط مصالحهم وأهدافهم الخاصة، وهو ما يدعونا لدعوة نزهاء الحَراك المتشبِّثين بمطالبهم في تكريس الانتقال الفعلي نحو الديمقراطية الحقيقية، من أحزاب وشخصيات وأفرادا ومن عموم المواطنين، الانتباه مبكرا إلى حقيقة ما يحاك في الخفاء من دسائس للسطو على مخرجات الثورة، وعدم الانجرار بانفعالات ثورية وراء دعوات لا تُخفى خطورُتها على أي عاقل، لأنه من الغباء والتهور أن يسوق البعض لأفكار لا يعرف مصدرها، بل إن دعاتها الفعليين معروفون أحيانا بولاءاتهم ومواقفهم العدائية تجاه مؤسسات سيادية في الدولة، وفي مقدمتها مؤسسة الجيش، فكيف هذا أيُعقَل أن تتجرأ مجموعات ممن يدعون الديمقراطية ويطلبون الحرية والسلام والعدالة، على الجيش رمز وحدة البلاد وكرامتها، ويهان في وضح النهار عند قارعة الطريق، أيُعقل أن تُهان المؤسسة العسكرية وقائدها، الذي أكد كم من مرة أنه الحامي للحراك والعين الساهرة على أمن الوطن، والذي تعهد بعدم سقوط أي قطرة دم واحدة لأي جزائري، عيب بل حرام بعد نصف سنة من ثورة هادئة حيرت العالم أن تنزلق نحو العنف أو التخريب.
فهؤلاء الحالمين بركوب الحَراك لإعادة التموقع داخل السلطة، يحاولون بكل الطرق الاستثمار في نفسية الإحباط الذي بدأ يتسرّب إلى قلوب الجزائريين من جدوى المظاهرات السلمية في تغيير النظام السياسي، ولذلك يقذفون بفكرة العصيان المدني كآخر ورقة، بزعمهم لإكراه السلطة على الاستجابة لمطالب الشعب، بينما هم في الحقيقة يخططون لإرباك النظام من أجل التفاوض من وراء الستار، غير آبهين بتعريض الدولة كلها لشبح السقوط، وبالتالي فمسؤولية السلطة الفعلية اليوم تاريخيةٌ في سحب البساط من تحت أرجل هؤلاء المتربّصين بحراك الشعب، من خلال بعث الأمل في إيجاد مخارج عاجلة للأزمة السياسية، وقطع الشك باليقين بشأن الإرادة العليا في مرافقة مطالب الجزائريين وتجسيدها عمليا عبر توفير كل الشروط الضرورية والإجراءات اللازمة لانطلاق حوار جاد يقودنا إلى الصندوق الانتخابي بكل شفافية.
الحذر، الحذر فالعملاء والخونة باتوا يستغلون الوسائط الاجتماعية، لقيادة حملة إعلامية رخيصة ضد الجيش، فالمطالبين بالعصيان وأصحاب شعار "دولة مدنية ماشي عسكرية" يعملون على إشاعة الفوضى والتخريب، يُريدون تحطيم المؤسسة الوحيدة التي باتت تحظى بالشرعية الشعبية، فالحذر فإنه إذا ذهب الجيش ذهبت الدولة وزالت هيبتُها، حينها لا ولن يبقى هناك وطن، ولا أمن ولا سلام، ولا مجتمع ولا أمان، فاستفيقوا قبل أن نبكي على الوطن.
بقلم/ عماره بن عبد الله