ما خطه قلم الكاتب فهمي شراب عن المعاناة الفلسطينية في السفر، كان بمداد من الحب لمصر والغيرة عليها، ورفض كل ما لا يليق بها. ولا أخال أن الوطنيين المصريين، ينكرون على الوطني الفلسطيني، الجمع بين محبته للشقيقة الكبرى، ووفائه لشعبه وتألمه لعذاباته. فلا هو، ولا أي فلسطيني سوي العقل، يمكن أن يتمنى لمصر الكنانة العزيزة، سوى الإستقرار والأمن والرخاء. فمصر صاحبة أفضال على شعب فلسطين في الحرب والسلم، والفلسطينيون في غزة، متصاهرون بكثافة مع الأسر المصرية في كافة المدن والقرى والنجوع.
الكاتب فهمي شراب، يسد خانة فارغة في مساحة المصارحة الواجبة، فيكتب بوجدانه، وهذا توصيف جميل استعذبته عندما قرأته مرة في صحيفة هندية، تعليقاً على حديث لي أمام جمع غفير من مسلمي الهند. كان الجمع من بسطاء القوم، الذين لا يعرفون سوى اللغة الأوردية، وعندما لم يكن مجدياً الحديث بالإنجليزية أو العربية، قفز شاب من بين الحشود، وتطوع بالترجمة من العربية الى الأوردية، وقال لي إنه حصل على الدرجة الجامعية في الإعلام من جامعة قطر. فقد كان والده يعمل هناك. ليلتها، وتحت أنوار الأضواء الكاشفة، طال الحديث وتشعب، والفتى يترجم فقرة فقرة، وبصراحة خرقت قواعد العمل الديبلوماسي، وهاجمت وقوع الحكومة الهندية في فخ التضليل الصهيوني، وشرحت كيف أن العلاقة الوثقى مع إسرائيل لا تليق بالهند وتراثها السياسي. وفي اليوم التالي صدرت تغطية الصحف بالأوردية والإنجليزية، وكانت إحداها بعنوان: سفير فلسطين يتحدث بوجدانه!
كان فهمي، فيما كتب، يقفز متطوعاً لمهمية ترجمان من نوع آخر. أحس بحاجة الأهل، الى سفير وجداني يعبر عن دواخلهم. اقتنص لنفسه الحق في البوْح الذي عجزت عنه الغضافر (جمع الغضنفر السميك) السياسية القيادية. كان يراهن على أريحية مصر، في تاريخها وفي راهنها، فهي التي استوعبت الأجناس الوافدة اليها من كل حدب وصوب، وتقبلت في أطرها القيادية على مر التاريخ، وفي برلماناتها بعدئذ، متمصرين من شعوب شقيقة وصديقة وبعيدة. وكان أول من كلفته الدولة بعد ثورة يوليو 1952 بمشيخة الأزهر الشريف على أهميتها كمنارة، هو الشيخ محمد الخضر حسين، الجزائري الجنسية، المولود في تونس، ثم تقبلت منه بعد عامين، انسحابه من منصبة كشيخ للأزهر، وحافظت على احترامه، ولم تجافه، عندما احتج على قانون الأحوال الشخصية، أي على شأن داخلي، فما بالنا عندما يتعلق الأمر باستيعاب محض كلام ناصح، يعبر عن لواعج شعب هو من نُسغ الشجرة المصرية.
عدلي صادق
*كاتب وسفير سابق