أعلن رئيس السلطة محمود عباس يوم الخميس 26 يوليو 2019 وقف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع (إسرائيل)، وتشكيل لجنة يرأسها د. صائب عريقات لبحث آلية التنفيذ تبدأ عملها اعتباراً من الجمعة.
جاء هذا القرار كرد سريع على سياسة الاحتلال الإسرائيلي تجاه الأراضي الفلسطينية وآخرها كان هدم المنازل في منطقة صور باهر على أطراف القدس، وهي مناطق تخضع بشكل كامل للسلطة الفلسطينية (مناطق أ).
وهنا التساؤل يتمحور حول سياسة تشكيل اللجان، وماهية الاتفاقيات التي ستدرس وقفها اللجنة، وأثر ذلك وتداعياته، وما هي السيناريوهات المحتملة...؟
أولاً: سياسة تشكيل اللجان في الحالة الفلسطينية.
تعتبر هذه اللجنة هي رقم 8 بين اللجان التي شكلت لدراسة نفس القرارات التي تتمحور حول وقف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع دولة الاحتلال الاسرائيلي، بما يؤكد المقولة التالية: "إذا أردت أن تفشل عملاً فشكّل له لجنة".
لكن في حقل السياسة والدبلوماسية تعني اللجنة أنها ورقة للمناورة والتسويف والضغط على الأطراف الدولية وعلى دولة الاحتلال، ولكن بات من الواضح أن الاحتلال والمجتمع الدولي فهم الدرس جيداً، وأصبح يتوقع سلوك القيادة الفلسطينية، انطلاقاً من سلوك اللجان السابقة التي تشكلت لمتابعة قرارات المجلس المركزي، والوطني وغيرها من المؤسسات السياسية والحزبية.
فاللجان يحكمها محددات لعل أهمها: (البيئة الاستراتيجية محلياً وإسرائيلياً وإقليمياً ودولياً ومدى قدرة القيادة الفلسطينية على التنفيذ – دور جماعات المصالح – حالة الانقسام وتداعياته الداخلية).
ووفقاً لما سبق فإن قرارات الرئيس محمود عباس ستبقى تدور في دائرة التلويح وقد تذهب بشكل تدريجي نحو تنفيذ جزئي لا يؤثر كثيراً على مجمل الصورة الحالية.
ثانياً: وقف العمل في الاتفاقيات الموقعة وتداعيات ذلك.
وقّعت القيادة الفلسطينية عشر اتفاقيات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي تحدد إطار العمل بين السلطة واسرائيل، وحسب د. وليد عبد الحي فإن هذه الاتفاقيات تندرج ضمن اتفاقات أو بروتوكولات أو إعلانات مبادئ، تعد هي الأساس لكل ما يجري بين الطرفين ، وتشمل هذه الاتفاقات: مدريد 1991- أوسلو 1993- غزة أريحا 1994- باريس الجمركي 1994 - طابا 1995- واشنطن 1995- الخليل 1997-واي ريفير الأولى 1998- واي ريفير الثانية 1999- التنسيق الأمني 2005.
لا أعتقد أن دولة الاحتلال ساذجة بأن تقبل أن توقف السلطة اتفاقاً وتترك آخر يخدم مصالحها فالمنطق يقول ذلك، وعليه فإن أهم تداعيات وقف الاتفاقيات يعني إنهاء السلطة وتآكل دور جماعات المصالح في توقيت ليس بالسهل، فحالة الانقسام ما زالت مستمرة، وهناك فجوة تتزايد تدريجياً بين القيادة بكل مكوناتها والشعب الفلسطيني، وهناك تحول في نظرة إسرائيل للتنسيق الأمني ودور السلطة، وفهم حقيقي لسلوك القيادة الفلسطينية.
ثالثاً: السيناريوهات المحتملة.
ثلاثة سيناريوهات يتوقع حدوثها وهي:
1.سيناريو التلكؤ والتسويف والتلويح.
هذا السيناريو الأكثر ترجيحاً ويقوم على تلويح السلطة عبر اللجنة المكلفة بأنها ستوقف الاتفاقيات، وقد تخرج بعض التصريحات الداعمة لقرار الوقف ولكن ضمن هدف تكتيكي وتحريكي للمجتمع الدولي للضغط على الاحتلال لوقف إجراءاته بحق السلطة الفلسطينية.
2.سيناريو تنفيذ القرار.
تنفيذ القرار يعني إنهاء السلطة، وتآكل دورها المؤسساتي لكن في نفس الوقت ستزداد شرعيتها الشعبية والثورية كون المرادف لوقف العمل بالاتفاقيات هو إنهاء السلطة الفلسطينية واندلاع ثورة شعبية ضد الاحتلال. ولكن هذه الشرعية لن تكون هدف جزء من القيادة الفلسطينية التي تشكلت فيما بينها جماعة مصالح تعمل على بقاء الواقع الراهن كما هو.
3.سيناريو التراجع عن القرار.
أضعف السيناريوهات لأنه سيعمل على تآكل تدريجي لشرعية منظمة التحرير والقيادة الفلسطينية الراهنة، وسيزيد من حالة الانقسام والفجوة بين القيادة ومؤسساتها والشعب الفلسطيني.
الخلاصة: نحن نعيش أسوأ المراحل التاريخية، وعليه بات من الضروري تقييم التجربة بكل أشكالها، وصولاً لبناء استراتيجية تراعي كل خيارات شعبنا ومنها خيار حل الدولة الواحدة الديمقراطية كمدخل للهجوم على الاحتلال وتحميله كامل المسئولية عن كل شيء.
كتب: د. حسام الدجني
المصدر: صحيفة فلسطين