سحب الاعتراف بدولة الاحتلال هو الأساس الذي تبنى عليه باقي الخطوات للخروج من أوسلو والتزاماته
مع صدور قرار وقف العمل باتفاقيات أوسلو وبروتوكولات باريس، كثر الحديث عن ضرورة أن تكون الآليات «حكيمة» وأن تكون «الأقل ضرراً» بالمصلحة الوطنية، وأن تكون «متدرجة»، و«تراكمية»، وغيرها من تلك التوصيفات، التي لا توحي سوى أن قائليها يعيشون حالة تردد وارتباك، وتخوف من الانتقال من حالة دامت أكثر من ربع قرن، استقرت فيها أوضاعهم الوظيفية والإدارية والمعيشية، واحتلوا فيها نفوذاً سياسياً واجتماعيا واقتصاديا مميزاً، ووفروا آليات للتعايش مع الاحتلال ومع إجراءاته، مستفيدين من امتيازات الـ «V.I.P »، والامتيازات المعيشية التي توفرها لهم مداخيل مرتفعة، صنعت أساساً بهدف بناء فئات اجتماعية تنحو إلى الاستقرار في ظل الاحتلال، وهي وإن كانت تنحو إلى التغيير، إلا أنها تنشد «التغيير الهادئ» و«التغيير السلمي»، بعيداً عن أي صدام مكلف مع سلطات الاحتلال.
لذلك بدأت مراكز البحث والدراسات، ذات الاتجاهات المعروفة، في التفتيش عن الإجراءات التي يمكن وصفها أنها تندرج في إطار وقف العمل بالاتفاقيات، ولكن دون أن تحدث زلزالاً، لا في العلاقات مع سلطات الاحتلال، ولا زلزالاً في البنية الاجتماعية والحالة التراتبية، وبحيث «تبقى اليد الفلسطينية ممدودة نحو السلام»، أياً كانت إجراءات الاحتلال والاستيطان، وكأن «السلام» بات هو الهدف، وليس الخلاص من الاحتلال، وترحيل الاستيطان.
* * *
بعيداً عن أية فذلكات وتفسيرات، يجب الإقرار أن المدخل لإعادة النظر بالعلاقة مع دولة الاحتلال، أو لنقل «وقف العمل بالاتفاقيات»، هو المدخل السياسي. وأية محاولة للتهرب من هذا المدخل، نحو إجراءات أخرى، اقتصادية أو غيرها، بدعوى أنها مقاطعة للاحتلال، إنما هي مناورة مكشوفة. لذلك يتوجب التأكيد على أن القرار الذي من شأنه أن يشكل المدخل الصحيح، والعملي، والحقيقي، هو سحب الاعتراف بدولة الاحتلال، إلى أن تعترف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس على حدود 4 حزيران 67. وكما تم إبلاغ الأمانة العامة للأمم المتحدة ومجلس أمنها وجمعيتها العامة بوثيقة الاعتراف في 9/9/1993، وكما اعتمدت الأمم المتحدة اتفاق أوسلو وثيقة رسمية، يتوجب على القيادة الرسمية، التي بيدها صلاحية التوقيع، وصلاحية مخاطبة المنظمة الدولية ومؤسساتها، أن تبلغها رسمياً، بقرار سحب الاعتراف بإسرائيل، وقرار الانسحاب من اتفاق أوسلو وبروتوكول باريس، والتحرر من استحقاقاتهما وقيودهما.
نعتقد أن هذه الخطوة هي الأساس الذي يفترض أن تبنى عليه باقي الخطوات، وإلا يمكن القول إن التحرك السياسي سيبقى في إطار التحرك التكتيكي، ولم ينتقل نحو الاستراتيجية الجديدة والبديلة التي رسمها المجلسان المركزي والوطني.
فأهمية تنفيذ هذه القرارات، أن يترتب عليها نتائج سياسية تندرج في إطار تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة السيادة على كامل أرض الدولة الفلسطينية التي اعترفت بها الأمم المتحدة بموجب القرار 19/67، وبعاصمتها القدس وعلى حدود 4 حزيران، ومنحتها العضوية المراقبة، كما أقرت حل قضية اللاجئين بموجب القرار 194 الذي يكفل لهم حق العودة إلى الديار والممتلكات التي هجروا منها منذ العام 1948.
ونعتقد أن الدورة القادمة للجمعية العامة للأمم المتحدة يجب أن تكون الحفل الدولي، الذي تهنئ فيه الدول الصديقة، شعب فلسطين بتحرره من قيود أوسلو وبروتوكول باريس.
* * *
على قاعدة ما سبق، أي « الحق في ممارسة السيادة على أرض الدولة»، بمعزل عن القدرة الحقيقية والفاعلية لممارسة هذا الحق، تنبني القرارات الأخرى باعتبارها قرارات اشتباك ميداني مع الاحتلال ومع صفقة ترامب – نتنياهو، بكل ما يتطلبه الاشتباك من أدوات ميدانية، أهمها استنهاض كل أشكال المقاومة الشعبية، وإعادة زرع الثقة في الوعي العام بجدية التوجهات الجديدة، والانتقال إلى مرحلة كفاحية خارج أوسلو.
هنا تندرج العديد من الاقتراحات والمبادرات، منها على سبيل المثال:
• وقف التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال، مع الإدراك المسبق أن هذا معناه الدخول في اشتباك مع الاحتلال، أما من يعتقد بإمكانية وقف التنسيق الأمني، وضمان التمتع في الوقت نفسه بامتيازات هذا التنسيق، فإنه في واقع الحال، يدعو إلى التمسك بالتنسيق، متذرعاً بتسهيل أمور المواطنين، وكأن التنسيق الأمني أعفى المواطنين من عذابات الحواجز وإجراءات القمع الإسرائيلي.
• مقاطعة البضائع الإسرائيلية بقرار رسمي، وليس على شاكلة ما دعا له رئيس الحكومة، أي «الامتناع» عن شراء البضائع الإسرائيلية. الحكومة مطالبة بإصدار قوانين تحرم استيراد وتوزيع وترويج البضائع الإسرائيلية، وتحرم شراءها واستهلاكها تحت طائلة القانون.
• وقف العمل مع الإدارة المدنية للاحتلال. بحيث تصبح السلطة هي المعنية، وليست الإدارة المدنية الإسرائيلية، بإصدار تراخيص البناء، والاستيراد، والتصدير، ومنح الرقم الوطني، وإصدار بطاقات الهوية في عملية استرداد فعلية لسجل السكان، واسترداد لسجل الأراضي. حتى لو قامت قوات الاحتلال بعدم الاعتراف بما يصدر عن حكومة السلطة، فهذا شكل من أشكال ممارسة السيادة الفلسطينية والاشتباك الميداني مع الاحتلال.
• الإعلان عن مد ولاية القضاء الفلسطيني على كامل أراضي الدولة الفلسطينية، بما يضع، ولو نظرياً، المستوطنين، وجنود الاحتلال، تحت سلطة القانون الفلسطيني، ما يمنح القضاء الفلسطيني الفرصة لمساءلة سلطات الاحتلال عن جرائمها، باعتبارها انتهاكا لسيادة الشعب الفلسطيني وسيادة الدولة، مستفيدين هنا مما توفره للقضاء الفلسطيني فرصة الاستعانة بالمنظمة الدولية للإنتربول، وتقديم ضباط الاحتلال وعصابات المستوطنين في عداد المطلوبين للعدالة.
خلاصة الأمر، باب الاشتباك الميداني مع الاحتلال مفتوح على مصراعيه، تسبب أوسلو بإغلاقه، وزرع العوائق في طريقه لأكثر من ربع قرن.
هي الآن الفرصة لإحداث النقلة المطلوبة، وعنوانها الخروج من أوسلو، ومن كل استحقاقاته والتزاماته. الخطوة الأولى التي لا مساومة عليها هي سحب الاعتراف بدولة الاحتلال عملاً بقرار المجلسين المركزي والوطني.
بقلم/ معتصم حمادة