أزمات وإضطرابات تعيث في المجد الوطني الفلسطيني وتبعث المدى والقلق المصيري المضطرب في أحداث لها أبعاد وجذور وطرقات، فأصبح المترقب للمشهد الفلسطيني يرى الهشاشة في الموقف والردائة في التعبير والقصور في العمل.
نار مستعرة تخفيها بعض القوى الوطنية والإسلامية والسياسية بالرماد الداكن الذي يغطيها لفترة وجيزة ليجرفها ويطفي لهيبها عواصف ملتهبة، فالمحن لا تنجلي والحذر في ترقّب في زوايا كثيرة من أسقفيات هذا الوطن الذي عصفت به أزمات شتى يعيشها المواطن الفلسطيني ويدفع ثمنها، حيث تنعدم الى درجة البؤس حالة المواطن من خلال معيشته التي أصبحت هول عظيم يعانية لكسب رزقه اليومي فإرتفاع حالة البطالة وزيادة أسعار المواد الغذائية ولحقت بها زيادة أسعار المحروقات واسطوانات الغاز والكهرباء والمياه.
أما الحالة الخدمية المتردية والفساد المالي والإداري المنتشرة في الهيئات والدوائر الحكومية
والغير حكومية والفوضي المزرية التي تعوم بها محافظات الوطن فحدث ولا حرج، وكل ذلك من الأزمات التي تحدث في الوطن الفلسطيني إضافة الى أزمة وجود الحصار والعقوبات وإستهتارها المستمر وإنتهاكاتها الفظيعة للمواطن الذي أصبح يترنح من كيل الضربات التي تنتابه من هنا وهناك ومن كل جهه، لذلك إن الوطن إذا إستمر على هذا المنوال فلن يستقر الوضع فيه.
لقد احتار المواطن من طريقة صنع الازمات التي تتوالى تباعا ومن ازمة الى ازمة حتى قيل ان في الوطن بين ازمة وازمة ازمة، ومن المضحك المبكي ان المسؤولين والمتنفذون يريدون ويطلبون موقف من المواطن وخاصه في مشاكلهم المفتعلة التي هي بالأساس تصب في مصلحتهم ولا تصب في مصلحة المواطن والذي يعاني ما يعاني من فقدان الامن والخدمات والذي اصبح شغله الشاغل وهمه الذي لا مفر منه، ولا وعود تعيد له الامل سوى وعود رنانة طنانة لا يصدقها سوى الجهلة الذين لا محل لهم بالإعراب بين العقلاء ومن هذا الباب فقد فقد المواطن ثقته بالمسؤولين لذلك نشاهد المسؤول في وادي والمواطن في وادي اخر وحتى وسائل الاتصال بين المواطن والمسؤول تقطعت لدرجة اني سمعت من احد المواطنين نقد لظاهرة بطريقته الخاصة يقول هذا المواطن ان من يصبح مسؤولا يقوم بتغيير ثلاثة اشياء رقم جواله الخاص وتغيير أصدقائه وحتى تغير زوجته!!! لذلك كما يقال فاقد الشيء لا يعطيه فالطبقة الحاكمة والمتنفذون وأصحاب القرار في الوطن وهنا نقول اغلبهم يعني على الاقل النصف زائد واحد لا يثق احدهم بالأخر وما نراه ونسمعه من مجاملات فهي فقط من باب الابتسامة الصفراء التي تخفي حقد دفين في داخل كل منهم حقدا يحرق الوطن الفلسطيني من الشمال الى الجنوب ومن الشرق الى الغرب.
إن المواطن في واد والمسؤول في واد، المواطن لا يملك شيئا وهو بحاجة لكل شيئ، والمسؤول يملك كل شئ ولا ينجز الا ما تقتضيه مصالحه، وما يثبت مركزه، وما يقوي وجوده، وما يعزز مكانته، والاهم من كل ذلك ما يعيد انتخابه مره ثانيه، ولا أعلم متى يأتي لموقع المسؤولية من يفهم أن المواطن لم يبقى له دم كافي يسدد به فواتير المسؤول الباهظة، وإنه لن يبقى يتفرج على أولاده يموتون جوعا حتى تبقى الملعقة الذهبية بفم أبناء المتنفذون والمسؤولون.
كثيرا ما يتكلم الكتاب والمهتمين في موضوع السياسة من خلال مقالاتهم عن دور المسؤول في خدمة أبناء شعبه وما تمثله هذه الخدمة من زيادة لأواصر الروح الوطنية بين المواطن والمسؤول، واقصد بالمسؤول هنا كل من له تماس مباشر بحياة المواطن الفلسطيني من أعلى هرم السلطة في الوطن إلى اصغر مسؤول في مؤسسات وهيئات الحكومة، وجل الكلام الذي يوجه من قبل المهتمين بالسياسة والكتاب إلى المسؤولين وبالدرجة الأساس إلى من وضع في مسؤوليات كالوزارات والهيئات والسفارات وغيرها من المناصب العليا في الحكومة ومؤسسات الدولة، فهؤلاء للأسف الشديد وبعد أن جلسوا على كراسيهم نسوا تماما جماهيرهم التي ساهمت بشكل كبير في وصولهم إلى ما هم عليه الآن، وهم الآن بعيدون جدا عن الواقع الفلسطيني الذي باتت فيه رؤية المسؤول داخل الجماهير من الأمور التي لا يمكن الحصول عليها، إذ أصبح المسؤول في الحكومة او السفاره او الهيئة او المديرية بمنأى عن المشاكل الكبيرة التي يعاني منها المواطن جراء سوء الخدمات المقدمة، بالإضافة إلى انشغال المسؤول بنفسه وصفقاته وحاشيته ومتزلفيه وكيفية المحافظة على ما حصل عليه، وهو بذلك قد وضع العراقيل والمعوقات أمام الجماهير الذين يريدون أن يعرضوا مشاكلهم على المسؤولين مباشرة وقطع كل ما من شانه إعادة العلاقات مع المواطن.
ليس هذا فحسب فهناك من المسؤولين من يباشر أعماله من خارج الوطن لان الجو الفلسطيني لا يلاءم صحته حتى انه لا يعرف شيئا عن حياة المواطنيين وما يعانونه من قساوة في عيشهم، بالإضافة إلى أن بعضهم يحمل عدة جنسيات آخرى تجعله غير قادر على التواصل مع المواطنين بسبب كثرة انشغالاته، وهكذا ولا نعلم إلى متى وحتى متى والمواطن ليس له إلا الله.
انا لا اريد ان اقدم النصح لهم وانصب نفسي حكيما عليهم بل اقول كمواطن يرى شعبه وهو يعاني من الجور والظلم والهوان، بأن يراعوا مصالح الشعب والوطن وثقوا بأن شعبكم سيقف معكم وضعوا الله وضعوا المواطن بين عينكم اجعلوا من الخدمات شعار لكم تصبون له لا شعار تصعدون به على اكتافنا، فالمواطن الفلسطيني ليس بهذه السذاجة التي تجعلونه في موضع وموقف الذي تحركونه كيفما تحتاجونه وكأنما هو بيدق بيدكم تقاتلون به ومن ثم تضحون به من اجل فريسة اكبر، فهذه ليست سياسه بل كذب ومكر وخداع ونفاق ودجل السياسة هي تخدم من خدمك وتصل من وصلك وتعطي من وقتك الكثير وليس القليل لمن هم بحاجة اليه فعلا ان تقاتل من اجل خدمة الفقراء والمعوزين والمحتاجين وتعيش مع المشردين والذين هم بلا مأوى، تدرس كل طبقة على حالها وكل قضاء وكل ناحية وكل منطقة وكل حي وكل زقاق وكل شارع على حده، تدرس وضع العوائل حسب ظروف كل عائلة، وانا باعتقادي الوطن محتاج الى هذه السياسة وليس السياسة التي كما يقول الشاعر يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب، إذا فليغير رقم جواله الخاص وليغير أصدقائه وحتى زوجته، ولكن لا يغير من واقع الطبقات المسحوقة التي تريد من يرفع الحيف والظلم عنها ولو الجزء القليل.
تلك الصورة التي تمثل حقيقة الهوة الكبيرة، بين المواطن والمسؤول، أشبه بطريقة عيش الظالم والمظلوم، في تلك الحالة لا يوجد في وطني مواطنين بل نحن نطمح أن نكون كذلك، نتمنى أن تكون قيمة العطاء التي يقدمها المواطن تتناسب مع قيمة الخدمات، أن يجد الفلسطيني من يسمع صوته، ومن يخدمه، من يكون مسؤولاً عن توفير لقمة العيش للأرامل، ويرى اليتيم بنفس العين التي يرى فيها إبن المسؤول والمدير والسفير والوزير، لا أن يكون أعمى أمام اليتيم، ويرى أبناء المسؤول بألف عين.
لا نحتاج مسؤولاً أعمى، بل نحتاج من يبصر شعبه بقلبه قبل أن يراهم بعينه، من يحكم بالحق، فشعب فلسطين قدم وأعطى وضحى، ويستحق العيش الكريم كبقية الشعوب، نطمح أن لا يعامل المسؤول الناس بدرجات يحددها هو وطغتمه، مواطن من الدرجة ألاولى والثانية، حتى أن البعض ليس لهم درجة وهذا هو حال عموم أبناء الشعب من البسطاء والفقراء والمسحوقين والغلابه.
يحتاج المواطن أن يعامل كمواطن، وليس كعبد، فالمسؤول الذي ينظر لمن يحكمهم بأنهم مواطنون وليسوا عبيداً، في تلك الحالة فقط سيرى أن لهم حقوق ويحرص على أن يخدمهم قبل أن يفكر في أن يحكمهم، من يفكر بأنه خادم لشعبه وليس حاكم، ذلك هو نموذج المسؤول الذي يعامل الفلسطيني بأنه مواطن ويبحث عنه الجميع.
إن المواطن يعطي ويقدم ويضحي، يجوع ويتألم ويفقد في كل يوم عزيز، ويقدم القرابين على مذابح الحرية والإستقلال وبكل الاوقات وبشتى السبل، ما بين شهيدٍ وجريح واسير، وقائمة العطاء والتضحيات تطول في الوطن الفلسطيني.
إن تاريخ الشعوب والامم لا يرحم الظالمين فانه يدَوّن الاشخاص باسمائهم وفي سجل اسود كسواد وجوههم عندما يقابلون الرب الواحد، فيا أيها المسؤول اتعظ بمن سبقك من الظالمين فان النهاية واحدة، وارفق بشعبك وارحمهم فذلك ازكى لك.
آخر الكلام:
اذا كان الغراب دليل قوما، فإنه يدلهم على أرض الخراب.
بقلم/ رامي الغف