صفقة القرن في عيون الاعلام الدولي

بقلم: محمد رضوان

لا شك أن الإعلام يمثل مرآة الأحداث والمواقف المتسارعة في أنحاء العالم، وتغطية الأحداث نظراً لزخمها فهي تتفاوت نسبياَ في الاهتمام بالنظر إلى طبيعة مكان الحدث وتوقيته واللاعبين فيه.

لقد كان لـ "صفقة القرن" النصيب البارز من تركيز التغطية الإعلامية الدولية منذ بدايات الحديث عنها، خلال الجولات المكوكية لصهر الرئيس الأمريكي كوشنير ومبعوثه للشرق الأوسط جرينبلات، مروراً بورشة البحرين التي عبرت عن الشق الاقتصادي من الصفقة، وليس انتهاءا عند عودة الجولات الخارجية لبلورة الشق السياسي من الصفقة.

 فالمكان هو بؤرة ومركز الصراع في العالم العربي والاسلامي مع الاحتلال الاسرائيلي، والتوقيت فهيمنة امريكية وتطبيع عربي واجراءات احتلالية على الأرض، واللاعبون هم مصارع الحلبة السياسية الدولية (الولايات المتحدة) وأصحاب المال من المطبعين من دول الخليج والطرف المستفيد الاحتلال الاسرائيلي.

لقد تنوعت التغطية الإعلامية الدولية في التعاطي مع أحداث وتطورات صفقة القرن ما بين التمهيد الترويجي للصفقة من جهة والحديث عن فشلها وصعوبة تطبيقها من جهة أخرى، وأمثلة على بعض ما تناولته الصحافة الدولية ذلك فتحدثت البي بي سي عن  تعثر صفقة القرن في الضفة الغربية ، وذكرت الجارديان أن  صفقة القرن تفشل في أن تتحقق في البحرين ، كما وتناولت نيويورك تايمز صفقة القرن تحت عنوان  كيف يمكن ضمان نجاح خطة ترامب للسلام بين إسرائيل وفلسطين؟ ، وكشفت أيضاً واشنطن بوست أن صفقة القرن تتجاهل الواقع في الشرق الأوسط ، كما وأشار موقع روسيا اليوم RT أن  المبعوث الفرنسي في الولايات المتحدة يصف صفقة القرن "مصيرها الفشل".

لا يمكن فصل المواكبة الإعلامية الدولية لــ"صفقة القرن" كمشروع امريكي في المنطقة أطلق منذ اكثر من عامين عن الأحداث والإجراءات العملية التي صاحبت وتلت الإعلان، ويمكن تقسيم التغطية في هذا الإطار إلى أربعة مراحل:-

أولاً - مرحلة  خطة ترامب للسلام، حيث اتسمت هذه المرحلة في التناول الخبري لوجود خطة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلام هدفها إيجاد حل للصراع الفلسطيني الاسرائيلي.وتم التعبير عن هذه المرحلة من خلال التصريحات التي صدرت من ترامب خلال لقاءاته بالزعماء العرب في البيت الأبيض من بينهم لقائه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي و رئيس السلطة الفلسطينية  محمود عباس، وكذلك خلال جولات كوشنر في المنطقة ويرافقه مبعوث الشرق الأوسط جرينبلات وجاء تناول ذلك في إطار خطة سلام جديدة لحل الصراع ولم يكشف عن تفاصيلها، وكان هناك مباركة فلسطينية على المستوى الرسمي برزت في التقارير المتلفزة.

ثانياً _ مرحلة الصفقة أمر واقع  De Facto ، وفي هذه المرحلة سارعت الولايات المتحدة ومن خلفها الاحتلال إلى تتويج الصفقة على الأرض كأمر واقع قبل عرضها كخطة، أبرزها الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال ،ونقل السفارة الأمريكية للقدس ،إغلاق مكتب منظمة التحرير في الولايات المتحدة ، ووقف أموال المساعدات الأمريكية عن الاونروا  وهي الأخطر لأن استهداف الأونروا يشكل قاعدة أساسية لتطبيق صفقة القرن اضافة الي تشريعات أمريكية لإعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني(باقتصار مسمى لاجئ على من بقي حياً ممن هجر عام 1948) وسياسة الضم وشرعنتها  كاعلان ترمب ضم الجولان لدولة الاحتلال وشرعنة ضم أراضي الضفة المحتلة ،وما تبعها من وقف لأموال المقاصة عن السلطة ، وموجة التطبيع العربي على الطاولة عالي المستوى (مؤتمر وارسو)،لفي هذه المرحلة برز الموقف الفلسطيني قوياً وموحداً رغم حالة الإنقسام واستخدام عدة مصطلحات وفعاليات(صفعة القرن – صفقة العار- تصفية للقضية- لن تمر- مسيرات العودة- الفعاليات في الجاليات الأوروبية) ،ولوحظ غياب الموقف العربي الدولي المساند للموقف الفلسطيني في اتجاه صفقة القرن مع وجود مواقف دولية إزاء الاجراءات العملية.

ثالثاً - مرحلة ورشة البحرين والشق الاقتصادي للصفقة، حيث أعلن  عن 50 مليار  كجزرة الصفقة ، وكان أبرز ملامح هذه المرحلة تنفيذ أمريكي ورعاية خليجية للورشة ، ثبات الموقف الفلسطيني الموحد، وإقامة الفعاليات لمواجهة صفقة القرن وسط حضور رسمي علني بحريني سعودي اماراتي، وشبه رسمي مصري أردني مغربي ، بالتزامن مع رفض رسمي قوي لبناني وعراقي وكويتي ، في ظل غياب طرفي الصفقة الفلسطيني والاسرائيلي (عامل ضعف) وتم نشر عدة مقالات وتحليلات دولية عشية الورشة تحدثت عن فشل الصفقة مثل مقال دينس روس .

رابعاً - مرحلة ما بعد ورشة البحرين والشق السياسي للصفقة، وكان من أبرز ملامح هذه المرحلة مواقف الأردن ومصر تجاه الصفقة أكثر وضوحاً ، وكان جرينبلات ينفي توسع غزة نحو سيناء ضمن الصفقة ،وهنا نذكر الموقف الأوروبي والروسي والصيني والتركي المؤيد للدولة الفلسطينية في الوقت الذي قال فيه جرينبلات لا دولة فلسطينية إنما حكم ذاتي و عمل جرينبلات في مجلس الأمن  من أجل  الاستخفاف بالقرارات الأممية تجاه القضية الفلسطينية، وردود الفعل الدولية المستنكرة لذلك.

خلاصة القول/ إن التغطية الإعلامية الدولية لصفقة القرن منذ عامين لا تزال مستمرة في ظل التصريحات الأمريكية المتلاحقة والإجراءات العملية على الأرض، ولكن السؤال، ما مدى تفاعل الاعلام الدولي مع الموقف الفلسطيني الرافض لصفقة القرن؟  وللإجابة على ذلك ينبغي النظر إلى حجم التصريحات والفعاليات المُقامة في اتجاه تصدير رواية إيجابية عن الصفقة وما حجم التصريحات والفعاليات في الاتجاه القابل.والسؤال الثاني/ كيف يمكن تعزيز الرواية الفلسطينية الرافضة لصفقة القرن في الاعلام الدولي؟

أعتقد أن المطلوب هو تحصين الموقف الفلسطيني الرافض للصفقة من خلال العمل المخطط ضمن برنامج عمل غير موسمي وتظهير ذلك بكافة الوسائل الإعلامية ، والاستفادة من محطة التقاء الكل الوطني ضد الصفقة وتحصينه،و تشكيل جسم وطني ومجتمعي يقود حملة مواجهة صفقة القرن له متحدثين بلغات مختلفة يضم فلسطينيين من الداخل والخارج، كما للصفقة فريق يقوده كوشنير ، إضافة الي ضرورة استثمار دور الجاليات الفلسطينية في أوروبا من خلال مواصلة الفعاليات الرافضة لصفقة القرن ،وتنظيم جولة خارجية لشرح أبعاد خطورة صفقة القرن على القضية الفلسطينية ، ومخاطبة الكتاب والصحفيين العرب الأجانب واستكتابهم حول مخاطر الصفقة والرفض الفلسطيني الموحد لها ، وتوثيق المواقف والفعاليات المواجهة للصفقة باستخدام المنصات الالكترونية واستثمار منصات السوشيال ميديا بلغات مختلفة ، وتثمين المواقف الدولية الرافضة لصفقة القرن وإبرازها اعلامياً وبحث سبل استثمارها سياسيا.

ورغم أن المتابع لوسائل الإعلام الدولية الرئيسية (Mainstream Media) يعلم جيداً ما يفرض عليها من سياسات تحريرية مقيدة فيما يخص الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من جهة على اعتبار أن مركز هذا الإعلام هو أمريكا وبريطانيا، من جهة أخرى تأثير البروباجندا الإسرائيلية القوية والموجهة للغرب والتي تلامس الثقافة الغربية ، لذا ينبغي ضرورة العمل على ابتكار وسائل وأساليب من شأنها استجلاب وسائل الإعلام الأجنبية والدولية في اتجاه تدويل الرواية الفلسطينية.

بقلم/ م. محمد رضوان