ماذا في جعبة القيادة الفلسطينية هذه المرة لوقف العمل باتفاق أوسلو؟

بقلم: معتصم حمادة

 (1)

■ لاحظ المراقبون أن دولة الاحتلال الإسرائيلي، تجاهلت القرار الفلسطيني بوقف العمل بالاتفاقيات الموقعة في إطار أوسلو وبروتوكول باريس، وأنه لم يصدر عن حكومة نتنياهو أية ردة فعل، أو تعليق.

كما لاحظ المراقبون، في السياق نفسه، أن الولايات المتحدة تجاهلت هي الأخرى القرار، وأن الفريق الأميركي، عراب صفقة ترامب نتنياهو، واصل تحركاته في المنطقة، دون أي تعديل، ودون أن يصدر عنه أية تعليقات. وكأن الحدث لم يكن يعني الطرفين الأميركي والإسرائيلي. بل حتى الانشغال الأوروبي بمضيق هرمز، والملف الإيراني، وتداعيات وصول جونسون إلى رئاسة الحكومة في لندن، غاب عن باله هو الآخر أن يلتفت ولو قليلاً إلى الملف الفلسطيني ليعلق على قرار وقف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل.

ولعل موسكو وحدها، هي التي مازالت تدعو إلى حل يقوم، حسب رؤيتها، وبناء على عضويتها في اللجنة الرباعية، – على «حل الدولتين»، الذي يعمل التحالف الأميركي، الإسرائيلي على بناء، ميدانياً، وواقعياً، بديلاً له.

بعض المراقبون يتوقع أن يكون تجاهل التحالف الأميركي - الإسرائيلي للقرار الفلسطيني، سبيه أنه ليس القرار الأول، وأنه سبقته قرارات أكثر وضوحاً وأكثر جدية في المجلسين المركزي والوطني، وأنه شكل لهذا الغرض أكثر من عشر لجان دراسة، دون أن يصدر عن السلطة الفلسطينية ما يشير إلى نواياها وجديتها في تنفيذ ما تقرر. وبالتالي، يقول المراقبون – لعل واشنطن وتل أبيب، تنظران إلى هذا القرار باعتباره مجرد خطوة في مناورة طويلة الأمد، هدفها التهديد بوقف العمل بالاتفاقيات، وليس وقف العمل بها، ولممارسة الضغط على من يهمه الأمر، ليتدخل من أجل ما يسمى «إنقاذ عملية السلام»، التي مازالت القيادة الرسمية الفلسطينية، ومطبخها السياسي، تراهن على إحيائها، وهذا ما يفسر تمسك المطبخ السياسي بما يسمى «رؤية الرئيس» (20/2/2018).

ولعل هذا، ما دفع، أيضاً، مقربين  من دائرة القرار السياسي في السلطة الفلسطينية، ليعلنوا تقديرهم بأن القيادة الفلسطينية لن تنفذ قرار وقف العمل بالاتفاقيات، لأنها لا تملك البديل، أو لأنها، لا تريد أن تتحمل أعباء البديل واستحقاقاته.

(2)

من جانب آخر، ينظر مراقبون إلى تجاهل الولايات المتحدة ودولة الاحتلال لقرار وقف العمل بالاتفاقيات، نظرة مغايرة، تنطلق من أن « صفقة ترامب – نتنياهو»، لا تنظر إلى القيادة الرسمية الفلسطينية أنها لاعب رئيسي في المرحلة الحالية من تطبيقات «الصفقة»، وأن الأمور سارت منذ اللحظة الأولى، وحتى الآن، بمعزل عن أي دور للجانب الفلسطيني، دون أن تصاب آلية تنفيذ «الصفقة» بأي خلل عملي، وبالتالي لن يكون لقرار وقف العمل بالاتفاقيات أي أثر فعال، مادام يدور حول نفسه، ومادام أصحابه يبحثون عن «الحل الأبسط»، وعن الخطوة الأقل تأثيراً، وأقل إرباكاً، للخطة الأميركية - الإسرائيلية.

ويرى المراقبون، في هذا السياق، أن أسلوب الإدارة الأميركية في معالجة الملف الفلسطيني – الإسرائيلي، اختلف تماماً عن أساليب الإدارات الأميركية السابقة.

ففي السابق كان مبعوثو الولايات المتحدة، يقدمون اقتراحاتهم إلى الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، ويدعونهما للتفاوض عليها. ومع أن الجانب الأميركي كان أقرب بكثير، ومنحازاً للجانب الإسرائيلي، إلا أنه كان يأخذ بالاعتبار ضرورة «التشاور» مع الجانب الفلسطيني، في كل اقتراح يتقدم به إلى العملية التفاوضية. وشعار واشنطن أنها كانت «تدير العملية التفاوضية ولا تتدخل بها».

الإدارة الحالية، كما هو واضح، انتقلت من موقع من يدير العملية التفاوضية إلى موقع من يعمل على فرض رؤيته هو للحل على الطرفين معاً. مع الأخذ بالاعتبار أن تكون هذه الرؤية متطابقة بشكل كامل مع المشروع الإسرائيلي، بل وأحياناً تتجاوزه نحو مواقف أكثر تطرفاً،  وأكثر خطورة على المصالح والحقوق الوطنية الفلسطينية.

لذلك تجاهلت إدارة ترامب الجانب الفلسطيني وهي تبني خطتها للحل في المنطقة. بل أبعد من ذلك، عملت على تنحية القضية الفلسطينية، باعتبارها القضية المركزية للمنطقة، وجعلت من «الخطر الإيراني»، هو قضية المنطقة، وهاجسها الأول، وأن «صفقة القرن»، كما وضعت في الأساس، جاءت لتكريس المعادلة الجديدة على الصعيد الإقليمي، لصالح تحالف استراتيجي عربي – إسرائيلي – أميركي ضد «خطر المشروع الإيراني» على المنطقة. أما حل القضية الفلسطينية فليست سوى لأنها عثرة، أو عقدة، تقف في طريق هذا التحالف.

وعلى هذه القاعدة كانت الولايات المتحدة في تخطيطها، لصفقة ترامب، تتشاور مع حكومة نتنياهو، ومع «حلفائها » في الأنظمة العربية، وتتجاهل بشكل كامل الجانب الفلسطيني، الذي أحس بألم «الصفعة» حين تقدمت «الصفقة» في خطوتها الأولى، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة الولايات المتحدة إليها.

واستمر الحال على هذا المنوال، في اتباع سياسة الخطوة خطوة، في التطبيق الميداني لصفقة ترامب – نتنياهو، دون الكشف عن تفاصيلها، في تكتيكات حققت أغراضها، بحيث تتقدم الخطة على الأرض، دون الكشف عن الخطوة اللاحقة، في سياسة توجيه الضربات الصادمة، في ظل ارتباك قيادي فلسطيني، افتقر إلى الإرادة السياسية لامتلاك خطة في مواجهة خطوات ترامب – نتنياهو، وقد عبر هذا الارتباك عن نفسه بتعطيل قرارات المجلسين المركزي والوطني.

(3)

يمكن، وفقاً لكثير من المراقبين، النظر إلى ورشة البحرين، على أنها منعطف كبير في سياق تطبيق صفقة ترامب – نتنياهو.

• فهي كشفت، في شعارها «السلام من أجل الازدهار» عن سقفها السياسي، بما يتعلق بالشأن الفلسطيني، أي أقصى ما يمكن أن يحققه الفلسطينيون في الحل المطروح هو تحسين شروط حياتهم تحت الاحتلال الإسرائيلي، عبر أموال تضخها لهم، وعلى مدى عشر سنوات، الدول العربية الغنية.

• وهي في الوقت نفسه قدمت نفسها باعتبارها مشروعاً إقليمياً، وليست مجرد مشروع لحل المسألة الفلسطينية. لذلك كان لبعض الدول العربية حصة في مشاريع «الازدهار» التي سيحملها «السلام الأميركي» إلى المنطقة.

• وهي وضعت دولة الاحتلال الإسرائيلي في موقعها المرسوم في الخطة، أي أنها محور المشروع السياسي الإقليمي (التحالف ضد إيران)، ومحور مشروع «الازدهار»، لأن كافة المشاريع الواردة في خطة ورشة البحرين، ستصب حتماً في خزانة الإسرائيلي، وفي تعزيز الاقتصاد الإسرائيلي، ولتصبح إسرائيل هي محور اقتصاد المنطقة، وتكون باقي الاقتصادات العربية في موقع التبعية لها.

• وهي خطة تعتبر الجانب الفلسطيني مجرد طرف فيها، لن يعطل غيابه عن الورشة تقدم الخطة، والدفع بها نحو التنفيذ، والخطوة الأولى في هذا المجال، هو الضغط على الأطراف العربية الممولة لتسديد ما يتوجب عليها تسديده.

• وهي – من ضمن ما حققته – إنها اخترقت «مبادرة السلام العربية»، وخلقت واقعاً سياسياً جديداً، حيث انتقلت العلاقات الإسرائيلية، مع بعض العواصم العربية، من حالتها «السرية» إلى حالتها العلنية، في ترسيم واضح، من شأنه أن يشكل بداية لمرحلة جديدة في العلاقات العربية – الإسرائيلية، تفتح آفاقاً سياسية واقتصاديه، في خدمة دولة الاحتلال، ما يعزز من دورها الإقليمي، في الوقت نفسه، عزل القضية الفلسطينية في الحسابات الإقليمية والعربية. لذلك حضر العرب المدعوون إلى الورشة رغم المقاطعة الفلسطينية، وشهدت الورشة حوارات عربية – إسرائيلية، ورسمت خطط لمشاريع اقتصادية مشتركة، واتفاقات تبادل تجارية وغيرها، ما يعزز الاقتصاد الإسرائيلي، ويعزز موقع إسرائيل في المنطقة، وعلى الدوام، على حساب موقع القضية الفلسطينية في الحسابات العربية، في تظهير واضح لأهداف «الصفقة»، على الصعيد الإقليمي، وفي إطار «معادلة الصراع» الجديدة، باعتبارها «صراعاً مع الخطر والمشروع الإيراني»، ولم تعد صراعاً عربياً – إسرائيلياً.

 (4)

الخطوة القادمة، وقد تفتقت عنها «عبقرية» الصفقة، هي في دعوة الزعماء العرب إلى مؤتمر يعقد في كامب ديفيد، برعاية الرئيس ترامب. لن تدعى له دولة الاحتلال، ولن يدعى له الفلسطينيون. وهو مخصص، كما أوضحت المصادر الأميركية، «لشرح» أهداف صفقة ترامب – نتنياهو، في جوانبها السياسية، رغم أن ما بات معلناً منها، إن في الخطوات العملية التطبيقية الميدانية، في الضفة  والقدس، أو في تصريحات جيسون غرينبلات وديفيد فريدمان، كشف معظمها، ولم يتبق إلا بعض اللمسات الأخيرة.

وكما لاحظ المراقبون، فإن الدعوة إلى كامب ديفيد، ستسبق موعد الانتخابات الإسرائيلية، بحيث تحقق أكثر من هدف في وقت واحد.

• الهدف الأول هو الحصول على موافقة عربية على «الصفقة». هنا لا يضعف قبول الأنظمة العربية بالصفقة، تأكيداتها التمسك بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وعلى حدود 4 حزيران 67، خاصة وأن «الصفقة» تتقدم إلى الأمام، ليس في مسارها الفلسطيني- الإسرائيلي فحسب، بل وكذلك في مسارها الإقليمي. لولا انصياع الأنظمة العربية للضغط الاميركي لما تقدم المسار الإقليمي إلى الأمام.

• كذلك لاحظ المراقبون أن انعقادها قبل الانتخابات الإسرائيلية، ومباركة الأنظمة العربية للصفقة، سوف يصب في نتائجه في خدمة المعركة الانتخابية لنتنياهو، باعتباره هو الشريك الإسرائيلي المفضل للإدارة الأميركية، وصاحب المشروع الإسرائيلي، الذي أعادت إدارة ترامب صياغته ليصبح مشروعاً أميركياً – إسرائيلياً مشتركاً.

إن خطورة مؤتمر كامب ديفيد أنه سيزيح جانباً عناصر الاعتراض العربي على صفقة ترامب – نتيناهو، وسوف يجعل منها بديلاً عملياً لمبادرة السلام العربية، وسيعزل الجانب الفلسطيني ويضعه في الزاوية الضيقة. كما أن خطورة كامب ديفيد، إنها ستغلب الجانب الإقليمي للصفقة على الجانب الفلسطيني، ما من شأنه إضعاف الموقف الفلسطيني.

فهل تستمر السياسة الفلسطينية الرسمية في المراوحة في المكان، في الاكتفاء بالتهديد بوقف العمل (وليس إلغاء!) الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل؟

وهل ستقدم اللجنة الحالية تجربة جديدة، ومؤشرات على مدى جدية الخطوة هذه المرة؟ أم أنها ستكتفي بما عليها، وتقدم قراءتها «للمطبخ السياسي»، الذي قد يتذرع هو، بتأخير خطواته التطبيقية بانتظار ما سوف تسفر عنه الانتخابات الإسرائيلية القادمة، وما سوف تكشف عنه الورقة السياسية (أو الشق السياسي) لصفقة ترامب – نتنياهو؟

هنا يتوجب السؤال:

أيهما أفضل، الإقدام على الخطوات التطبيقية بعد الانتخابات الإسرائيلية أم قبلها، وبحيث يكون لهذه الخطوات تأثيرها على مجرى الانتخابات الإسرائيلية، وبحيث تصل إلى القوى الإسرائيلية رسالة واضحة، حول جدية الموقف الفلسطيني، في المجابهة واتباع سياسة جديدة في العلاقة مع الاحتلال والاستيطان، رسالة يكون أثرها في رسم الخريطة السياسية القادمة في الكنسيت الإسرائيلي؟

• وأيهما أفضل، انتظار الكشف عن الشق السياسي لصفقة ترامب – نتنياهو، أم الإقدام على خطوات وقف العمل بالاتفاقيات، لتصل إلى واشنطن رسالة فلسطينية على غرار الرسالة إلى «القدس المحتلة» والرأي العام السياسي والحزبي الإسرائيلي؟

• والأهم: أيهما أفضل، انتظار نتائج مؤتمر كامب ديفيد، بين الزعماء العرب وترامب، أم استباق المؤتمر بخطوات تطبيقية، يكون لها صداها وأثرها في السياسة العربية، تستنهض الحالة الشعبية ضد كامب ديفيد، كما استنهضتها ضد ورشة البحرين؟

الكرة في ملعب «المطبخ السياسي» الفلسطيني ■

الصور

القدس: الخطوة الأولى في «الصفقة»

ورشة البحرين: أكثر من نتيجة

القيادة الفلسطينية: ما هي خياراتها السياسية؟.

بقلم/ معتصم حمادة