موجة العمليات الفدائية الجديدة في القدس المحتلة , تشكل رسالة ممهورة بالدماء تفيد للعالم أجمع بأن الشباب الفلسطيني لن يتخلى عن مقاومة المحتل , ولن يبخل بالدماء والأشلاء في معركة الدفاع عن القضية الوطنية والذود عن المقدسات , وأن المقاومة سبيله الأنجع والأكثر صوابية في إظهار مظلوميته التاريخية والحفاظ على حقوقه وثوابته الراسخة في هذه الأرض المباركة , في مواجهة الحملة المسعورة من التهويد والتزوير وسط هرولة التطبيع والإعتراف من ضعاف النفوس وبقايا القطيع الروغالي المفرط , الذي لم يخجل من مواقفه المشينة بالدفاع عن الإحتلال وجرائمه بحجة الدفاع عن النفس, بل وصل الأمر بهذا الفريق الخائن لثوابته الأمة أن يشكك بقدسية المسجد الأقصى المبارك , ويقدح بأحقية شعبنا التاريخية بأرضه المحتلة , في تساوق عبثي مع الرواية الصهيونية وتنفيذا لأوامر ترامب المجنونة.
المطبعين من العرب يشكلون شجرة الغرقد الآثمة , يسعون إلى حجب المخططات الشيطانية الصهيونية عن أعين جماهير الأمة , يحاولون تجميل صورة المحتل الدموية يبررون المجازر ضد الإنسان والحجر والشجر في فلسطين , يدافعون عن البلطجة والعربدة الصهيونية في القدس والأقصى , يعلمون على تمرير قبول الكيان الصهيوني كدولة عضو في حلفهم الجديد في الشرق الأوسط الصهيوأمريكي , ويدوسون بهذه السياسة الخرقاء على قضية شعب وتاريخ أمة , ويتنكبون للتضحيات العظيمة التي قدمها الشعب الفلسطيني وأحرار أمتنا العربية والإسلامية في المعركة ضد المشروع الصهيوني المعادي , خاب مسعاهم وحبطت أعمالهم , ولن يكتب التاريخ الظفر والفوز لمن خان الأمة وساند العدو الأجنبي في إستباحة أرضها ومقدساتها فالعار جائزتهم في الخاتمة .
ما شجع العدو لفتح معركة المسجد الأقصى والتعجيل بتنفيذ مخططاته بالتقسيم والتهويد , وتجلى ذلك في الإقتحام الصهيوني الواسع للمسجد الأقصى في أول أيام عيد الأضحى المبارك , هو هرولة بعض الأنظمة للتطبيع مع كيان الإحتلال والإعتراف به والجلوس معه على طاولة واحدة في مؤتمري " وارسو والبحرين " , إلى جانب تصريحات السياسيين العرب بقبول الإحتلال ككيان سياسي ضمن منظومة الحلفاء الجدد في مواجهة العدو الجديد المفترض , فلم يعد الأمر سرا بل أصبح نتانياهو يتباهى ويتفاخر بحجم العلاقات بين كيانه وبعض الأنظمة العربية ويشيد بدرجة التنسيق الغير مسبوقة في كافة المجالات ومن ضمنها المجال الأمني .
فتيا العيزرية " نسيم أبو رومي , حمودة خضر الشيخ " يبلغان الرابعة عشر من العمر , إرتقيا الخميس " 15-8-2019م " على أبواب المسجد الأقصى المباركة , عندما هاجما بالسلاح الأبيض جنود الإحتلال الذين يحاصرون الأقصى, ويقفون على أبوابه للتحكم بحركة المصلين وتفتيشهم ومنعهم من الوصول إليه , تنفيذاً لسياسات تفريغ الأقصى من رواده , تمهيداً لمخطط التقسيم الخبيث الذي تسعى له حكومة الإحتلال المتطرفة .
الشهيدان نسيم وحمودة كانت لهما رسالة من أبلغ الكلام , كيف لا وقد تكلما بحروف كُتبت من دمائهما, على أشرف العتبات في فلسطين حيث قبلة المسلمين الأولى , وزادا فصاحة وبيان بإعلانهما الرفض لحصار شذاذ الآفاق من الصهاينة لمركز الطُهر ومعراج النبوة , فالأقصى دونه الأرواح , ومن يريد الأذى للأقصى ستحرقه نار الغضب الفلسطيني , ولن يبخل الشباب والفتية والنساء بدمائهم وأرواحهم وأموالهم للدفاع عن المسجد الأقصى وإحباط مؤامرة تقسيمه والسيطرة عليه.
قد يتصور البعض إستمرارية كآبة المشهد وسوداويته , وسط الغطرسة الصهيونية والعربدة الأمريكية والعدوان الغاشم والحصار المتواصل على كل ما هو فلسطيني على هذه الأرض , ويترافق ذلك من الخذلان العربي عبر هرولة بعض المسوخ للتطبيع مع الإحتلال , وتواطؤ البعض الآخر في تنفيذ صفقة العار الأمريكية , التي ستهدف طمس قضيتنا وتضييع حقوقنا , إلا أن الدماء الطاهرة من شهداء فلسطين , تبدد العتمة الكالحة وتنير طريق الخلاص بنور الأمل والإنتفاضة والثورة , غضبة للمقدسات وإنتصاراً للحق الفلسطيني , فالشعب الفلسطيني عبر التاريخ أثبت بأنه يستطيع إفشال كافة المؤامرات والإستهدافات لقضيته الوطنية ,وأثبت عبر تضحياته أبنائه في كافة المراحل والمنعطفات الخطيرة التي مرت بها قضيتنا بأنه الأقدر على قلب الطاولة على رؤوس الأعداء وإحباط مخططاتهم وإبطال مفعولها الخبيث.
يخطئ الإحتلال وقادته إن إعتقد أن الأمر قد تم لهم , فكل ما يتشكل من سراب التمكين والسيطرة والغلبة للإحتلال لن يدوم , وتخطئ عين نتانياهو وتسئ التقدير فهو لايزال يجلس على بركان الغضب ولهذا البركان زمان فيه يفور ويثور ولن يبقى مع ثورته كل أجنبي دخيل على أرض فلسطين .
بقلم : جبريل عوده*
كاتب وباحث فلسطيني
17/8/2019