إن فلسطين رغم أهميتها الدينية للديانات السماوية الثلاث وخصوصاً منها الإسلام ، إلا أن حركات الإسلام السياسي لم تعن في بداية الأمر بشأنها بالمستوى الذي تحتله فلسطين في ثقافة وعقيدة المسلمين ولم يتجاوز الأمر أكثر من التعاطف الوجداني والخطاب الإعلامي لدى حركات الإسلام السياسي بعيداً عن الالتزام بمنهج سياسي كفاحي يسعى لإستعادة وتحرير فلسطين من السيطرة اليهودية الصهيونية الإستعمارية ، بل أكثر من ذلك وقفت موقفاً سلبياً من فصائل الحركات الوطنية والقومية المقاومة وتخذيلياً لها في معركتها مع الصهيونية والاستعمار خصوصاً عند إنطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة منتصف عقد ستينات القرن الماضي ، مبررة موقفها السلبي هذا بتبريرات غير مقنعة لا دينياً ولا سياسياً ، فقد كانت ترى في هذه الحركات الكفاحية أنها تفتقد للعقيدة الصحيحة وتصل في انتقادها إلى درجة تكفيرها والانتقاص من أهمية نضالها بل والتطاول حتى على شهدائها ووصفهم بأوصاف غير لائقة دينياً وإنسانياً !!!
وقد شغلت نفسها باهتمامات غاب عنها البعد السياسي والكفاحي قاصرة أنشطتها في فلسطين على أنشطة ذات بعد تربوي وأخلاقي واجتماعي بالإضافة إلى إشغال نفسها بالتناقضات الداخلية مع القوى السياسية والمجتمعية الأخرى وكانت تعلي من شأنها على حساب التناقضات الرئيسية للمجتمعات العربية مع الهيمنة الاستعمارية والصهيونية ، حيث كانت ترى أن تناقضها مع من كانت تطلق عليهم وصف العلمانيين من أنظمة وقوى سياسية شعبية على اختلافها من منظمات وأحزاب وطنية وقومية متقدماً على تناقضها مع قوى الهيمنة الخارجية والصهيونية ، وذلك بسبب مواقف وتفسيرات خاطئة منهجياً في التعاطي مع الشأن العام والفهم القاصر للآية الكريمة (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )) ولذا علت التناقضات الداخلية في نظرها على التناقضات الخارجية ؟!
ولقد كانت بداية التوظيف السياسي للإسلام على يد الولايات المتحدة الأمريكية في بداية الربع الرابع من القرن العشرين حينما قررت إسقاط شاه إيران والدفع بقوى الإسلام السياسي الشيعي لإستلام السلطة في طهران في إطار سعيها لإحداث صراعات بديلة للصراع العربي الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط والذي تحقق وحقق أهدافه كاملة بعد ذلك فيما عرف بالحرب العراقية الإيرانية كما جرى استخدام حركات الإسلام السياسي في إطار سياستها لمواجهة المد الشيوعي وتجلى هذا في أفغانستان بشكل جلي ، ومع سقوط الاتحاد السوفياتي ونهاية الحرب الباردة وحسمها لصالح النظام الرأسمالي العالمي بقيادة الولايات المتحدة ، بدأ التنظير الأمريكي الرأسمالي الكلونيالي ينظر لصناعة عدو خارجي جديد ليبرر استمرار انتهاجه لسياساته العدوانية على الشعوب الأخرى فوجد ضالته في اعتبار الاسلام هو العدو ، والاسلام هو مصدر الارهاب هذه الشعارات الجوفاء ما كان لها أن تجد صدى لولا وجود بعض حركات الاسلام السياسي والتي هي في الأصل كانت صنيعة سياسات الولايات المتحدة نفسها ، أو كانت بالأصل حليفة لها طيلة سنوات الحرب الباردة في مواجهة الإلحاد الشيوعي على المستوى الوطني والقومي والعالمي !!! وفي ظل تراجع مكانة القوى الوطنية والقومية التقدمية الليبرالية واليسارية العربية مع نهاية الحرب الباردة على مستوى جميع الدول والمجتمعات العربية والإسلامية وجدت حركات الإسلام السياسي الفرصة مواتية لتتقدم الصفوف في قيادة الحركات الشعبية الجماهيرية ، وتعلن بعض فصائلها تحديها للمجتمع والدولة في بعض الأقطار في إطار سعيها لفرض نموذجها وتصورها على المجتمع والدولة بأساليب متعددة فمنها من يرى بإمكانية ذلك من خلال الديمقراطية التي تسعى الولايات المتحدة لنشرها أو فرضها على الشعوب العربية والإسلامية ومنها من يرفض الديمقراطية ومبدأ تداول السلطة ويؤمن بفرض تصوره باستخدام العنف المسلح في مواجهة الدولة والمجتمع ، ولذا وجدنا شعار (( الاسلام هو الحل )) أخذ يشق طريقه ليصبح هو الشعار الوحيد الذي تتوافق فيـه حركات الاسلام السياسي على اختلافها باعتماده شعاراً وسياسة داخلية تهدف أسلمـة المجتمع والدولة ، وسياسة خارجية بالاستجابة للإيحـاء الأمريكي الرأسـمالي الكلونيالي بأن الاسلام (( هو العدو )) والإسلام هو (( مصدر الإرهاب )) وهو التهديد الآني والمباشر للولايات المتحدة ولبلاد الغرب مجتمعة ، وبذلك يكون الصراع بين الإسلام والغرب قد حل محل الصراع بين الاشتراكية والرأسمالية ، ويبدو أن هذا الصراع المخادع والحمل الكاذب والمستند إلى مجموعة من الشعارات والأوهام الكاذبة والتي يدرك واضعوها حقيقة زيفها وما هي إلا غطاء زائف لأهدافهم في استمرار السياسات القائمة على الهيمنة والأساليب الكلونيالية التي تلبي حاجات النظام الدولي الجديد بقيادة الميجا الامبريالية الأمريكية ومسماها الجميل (( العولمة )) ، قد وجدت قبولاً لدى حركات الإسلام السياسي من تنظيم القاعدة إلى مختلف الحركات الإسلامية السياسية الناشطة في أقطار مختلفة وعلى رأسها حركة الإخوان المسلمين رغم تباينات فروعها المختلفة باختلاف الأقطار الإسلامية التي تزاول فيها نشاطاتها ، وبذلك تكتمل جبهتا الصراع الدولي المعاصر بين الإسلام والغرب بديلاً عن الصراع الكوني السابق ، إنه منتهى السذاجة والاستغفال !!!!
ولأجل أن تكتمل صورة هذا الصراع الوهمي لا بد لحركات الإسلام السياسي أن تسيطر على القرار الوطني الفلسطيني ، لأن القضية الفلسطينية بما لها من أهمية ومكانة دينية عند العرب والمسلمين لا يستطيع الإسلام السياسي أن يظهر بمظهر المعبر عن طموحات الشعوب العربية والإسلامية وهو يتخذ موقفاً سلبياً أو تخاذلياً منها لأن القضية المركزية الأولى للعرب والمسلمين هي قضية فلسطين ، ولذا بالعودة إلى واقع العلاقة بين حركات الإسلام السياسي والقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي سنجد أن هذه الحركات لم تظهر في الساحة الفلسطينية وفي ساحة الصراع العربي الإسرائيلي إلا بعد أن جرى استخدام الإسلام السياسي في أفغانستان وفي إيران ومع نهاية عقد الثمانينات من القرن الماضي وظهور بوادر تشير إلى إمكانية التوصل إلى تسوية أو تسويات سياسية بين العرب وإسرائيل وبين إسرائيل وفلسطين ومن شأنها أن تؤدي إلى حل يقوم على أساس مبدأ الدولتين في فلسطين التاريخية ( دولة إسرائيل + دولة فلسطين ) ، وهنا كان ظهور حركتي الجهاد الإسلامي في فلسطين المتأثرة بالنموذج الإيراني وحركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) التي هي ذراع حركة الإخوان المسلمين في فلسطين ، كحالة إحتجاج على التوجهات الجارية نحو حل مرحلي للصراع يحظى بدعم عربي ودولي فرضته جملة من التطورات على مستوى طرفي الصراع وعلى مستوى التغيرات الإقليمية والدولية ، ولئن بدا دور الحركات الإسلامية في ساحة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ضعيفاً إلا أنه بدأ يتنامى تدريجياً مع الزمن بسبب عدة عوامل من أهمها :
1- اصطدام عملية التسوية السياسية بمواقف اليمين الإسرائيلي واليمين الرأسمالي الكولينالي الأمريكي وإخفاقها في تحقيق هدفها المنشود .
2- غياب الحليف الدولي للجانب الفلسطيني والعربي القادر على فرض التوازن مع القوى الكونية وقوى الاحتلال الإسرائيلي .
3- عدم وجود استراتيجية عربية موحدة وملزمة لجميع الدول العربية في إطار التعاطي مع عملية التسوية السياسية .
4- تراجع دور القوى والمنظمات الجماهيرية العربية والوطنية والقومية التقدمية الليبرالية واليسارية لصالح التنظيمات الإسلامية والتي ترفع شعار (( الإسلام هو الحل )) .
5- المواجهات العربية العربية بالاضافة إلى الهجمة الكولينالية الأمريكية على المنطقة العربية الإسلامية .
6- إعمال العنف الداخلي الذي تقوم به بعض منظمات الإسلام السياسي في بعض الدول العربية .
7- بالإضافة إلى جملة من العـوامل النفسية والاجتماعية والسياسية المحلية في الساحة الفلسطينية والتي أدت إلى هبوط شعبية م.ت.ف وفصائلها المختلفة وتوجه قطاعات شعبية واسعة في فلسطين لتلتف حول منظمات الإسلام السياسي " الجهاد " و" حماس ".
الأزمـة الفلسطـينية والإسـلام السـياسي :
وعلى ضوء هذا النمو المتزايد لدور حركات الإسلام السياسي في فلسطين والتأثير في القرار الوطني الفلسطيني ومستقبل القضية الفلسطينية أخذت الأزمة الفلسطينية تزداد تعقيداً وعمقاً بما ينذر بعواقب وخيمة على مجمل المشروع الوطني الفلسطيني الذي بلورته م.ت.ف بقيادة حركة " فتح " والذي تبلور في وثيقة الاستقلال التي أعلنها المجلس الوطني الفلسطيني في 15/11/1988 م في الجزائر حيث تسعى حركات الإسلام السياسي الدولي إلى السيطرة على القضية الفلسطينية وعلى القرار الوطني الفلسطيني وربطه ضمن أجندتها الجهادية الإقليمية والدولية ، وبالتالي اسقاط مرحلة كفاحية كاملة للشعب الفلسطيني قادتها م.ت.ف منذ تأسيسها والى اليوم وتمثلت في إنجاز الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني والقرار الوطني الفلسطيني المستقل والعودة بارتهان القضية الفلسطينية والقرار الفلسطيني ثانية إلى فضاءات جديدة هذه المرة إسلامية الشعار والأهداف !!!
وما نراه من مصالحة خادعة بين حركات الإسلام السياسي والحركات الوطنية والقومية التقدمية سواء منها الليبرالية أو اليسارية والتي يعبر عنها المؤتمر القومي العربي الإسلامي منذ ما يزيد على خمس وعشرين سنة في مؤتمراته التي أصبحت تعقد دورياً إلا جزءاً من سياق هذه السياسة العامة التي تنتظم بشكل غير منهجي ولا مبني على رؤى واضحة المعالم خصوصاً والجميع يعرف ما ساد علاقة هذين التيارين من تناقضات كانت تقوم على أساس التكفير والتخوين فهل قدم التياران مراجعة شاملة لمواقفهم وسياساتهم المتناقضة طيلة سنوات الحرب الباردة ؟!
الحقيقة لم يحصل شيء من هذا القبيل فكل ما حصل هو قومجة الخطاب الإسلامي إلى حد ما وأسلمة الخطاب القومي إلى حد ما !!! دون المراجعة الفكرية والسياسية لمرحلة خطيرة من حياة الشعوب العربية والإسلامية كان فيها هذان التياران الفكريان والسياسيان على طرفي نقيض وأصبح الآن التيار الإسلامي هو المسيطر بفعل نتائج تحالفاته السابقة خلال مرحلة الحرب الباردة .
إن ما بات يعرف بالأزمة الفلسطينية السياسية الداخلية اليوم والتي تظهر فيها حركتا " فتح " و " حماس " كقطبي رحى ما هو إلا صدى من أصداء وإفرازات وتناغم هذا الإسلام السياسي الحركي مع الصراع الكوني المزعوم بين الإسلام والغرب !!!
ولذلك لأجل الوقوف على حقيقة هذه الأزمة السياسية الفلسطينية التي باتت بنيوية مركبة داخلية وخارجية لا بد من إظهار تأثيرات هذا الإسلام السياسي الدولي على القضية الفلسطينية والحركات السياسية الفلسطينية ، ومن الملاحظ مؤخراً أن الخطاب الإعلامي والسياسي لتنظيم القاعدة أخذ يفرز فيه مساحة واسعة للحديث عن فلسطين والتدخل في شؤونها الداخلية وإننا في هذه المقالة لا نستطيع أن نعطي هذه الإشكالية حقها من التحليل والتوضيح إلا أننا نخلص إلى أن ما يدور اليوم في فلسطين من أزمة سياسية وصراع كانت فلسطين وحركتها الوطنية بعيدة عنه لعقود خلت قد أصبح هذا الصراع يتمحور حول مبدأ استقلالية القرار الفلسطيني الذي جسدته م.ت.ف وفصائلها المختلفة بقيادة " فتح " ويمثل محور الصراع الداخلي الفلسطيني والذي جاء نتيجة مباشرة لنمو دور الإسلام السياسي الدولي في الشأن الفلسطيني ، وإنني أتمنى أن يدرك الأخوة في مختلف الفصائل الفلسطينية أن المستفيد الأول والأخير من مثل هذا الصراع هو العدو الإسرائيلي الأمريكي وبعض القوى الإقليمية التي تسعى لتوظيف هذا النوع من الصراع في صراعاتها الذاتية مع بعض القوى الإقليمية أو الدولية ولإثبات قدرتها على التأثير في القضية الفلسطينية لحساب اجندات سياسية خاصة بها، جميع ما سبق كتب ونشر في 08/01/2007م.
وما جرى من أحداث بعد ذلك على يد الإسلام السياسي في فلسطين من إنقلاب قادته جماعة الإخوان المسلمين (حركة حماس) وأدت إلى إنقسام السلطة الفلسطينية، وما تبعه من أحداث عربية في سياق ما عرف (بالربيع العربي) والدور الذي قامت به قوى الإسلام السياسي يكشف مدى تخبط هذا التيار وتخلفه وتوظيفه من قبل قوى خارجية تستهدف إعادة رسم الخرائط لبعض الدول وخلق صراعات بديلة عن الصراع العربي الإسرائيلي والإشغال بالذات بدلاً من المواجهة العربية للمشروع الصهيوني، ويتوج اليوم بالتفهامات التي تجري بين العدو الإسرائيلي وحركة حماس بشأن مستقبل قطاع غزة وبرعاية إقليمية ودولية متجاوزة لـ م.ت.ف وقيادتها الشرعية الذي من شأنه أن يكون قد حقق ضربة مزدوجة للتمثيل الفلسطيني وللقضية الفلسطينية وتجزأتها وبالتالي إضعاف الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية أمام الصلف الصهيوني وترك القدس والضفة الغربية تواجه مصيرها أمام عجلة التهويد والمصادرة والتوسع الإستيطاني الصهيوني، وبذلك يكون العدو الصهيوني قد سدد ضربته القاضية على وحدة الشعب الفلسطيني ووحدة قضيته ومصيره......
واوجد المناخ السياسي الملائم لتنفيذ مخططاته الهادفة الى مواصلة سياسة قضم الحقوق الوطنية الفلسطينية واحدا تلوَ الآخر ... والتي جرى ويجري التعبير عنها من خلال ما بات يعرف ويروج له امريكيا ب(صفقة القرن) والتي باشرت الادارة الامريكية بتنفيذ خطواتها على الارض دون الإعلان عنها لتمريرها خطوة بعد خطوة وحسم مصير كافة القضايا التي كانت تعرف بقضايا الوضع النهائي في سياق العملية التفاوضية التي بدأت و حددت عناصرها في اتفاق المبادىء الذي وقع بين حكومة اسرائيل و م .ت .ف في في ١٣ سبتمبر ١٩٩٣م في حديقة البيت الابيض في واشنطن.... وفي مقدمتها القدس والاستيطان والحدود واللاجئين... فقد اعلنت الإدارة الامريكية اعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني في ٦ ديسمبر /كانون ثاني من عام ٢٠١٧م ونقلت سفارتها اليها في ١٥/٥/٢٠١٨م وضمت اليها قنصليتها التي كانت في القدس الشرقية والتي كانت ترعى مصالحها لدى فلسطين والتي اقيمت وافتتحت قبل حوالي ما ئة وثمانين عام .. كما اعتبرت ان بقاء وكالة الغوث الدولية لتشغيل اللاجئين الفلسطينيين لم يعد له مايبرره واوقفت مساهماتها في ميزانيتها... واعلنت ان صفة اللاجىء لا تورث من اجل اسقاط حق العودة ... كل ذلك في سياق تنفيذ خطتها صفقة القرن الهادفة الى تصفية القضية الفلسطينية ... ومن اهم عناصرها اسقاط حق العودة .. وتحويل جوهر القضية من قضية سياسية وطنية وقومية الى مجرد قضية وازمة انسانية واقتصادية .....
وبالتالي تسويق وفرض حلول اقتصادية تحت وطأة الظروف الانسانية المتفاقمة للشعب الفلسطيني سواء في قطاع غزة اوفي الضفة الغربية او حتى في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا ولبنان ..... حيث تزداد ازمة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان مع قوانين العمل اللبنانية والتي يجري فرضها هناك واعتبارها ان اللاجىء الفلسطيني يجب ان يطبق عليه ما يطبق على العامل الاجنبي الوافد إلى لبنان .....
وبالتالي يتخلى بموحبه لبنان عن التزاماته ازاء اللاجئين الفلسطينيين كدولة مضيفة لهم منذ العام ١٩٤٨م....
اضافة الى اعتبار الاستيطان الاسرائيلي في القدس والضفة عملا طبيعيا من جانب الادارة الامريكية.. .. واعتبار بقاء قوات الإحتلال في الأغوار الفلسطينية قد تمليه الضرورات الامنية للكيان الصهيوني... كما تسعى الادارة الامريكية الى دمج الكيان الصهيوني في المنطقة العربية وتطبيع علاقاته مع الدول العربية كمقدمة لتطبيق (صفقة القرن).. لتشجيعه على القبول بها ..... ومنحه الامن والأمان من قبل العرب ... الخ .... فتكون الادارة الامريكية قد حسمت مصير اهم قضايا الوضع النهائي قبل أن تكشف عناصر خطتها المزعومة للسلام...!
إن افشال هذة الخطة التصفوية للقضية الفلسطينية لا يتأتى فقط بإعلانات وتصريحات الرفض لها ...... بل لابد من اخذ مواقف عملية على الارض .....
اولها وقف وانهاء حالة الإنقلاب والإنقسام التي تكرسها مواقف وسياسات حركة حماس ..... وترعاها دول اقليمية مثل ايران وقطر وتركيا ..... ويرعاها الكيان الصهيوني ويعمل على ادامتها وتغذيتها ماديا من خلال السماح والتنسيق في نقل الاموال القطرية لحركة حماس دوريا وربط ذلك بدرجة الهدوء ونجاح وثبات تفاهمات التهدئة معها ..... واسباغ صفة المقاومة عليها من خلال تشديد الحصار تارة... ومن خلال التسخين تارة اخرى .... والقيام ببعض الاعمال العسكرية التي من شأتها ان تعزز فرض واحكام سيطرة حركة حماس على قطاع غزة.. بالحديد والنار وقمع اي حراك شعبي يهدف الى انهاء الإنقسام...!
اذا ارادت حركة حماس ان تكون شريكا فعليا وحقيقيا للحركة الوطنية الفلسطينية في مواجهة صفقة القرن ورفضها وأفشالها ما عليها سوى التخلي عن انقلابها فورا والتوجه لتنفيذ اتفاق المصالحة الوطنية الموقع في اكتوبر ٢٠١٧م فورا .... دون تأخير اوتسويف واتاحة الفرصة لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني من خلال الإنتخابات .. ومن ثمَ تفرغ كل القوى الفسطينة لإعادة بناء مؤسساتها التنظيمية.... وكذلك إعادة بناء المنظمات الجماهيرية المختلفة لتشمل كافة الألوان السياسية وتفعيلها لما تمثله من ادوات مباشره في تنظيم الجماهير وحشد طاقاتها في مواجهة استحقاقات صفقة القرن وافشالها ومواجهة سياسات الاحتلال الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس والذي يهدف اليوم إلى تغيير الوضع القائم فيها ديمغرافيا ودينيا وفرض سيطرته على الاماكن المقدسة فيها وفي مقدمة ذلك المسجد الأقصى الذي بات مهددا تهديدا خطيرا بفرض التقاسم الزماني والمكاني عليه بين المسلمين واليهود وإلغاء دور الاوقاف الاسلامية في ادارته ...!
إن وحدة القوى والمواقف الفلسطينية وتكريس وحدة الشعب الفلسطيني هي بلا شك وحدها القادرة على الإرتقاء بالموقف العربي رسميا وشعبيا بما يحافظ على الحاضنة العربية للقضية الفلسطينية .... وبالتالي الحفاظ على تماسك الموقف الدولي المساند للحقوق الوطنية الفلسطينة ومجابهة خطط التقزيم والتصفية الصهيو امريكية...
هل تدرك قوى الاسلام السياسي وخصوصا (حركتي حماس والجهاد) خطورة ما تمر به القضية الفلسطينيه وتقلع عن سياساتها التفردية والإنعزالية .. والتي يجري الرهان عليها اليوم في انجاح تلك السياسات الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية .؟!
خصوصا مع الحرب المعلنة اليوم من قبل اليمين الصهيوني وحكومته على القدس والأقصى ....
لم يعد هناك مايبرر بقاء العصبوية التنظيمية والفصائلية لدى أي فصيل .. لتحكم سياساته ومواقفه لأن الكل الفلسطيني بات مهددا تهديدا وجوديا لم يسبق له مثيل ...
أرجو أن يرتقي الجميع إلى مستوى الحدث والتحديات فالوحدة الوطنية هي أساس كل إنجاز وكل انتصار..
بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس
رئيس المجلس الاداري للاتحاد العام للحقوقيين الفلسطينيين
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
E-mail: pcommety @ hotmail.com
الرياض 17/ 8 / 2019م