العمليات الفردية عبر إقتحام حدود الحصار المفروض على قطاع غزة , تعطي العديد من المؤشرات الخطيرة التي ستؤول إليه الأحداث الميدانية مع تصاعد درجة الغضب والغليان في القطاع المحاصر بعد ما يقارب العام والنصف على مسيرات العودة وكسر الحصار وفشل الوسطاء في إلزام الإحتلال بتنفيذ التفاهمات التي كان من الممكن أن تحقق إختراق كبير في ملف الحصار الظالم على قطاع غزة , وبالتالي سحب فتيل الإنفجار من ميدان غزة القابل للإشتعال وإحداث المفاجئة في حين غفلة من جميع الأطراف المعنية التي قد تغتر بالهدوء المخادع , فليس بإمكان القابعين في الحصار الجائر الإنتظار وآلة الحصار تفتك بمقومات الحياة المدنية وتقتل الآمال في العلاج والتعليم والعمل والعيش الكريم.
خروج الشباب الفلسطيني بالعمليات الفردية من قطاع غزة , إرهاصات على حجم الغضب وقوة الإنفجار القادم , وتعبيراً عن رفض المساومة الأممية على حق شعبنا بالحياة الكريمة في قطاع غزة , وإنسجاماً مع الخط الإستراتيجي لشعبنا وفصائله وقواه الفاعلة بالتمسك بالمقاومة كخياراً لابديل عنه في مواجهة الإحتلال.
هناك إجماع في قطاع غزة على أن الإنفجار يجب أن يكون في وجه المحتل , فهو السبب في مآسي ومعاناة شعبنا الفلسطيني في كافة أماكن تواجده , لذا فإن الواجب يحتم علينا أن نصوب كل قوتنا الجماهيرية والمادية في مواجهة الإحتلال وإفشال مخططاته التي تستهدف جوهر قضيتنا وثوابتها , وأن عملية الحصار العدواني ضد قطاع غزة تهدف إلى حرف بوصلة شباب غزة وإستنزاف مقدراتها بعيداً عن ميادين الدفاع عن القضايا الوطنية وصرفهم نحو الصراع بإتجاه قضايا جانبية أخرى , وتتجلى صورة هذا الإجماع في مسيرات العودة وكسر الحصار وغرفة العمليات المشتركة , على ما يبدو أن هناك بعض الإرادات المحلية والدولية ترفض منح المقاومة إنتصاراً سياسياً ولو على صعيد كسر الحصار الجائر الغير شرعي على أكثر من مليوني إنسان في قطاع غزة.
ما تحققه ظاهرة العمليات الفردية المنطلقة من قطاع غزة , من زيادة الإرباك لذا منظومة الأمن الصهيونية , وإرتفاع منسوب الرعب الذي يعيشه مستوطني غلاف غزة , والإستنفار الدائم لجيش الإحتلال على تخوم قطاع غزة , ممكن إنجازه بأساليب مقاومة أخرى كعمليات الإرباك الليلي وإطلاق البالونات الحارقة التي على ما يبدو توقفت بأوامر من الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة .
سياسة تصفير الخسائر, يجب أن تشمل كل عملية أو تحرك فردي بإتجاه الإحتلال , فلا يمكن أن ننسى أن ثروتنا الحقيقية تتمثل بشبابنا المفعم بحب الوطن والإنتماء عليه والإستعداد للتضحية في سبيله , وهذه الثروة لا يمكن التفريط بها في دروب الإجتهاد الشخصي والتخطيط غير المدروس , فمن الضروري التقييم الجدي لواقع المقاومة الشعبية ووسائلها وعدم الخلط بينها وبين العمل العسكري المنظم الذي يتحرك وفقاً لآليات مختلفة ومعقدة , ولعل منع ما يطلق عليه " الأدوات الخشنة" في مسيرات العودة , جعل كثير من الشباب يجتهد ويفكر بنمط جديد من العمليات الفردية كعمليات إختراق الحدود والإشتباك مع جنود الإحتلال .
تتسارع الأحداث الميدانية في قطاع غزة وتزداد سخونتها , ويترافق ذلك مع تصعيد صهيوني ميدانيا وإعلامياَ, كإجراء المناورات العسكرية في مستوطنات الغلاف , والتهديدات بإستهداف قيادات المقاومة , والمطالبات بشن حرب تدميرية على قطاع غزة , وهذا المشهد يعيد تذكيرنا بأن غزة في بؤرة الإستهداف الصهيوني , وهذا يتطلب أن نكون أكثر يقظة وإستعداداً أمام مكر العدو وخبثه , وما يزيدنا طمأنينة تماسك الجبهة الداخلية خلف المقاومة , وإحتضان الكل الفلسطيني لخيار المواجهة والصمود , والإصطفاف إلى جانب مقاومة راشدة ومقتدرة , وصلت إلى درجة عالية من التطور في الأداء والتكتيكات العسكرية والعمل وفقاً لمقتضيات المصلحة العليا والتخطيط الإستراتيجي في معركتها المستمرة مع العدو , وتبقى غزة قلعة المقاومة والصمود المنيعة التي تأبى الإختراق والصخرة التي تتكسر عليها المؤامرات .
بقلم : جبريل عوده *
كاتب وباحث فلسطيني