يعرف الإعلام بأنه السلطة الرابعة، لأهميته في عكس الحقيقة وإبرازها بصورتها التي تتلاءم مع ذوق المشاهد وفهمه لمجريات الأحداث، ونستطيع أن نقول أن الإعلام سلاح ذو حدين يتحكم به فقهاء الإعلام وساسته الممتهنين لفنه وأسلوبه، وبوجود المقومات والأدوات لذلك، حتى قيل أن بعض أصحاب الذوق الرفيع في هذا الميدان كانوا يرددون (إعطني إعلاما متكاملا وخذ مني شعبا ممنهجا تفعل به ما تشاء وتصنع منه ما تشاء)، ولا يستبعد بوجود المبالغة في ما جاء، وعلى كل حال هو من تصورات الثقة العالية بالنفس.. ولم يعد خافيا على أحد اليوم أن للإعلام دوره الكبير في صناعة ثقافة الشعوب وشكل وهيكلية المجتمع ورسم خارطة العمل السياسي، ويمكن للإعلام من إسقاط أنظمه برمتها ويقوي غيرها، إذا أداره محترفين وأصحاب نظرة ثاقبة إستراتيجيه مدروسة ومحسوبة بكل تفاصيل عملها وبمهنيه وعلميه.
والمهمة وحدها غير كافية إذا ما إفتقدت للتخطيط السليم، ووجود الأدوات المساعدة من أجل نجاحها، واليوم ونحن أمام محنه حقيقة يجب معالجتها إذا ما أرادت وزارة الاعلام الفلسطيني أن تصل إلى مستويات عالية من التطور على كل الصعد وخاصة في المجال الإعلامي والإتصالي المعلوماتي, لأن العوز المادي يدفع العديد من الأشخاص والمؤسسات الإعلامية المستقلة إلى الركوع أمام المغريات المادية التي تمتلكها الأحزاب ويمتلكها رجال السلطة والمنتفعين، وبالتالي تفقد هذه المؤسسات حياديتها ومصداقيتها لصالح العوز المادي لتنتهج السبيل التي تريد أن تفرضه تلك الأحزاب السلطوية على الواقع السياسي في البلاد.
إن الفهم الخاطئ لمفهوم الإعلام المستقل هو الذي يدفع رجال السلطة والأحزاب المتنفذة إلى إحتواء هذا الإعلام أو ذاك، عن طريق الضغط المادي الذي يجعل تلك الأدوات الإعلامية غير قادرة على الاستمرار في أداء رسالتها الإنسانية النبيلة وبالتالي تكون مضطرة إلى العمل تحت خيمة أجندات عديدة لها مصالح ذاتية مريبة لا تنطوي على مصلحة الوطن والمواطن في المقام الأول في تعاملاتها السياسية وبالتالي تفقد قدرتها الاقناعية لأنها تروج لأفكار ومفاهيم لا تؤمن بها مطلقا .
إن الإعلام الوطني المستقل لم يكن يوما ضد رجال السلطة الوطنيين الذين يضعون مصلحة الوطن والمواطن في مقدمة أولوياتهم وليسدوا ضد تطلعات المواطن في الحرية والعيش الكريم تحت خيمة الوطن الواحد لكنه ضد الإنحراف والمنحرفين، وأعتقد أن رجال السلطة الوطنيون لا يمكن لهم أن يترجموا برامجهم إلى واقع ملموس دون الإعتماد على إعلام وطني حر ومستقل وشفاف، لأن في ذلك مصلحة مزدوجة يستطيع من خلالها السياسي تقويم عمله.
فمن خلال كشف الأخطاء من قبل الإعلام المستقل وتجاوزها مستقبلا يضع أصبعه على الجرح الذي ينزف منه المواطن يوميا وتفصيليا، كذلك فإن الأعلام الوطني الحر والمستقل له رسالة إنسانية واضحة تجاه جميع الأطراف فهو لا يقف ضد رجل السلطة الذي يعمل لمصلحة الوطن والمواطن ولا يجامل من يريد تخريب هذا الوطن تحت يافطات وأجندات خارجية مشبوهة وتحت مسميات عديدة، فالإعلام المستقل هو ضد كل من يتبوأ المراكز الحكومية بغير وجه حق وتحقيق مصالح ذاتية على حساب ملايين البطون الجائعة ومع كل مواطن شريف يعيش فوق هذه الأرض المعطاءة الطيبة، ولا يفكر بجاه أو سلطة بقدر ما يفكر أن يعيش حرا أبيا في وطنه.
لذلك لا نبالغ لو قلنا إن دعم ومساندة ومساعدة الإعلام الحر الوطني المستقل، واجب وطني مقدس يقع على عاتق كل ذي بصر وبصيرة من رجال السلطة والقادة والسياسيين، لجعل هذا الإعلام أداة لتحقيق ما هو أسمى من الأهداف التي ينشدها الجميع، كما أن دعمه يقطع الطريق على كل الأجندات المشبوهة التي تريد أن تسيس هذا الإعلام بإتجاه مصالحها الشخصية التي لا تتعدى كونها مصالح فئوية ضيقة، لا تريد أن تخدم الوطن بقدر خدمتها لنفسها وللفئة التي تمثلها.
فمن المعلوم أن خدمه المواطن هي من أهم أسس النظام الديمقراطي، وبإعتبار أن المواطن شريك أساسي في إداره نشاطات الدوله، فمن الطبيعي أن يتوقع منها تقديم الخدمات اللازمه بكفايه وتجرد ونوعيه مهنية عاليه.
وقد حان وقت تغير نظره الإداره الإعلامية إلى دورها، من إداره إعلامية تقتصر على الحكم الرادع إلى إداره تحترم القانون وحريات الرأي والتعبير وتتوقى لرفع أداء كفاءه العاملين في الإعلام الوطني، وإعتماد برامج وإستراتيجيات تهدف إلى تطوير أساليب مهنية لخدمه المواطن وتسهل تعامله مع الدوله وتكشف الظواهر السلبيه وتعالج أسبابها وتحاسب المقصرين والفاسدين.
لذا يمكن للأجهزه الإعلاميه الوطنية المستقلة أن تتطلع بوظائف أساسيه ستخدم المنهج العلمي المعرفي لأداء مهمات مجتمعيه إستراتيجيه هادفه إلى توافق المجتمع ووحدته وتجانسه في كتله واحده وتواجه هذه الكتله الأخطار المتربصه بأمن المجتمع وإستقراره وفي مقدمتها خطر جرائم الفساد وتدخل السياسيه الإستراتيجيه من جرائم الفساد في جوهر منهج الأجهزه الإعلاميه مرتكزه على عناصر الإختصاص والمرونه.
إننا نجزم بأن جريمه الفساد تعد أشد خطرا وفتكا من باقي الجرائم، فأثارها تتسع لتشمل الأبعاد السياسيه والإقتصاديه والإجتماعيه والإنسانيه، فتضرب المصالح والقيم في الوطن كافه وقد تؤدي إلى أزمه ونزاعات سياسيه داخل المجتمع وسلطاته الحاكمه ولابد أن تتركز أجهزه الإعلام على إقناع الموظفين العامين والمواطنين بالتخلي عن السلوك والتصرفات المرتبطه بظاهره الفساد.
آخر الكلام:
إن خلف كل مسؤول فاسد حاشية فاسدة، تمثل عليه وهي يده التي يضرب بها وينش ويبطش ويطلق العنان لتسلطه، لذا فإن تغير الرأس وبقاء الجسد مريض سيؤدي الى أصابة الرأس بنفس المرض، حتى ولو بعد فترة من الزمن.
بقلم/ رامي الغف*
*إعلامي وباحث سياسي