نشرت الصحافة العبرية تقريراً سرياً، التقرير مقدم من قادة الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية إلى قيادة المقاطعة في رام الله، والتقرير في مضمونه تحذير لقيادة السلطة من تدهور الوضع الأمني في الضفة الغربية، وهذا من شأنه أن يقوّض حالة الاستقرار، خاصةً وأن الشبان الفلسطينيين ما بين 16 إلى 25 عاماً يشعرون بحالة من الضغوط والخوف من المستقبل، ولذلك؛ قد يلجؤون لتنفيذ هجمات.
التقرير وصل إلى صحيفة يديعوت أحرنوت، ونشر عبر صفحاتها قبل أن يصل إلى أي مصدر إعلامي فلسطيني، وهذا يعني أن الجهة التي أعدت التقرير، كانت تهدف من ذلك إيصال رسالة إلى الإسرائيليين بأن الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية صعب، وأن خصم أموال المقاصة سيؤدي إلى المزيد من أعمال المقاومة، وأن حماس تقف لكم بالمرصاد إذا واصلتم تجاهل دور السلطة، وهذا ما جاء في التقرير الذي حذر من سلسلة هجمات قريبة، خاصةً في ظل دعوات حركة حماس لتنفيذ هجمات، إلى جانب توفر أسلحة محلية بالضفة يمكن الحصول عليها بـ "سهولة نسبيًا". كما حذر التقرير من موجة شعبية واسعة من المواجهات مع الاحتلال في ظل تراجع الوضع الاقتصادي.
لقد فضح معدو التقرير أنفسهم، وكشفوا عن أغراضهم من التقرير حين قالوا في تقريرهم: إن عناصر الأمن الفلسطيني المكلفين بحفظ الأمن، هم الذي يقودون معسكر الاحتجاج ضد إسرائيل، وذلك يرجع إلى أزمة صرف الرواتب في الأشهر الستة الماضية!
هذه الفقرة الصغيرة تكشف أهداف التقرير، وتكشف أسباب تسريبه للإعلام الإسرائيلي، إنه المال، فقط المال الذي نقص بفعل الخصم من أموال المقاصة، نقص المال سيقود إلى تمرد الغضب، وهذا ما أشار إليه رئيس الوزراء حين تحدث عن تسريح عدد من رجال الأمن الفلسطيني، وأن تسريحهم سيؤثر على الأمن الإسرائيلي العام.
الأهم من كل ما سبق، والذي غفل عن مضمونه من أراد تسريب التقرير لأهداف شخصية وإدارية ومالية وحياته وتنظيمية، الأهم في التقرير هو الوصف الدقيق لحالة شباب حركة فتح، أو بمعنى أدق، وصف الشباب الفلسطيني الذي لم يعد يؤمن بعملية السلام، ولاسيما بعد اقتناعه بأن الانتخابات الإسرائيلية لن تفرز إلا مزيداً من القادة الإسرائيليين المتطرفين، وهذه القناعة الراسخة في عقول شباب فلسطين، والتي تؤكد على استحالة تحقيق السلام الوهمي مع الصهاينة هذا القناعة يجب أن تسود، وأن تكون اللغة السياسية الفلسطينية للمرحلة القادمة، والتي تقوم على قاعدة فشل القيادة الفلسطينية في مشوارها التفاوضي، وفي تعاونها الأمن مع المخابرات الإسرائيلية، وعليه لا بد من منهاج جديد، وعقول جديدة، ومواقف سياسية جديدة، وكل هذا لا يتحقق من خلال قيادة عتيقة، جديد الموقف والرأي والسلوك والعمل والتفكير يتطلب جديد القيادة التي توائم روحها روح المرحلة، لتدفن إلى الأبد مرحلة قيادة أهدرت الزمن، وخذلت الأرض، وهي ترقد على بيض المفاوضات الفاسد عشرات السنين، دون أن يفقس هذا البيض عن تحرر شبر من الأرض.
لافتة: من كان قائداً لمسيرة المفاوضات لا يصلح لأن يكون قائداً لمسيرة المواجهات.
سؤال: كيف وصل هذا التقرير السري إلى أيدي المخابرات الإسرائيلية، لتنشره الصحف العبرية قبل الفلسطينية؟ ولماذا؟
د. فايز أبو شمالة