عندما قررتْ الدّولة ترحيلَها بعد رفضِ تجديدِ اقامتها حزنتْ كثيرا تلك المرأة، لأنها أحبّتْ العيشَ في بلدٍ تهتمّ بمواطنيها، باتت تجلسُ حزينة داخل غرفتها تنتظرُ ترحيلها بأية لحظة، كانتْ تنظر إلى نافذة غرفتها، وتفول: سأشتاقُ للنظر إلى سحرِ الطبيعة، فكم كنتُ انظر من هنا للمساحاتِ الخضراء، ورغم صغرِ حجم غرفتها، إلا أنها أحبّت موقعها في الطابق الثالث بعمارة سكّانها لا يحتكّون ببعض البتة، فكل قاطنٍ فيها لا يهتمّ إلا بنفسه، يلقون التّحيات على بعض، وهذا من بابِ الجيرة.. نظرت إلى كُتبها وراحت تضعهم في حقيبة السفر استعدادا للرحيل.. كانت تقضي معظم وقتها في قراءة روايات لكُتّاب عالميين..
وفي ساعات المساء رأت صديقا انقطعتْ أخباره منذ مدة يسير في الشارع المقايل، فنادت عليه من نافذة غرفتها، توقّف الرّجُل واقترب من النافذة، لكنها لم يعرفها، لقد تغيّرت ملامح وجهها، وقصّة شعرها، لم تكن كتلك، التي يعرفها، فقالت له: اصعد أيها الصديق، وعندما دخلَ غرفتها، قالت له: ولو ألم تعرفني؟ أنا فلانة، فتذكّر وابتسمَ، وقال لها: أما زلتِ في هذه البلد؟ فردّت بلى، لكنني أنتظر ترحيلي، فلم تردْ السلطات تجديد إقامتي، فجلس على الأريكة، وبدا حزينا، وقال لها: لا تكترثي، سأتدبر الأمر، ولكن في البداية عليكِ أن توافقي على الزواج مني، على الأقل لتثبيت إقامتكِ، ففرحتْ كثيرا عندما شمعت كلماته، وبعدما رحلَ قالت: لماذا لا أتزوجه بالفعل فهو إنسان رائع أخلاقه تعجبني، فلم يكن يوما من الأيام ضديقا سيّئا، وفي الصباح عادَ إليها، وذهبا سوية إلى المحكمة، وعقدَ زواجَه عليها، وقال: هيا إلى دائرةِ الهجرة لوقفِ الترحيل.. سُرّت المرأة من كلامه، وبالفعلِ توقّف ترحيلُها، لأنه يحملُ جنسية تلك البلد، وغاب عنها أياماً، ولم يرد على اتصالاتها، فهو أرادَ مساعدتها، وذات مساءٍ أتى لزيارتِها، فقالت له: أين أختفيتَ؟ لقد قبلتكَ زوجا لي، فردّ أمتأكدةٌ أنتِ من كلامكِ؟ فردّتْ بلى، فهل سألقى رجلا رائعا مثلكَ، وعاشا سويةً وبدتْ عليها علامات الفرّح، لأنه أنقذها من ترحيلِها من بلدِ عشقتها منذ أن وطأتْ أقدامها أرضها، فظلّت ترى بقعةَ فرَحِ أمام عينيها منذ لحظة الموافقة على بقائها في تلك البلد، وقالت: لولا صديقي، الذي أتى بمحضِ الصّدفة لكنتُ الآن في بلدٍ ما زالت تدور فيها الحرب ..
عطا الله شاهين