رحلة الموت من غزة الى اوروبا

وفاة الشاب الفلسطيني تامر فتحي السلطان من قطاع غزة، حسب ما أعلنت عائلته أمس، سلطت الضوء على واحدة من الأزمات التي يعاني منها سكان قطاع غزة وخاصة الشباب الذين وجدوا في “الهجرة” من غزة للخروج من حالة الفقر والبطالة والأوضاع الأمنية المتردية في القطاع. وبحثا عن مكان آمن يجدوا فيه سبل العيش الكريم وفرص العمل بعد انعدامها بسبب الحصار الإسرائيلي والانقسام الفلسطيني الداخلي.

وذكرت مصادر صحفية أن الشاب سلطان قد غادر قطاع غزة بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها معظم مواطني غزة.

وقالت مصادر من العائلة أن تامر السلطان يبلغ من العمر 38 عاما، وهو أب لثلاثة أطفال وقد توفي بتاريخ 17/8/2019، بعد خمسة أيام فقد من دخوله مستشفى في البوسنة التي وصل لها مهاجرا بشكل غير شرعي.

وكان الراحل يعاني من سرطان في النخاع الشوكي وهو لا يعلم.

يقول ساهر السلطان، شقيق تامر الأصغر: "لم يكن تامر مُصاباً بأي مرض، كان يُعاني من مشاكل في أذنه ومعدته، ولكنه تعالج منذ عام، ولم يعد يُعاني من أي شيء".

وأضاف ساهر في حديثه ": "لم يُخبرنا أحد بشكل رسمي عن سبب وفاته بالتحديد حتى الآن، فنحن مثلنا مثل باقي الناس، نقرأ ما يكتبه نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، وما يكتبه أصدقاؤه، ولا نعرف السبب الحقيقي حتى اللحظة".

وكشف ساهر أن كل ما عرفوه بطريقة رسمية هو أن تامر متوفي منذ ثلاثة أيام، وقال: "صدر تقرير نشره أصدقاؤه لا نعرف هل هو تقرير رسمي أم لا، يفيد بأن تامر أُصيب بحمى شديدة، وتم نقله بالإسعاف إلى المستشفى، لكنه توفي في الساعة الخامسة صباحاً، وكان هناك قطع في يده اليسرى، ولا نعلم هل كان معه عدوى أم لا؟ فالأمور ليست واضحة".

وروى ساهر تفاصيل رحلة شقيقه تامر من الموت إلى الموت قائلاً: "كان تامر يتمنى الخروج من غزة بسبب سوء الأوضاع بها، لكن عائلتي كانت تمنعه في كل مرة بسبب القصص المؤلمة التي نسمعها عن الشباب المُهاجرين من موت وضياع وفقدان ومصير مجهول".

وأضاف ساهر: "كانت عائلتي تُحاول توفير كل شيء لتامر، وتُحاول ألا ينقص عليه شيء حتى لا يُفكر بالهجرة، لكن الأمور في غزة ازدادت سوءاً، فأخذ قراراً رسمياً بالخروج".

غادر تامر غزة في نيسان/ أبريل من هذا العام، متوجهاً إلى مصر حاملاً معه الكثير من الأمل، الكثير من الألم، فقد كان مُتعلقاً جداً بأطفاله الثلاثة (وسام 7 سنوات، فتحي 6 سنوات، ميرا عام ونصف)، وينتظر النُطفة التي تنمو برحم زوجته بفارغ الصبر، متأملاً أن يكون موجوداً حين يخرج طفله الرابع إلى الحياة بعد 4 أشهر، قبل أن يُغادرها هو إلى الأبد.

ونشرت صورة لتقرير رسمي صدر من المستشفى الذي كان يتواجد فيه السلطان وتمت ترجمته بواسطة سفارة فلسطين في البوسنة والهرسك، لإرساله لعائلته.

وجاء في التقرير أن تامر وصل مستشفى dr. irfan ljubijankic cantonal في 16 آب/ أغسطس مُصاباً بحمى وضعف وإنهاك شديد، وتغيرات في جلد ساعده الأيسر، ودخل عملية جراحية عاجلة إثر نزيف في جدار البطن والذراع، وتفاقمت حالته تدريجياً حتى أعلنت وفاته بعد يوم من دخول المستشفى.

وحاولنا التواصل مع السفارة الفلسطينية في البوسنة والهرسك عبر الهاتف والإيميل الرسمي، ولكن لم تَرِد أي إجابة حتى الآن.

وأفادت مراكز حقوقية فلسطينية، بإن العشرات من أهالي غزة لقوا مصرعهم، وأصيب المئات في البحر المتوسط خلال عمليات هجرة إلى أوروبا خلال السنوات الماضية خاصة ما بين عامي 2014/2015، جراء الأوضاع الصعبة واشتداد الحصار الإسرائيلي وإغلاق المعابر وانعدام فرص العمل بين الشباب.

وقال الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، إن "سكان قطاع غزة يعيشون ظروفاً صعبة وكارثية منذ أكثر من 12 عاماً منذ فرض الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، والدمار الهائل الذي خلفته الحروب بالبنية التحتية في جميع القطاعات والأنشطة الاقتصادية وعدم تمكُن حكومة الوفاق من تحمل مسؤولياتها تجاه قطاع غزة."

وأشار الاتحاد إلى "ارتفاع معدلات الفقر والبطالة بنسب غير مسبوقة، حيث وصلت البطالة إلى ما يزيد على 55%، ومعدلات الفقر فاقت 80%، بينما يعتمد ما يقارب الميلون فلسطيني على المسعدات الخارجية التي تقدمها المؤسسات الخيرية والدولية وفي مقدمتها “الأونروا” ، هو مؤشر خطير يعبر عن تردي الوضع الاقتصادي وتدهور القطاعات الحياتية المتعددة في غزة، في حين بلغ عدد العاطلين عن العمل ما يزيد عن 295 ألف عامل خلال عام 2018."

ويلجأ العديد من سكان قطاع غزة، خاصة الشباب للهجرة خارج القطاع عبر معبر رفح البري الحدودي، الذي يعد المنفذ الوحيد لأهالي القطاع إلى العالم الخارجي.

وطالب اتحاد العمال، المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية، بالضغط على الاحتلال الإسرائيلي، لرفع الحصار الظالم المفروض على قطاع غزة، داعياً السلطة الفلسطينية، بضرورة رفع العقوبات عن قطاع غزة، وتوفير مشاريع إغاثية وتنموية عاجلة تساهم في التخفيف من الأوضاع الكارثية للعمال في قطاع غزة.

وتشير إحصاءات وبيانات غير رسمية، أن أكثر من 20 ألف مواطن ، هاجروا من قطاع غزة خلال السنوات الأربعة الأخيرة ، نتيجة الفقر وانعدام الأمل في انهاء الحصار الإسرائيلي وتحقيق المصالحة الفلسطينية ، وقد اضطر هؤلاء للهجرة الى دول الاتحاد الأوربي بطريقة غير شرعية لتأمين مستقبلهم ، لكن العشرات وربما المئات منهم انتهت رحلتهم غرقا في مياه المتوسط..

كما ساهمت "العقوبات" التي فرضتها السلطة الوطنية الفلسطينية في آذار 2017 على قطاع غزة، في انهيار الاقتصاد الفلسطيني، وزيادة معدلات الفقر والبطالة في قطاع غزة، مما ساهم بارتفاع التفكير بالهجرة لدى قطاعات واسعة من سكان غزة، من بينهم اطباء ومهندسين واستاذة جامعات للبحث عن حياة أفضل.

المصدر: تقرير - ميسرة شعبان -