عقدت مؤسسة القدس الدولية اليوم الأربعاء ، مؤتمرًا صحفيًّا في العاصمة اللبنانية بيروت لإطلاق تقريرها السنويّ الثالث عشر "عين على الأقصى" الذي يرصد تطورات الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد والمواقف وردود الفعل المختلفة بين 1/8/2018 إلى 1/8/2019، بحضور شخصيات دبلوماسية وسياسية ودينية وفكرية وإعلامية وممثلين عن القوى الأحزاب الفلسطينية واللبنانية.
وقال بشارة مرهج نائب رئيس مجلس أمناء مؤسسة القدس الدولية في كلمة الافتتاح:" إن المسجد الأقصى المبارك في خطر حقيقي يستهدف هويته ومعالمه وأجزاءه، ونيران التهويد لم تنطفئ منذ الإحراق وما قبله، فالاحتلال في سعيه المحموم إلى تحويل القدس إلى مدينة عبرية غاص أسفل الأرض شاقاً النفق تلو الآخر، محاولاً عبثا أن يجد أثراً بسيطاً عن هيكلٍ مزعوم له ".
وأضاف:" إن انتصار المقدسيين العزل على الاحتلال الإسرائيلي في هبتي باب الأسباط والرحمة نقض مشروع التطبيع مع الاحتلال، وأكد حتمية هزيمة الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق النصر الكامل عليه واسترجاع الحقوق المسلوبة، ومن هنا ندعو أحرار أمتنا العربية والإسلامية إلى أن تكون بوصلتهم باتجاه القدس التي تَوحد فيها ومن أجلها، جميع مكونات الأمة، باختلاف مذاهبهم الدينية والسياسية والفكرية، مؤكدين أن العدو الأول والأخير لأمتنا العربية والإسلامية هو الاحتلال الإسرائيلي الذي يعمل على تفكيك وحدة أمتنا وضرب نقاط قوتها وزرع الفتن بين الإخوة والأشقاء".
واستعرض مدير عام المؤسسة ياسين حمود أبرز ما جاء في التقرير، وقال:" في ظلّ التطورات التي تشهدها المنطقة والتطورات التي تجلت على مستوى صفقة القرن، يمر المسجد الأقصى في مرحلة في غاية الدقة والخطورة، إذ يتعاظم فيها حجم المخاطر المحدقة بالمسجد في ظلّ مساعي الاحتلال إلى فرض أمر واقع يناسب روايته. وفي الوقت الذي يضع الاحتلال جهده لتعزيز مكتسباته في الأقصى، فإنّ العام الماضي شهد انتصار المقدسيين في هبة باب الرحمة، وهو انتصار عطّل مشروع الاحتلال الذي يهدف إلى السيطرة على الأقصى ابتداءً من المنطقة الشرقية".
وقال:" ظهر دور المستوى الأمني في تعزيز فكرة الوجود اليهودي في الأقصى في محطتين: هبة باب الرحمة، و"يوم توحيد القدس"، أو استكمال احتلال القدس. وعمل المستوى الأمني بتوجيه من الوزير إردان على منع تكريس مبنى باب الرحمة على أنّه مصلى، وسمح إردان للمستوطنين باقتحام الأقصى في يوم "توحيد القدس" بالتزامن مع 28 رمضان".
وأشار إلى دعوة منظمات المعبد إلى إنهاء الوصاية الأردنية على الأقصى، موضًحا أن "منظمات المعبد" تعرضت لانتكاستين في السنة الماضية، تمثلتا في فشلها في الحشد لعيد الفصح العبري، وفي هبة باب الرحمة.
وأوضح حمود أنه وفي ظلّ هذه التوجهات على المستويات الرسمية السياسية والأمنية والدينية، استمرت اعتداءات الاحتلال على الأقصى ضمن مسارات متعددة، تقوم على اقتحام المسجد، والتدخل في إدراته، والمشاريع التهويدية في الأقصى ومحيطه سواء على مستوى البناء أو الحفريات والأنفاق.
وقال:" استمرت الاقتحامات في مدّة الرصد، وعلى الرغم من تراجعها مقارنة بالمدّة ذاتها في التقرير السابق، من 33198 إلى 31084، فإنّ ذلك لا ينفي أنّ المستوطنين تمكّنوا من تحقيق اقتحامات يمكن أن نسميها نوعية، لما تحمله من مخاطر على الأقصى في المرحلة القادمة. فقد سمحت لهم السلطات الأمنية باقتحام المسجد في العشر الأواخر من شهر رمضان، لا سيما يوم 28 منه، إلى جانب الاقتحامات الكبيرة في الأعياد والمناسبات اليهوديّة".
وأضاف:" تعمدت الأجهزة الأمنية إغلاق الأقصى جراء أي حدث قريب منه، فأغلقت المسجد في 17/8/2018 ومنعت إقامة صلاتَي المغرب والعشاء في المسجد، بعدما قتلت قواتها الشاب أحمد محاميد من قرية أم الفحم بعد تنفيذ عملية طعن في القدس القديمة، كذلك أغلقت سلطات الاحتلال المسجد في 12/3/2019 بعد احتراق مركز شرطتها في "الخلوة الجنبلاطية" المحتلة في ساحة مصلى قبة الصخرة. علاوة على ذلك، كان للقوات الأمنية الدور الأبرز في محاولة تقويض هبة باب الرحمة، مع الاعتداءات المتكررة على المصلى واقتحامه بالأحذية، وإخراج المصلين منه عنوة، ومنع الاعتكاف فيه في شهر رمضان".
وعلى مستوى المشاريع التهويدية في الأقصى ومحيطه، قال مدير عام مؤسسة القدس:" شهدت مدة الرصد تطورات خطيرة لتشويه الحزام الجنوبي للمسجد الأقصى، ومن ذلك قرار لبلدية الاحتلال في القدس بمصادرة عشرات الدونمات من أراضي سلوان تحت ادعاء "البستنة"، وفي سياق استهداف الأقصى والبلدة القديمة، وافقت "اللجنة الوطنية لتطوير البنية التحتية في القدس" على خطة بناء القطار الهوائي "التلفريك" الذي سيسهل وصول المستوطنين والسياح إلى حائط البراق المحتل. كذلك، أصدرت بلدية الاحتلال في القدس تراخيص لبناء عشرة أبراج للسيارات في محيط البلدة القديمة. وكان من أبرز التطورات على مستوى الحفريات والأنفاق افتتاح النفق المسمى "طريق الحجاج" الممتدّ من عين سلوان جنوب الأقصى إلى منطقة باب المغاربة في سور الأقصى الغربي. وقد شارك في افتتاح النفق، إلى جانب الشخصيات الإسرائيلية التي حضرت الافتتاح، كل من دافيد فريدمان، سفير الولايات المتحدة الأمريكية في كيان الاحتلال، وجيسون غرينبلات، مبعوث البيت الأبيض للشرق الأوسط، لتأكيد التبني الأمريكي للرواية الإسرائيلية حول القدس".
وحول مواقف الأطراف المختلفة وتفاعلها مع الأقصى، قال حمود:" لاحظنا في تقريرنا استمرار حالة الضّعف في مواقف جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، مع تراخي الحكومات العربية والإسلامية الرسمية في التعاطي مع القضية الفلسطينية عمومًا والمسجد الأقصى خصوصًا، لا سيّما مع تصاعد موجات التطبيع مع الاحتلال من بعض الدول العربية التي تساوقت مع التوجّهات الأمريكية لحلّ القضية الفلسطينية. وأظهر الأداء الفلسطيني تمسّكًا بالقدس والمقدسات والمسجد الأقصى، ورفضًا لـ"صفقة القرن"، على اعتبارها مشروعًا تصفويًا للقضية الفلسطينية. وكانت مسيرات العودة في قطاع غزة، وأعمال المقاومة في الضفة الغربية، أبلغ الردود على تغوّل الاحتلال على القدس والأقصى".
وأكد حمود ضعف الموقف الرسمي الفلسطيني بالمقارنة مع حجم الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية، وقال:" كانت خطوات السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية شكلية، لم تلامس مستوى المخططات الإسرائيلية التهويدية، المدعومة من الإدارة الأمريكية. ففي وقت دانت السلطة الاعتداءات الإسرائيلية على الأقصى وحذرت منها، استمرّت السلطة في التنسيق الأمني مع الاحتلال".
وأضاف:" تراوحت ردات الفعل الأردنية الرسمية بين بعض الجهود القانونية والدبلوماسية، وتصريحات الشجب والاستنكار. وقدم مضى الأردن في تنفيذ اتفاقيتي الغاز وقناة البحرين مع الكيان الصهيوني، اللتين يرفضهما الشارع الأردني، وأعاد الأردن استقبال السفير الإسرائيلي أمير فايسبرود، وقبل اعتماده في 2/9/2018".
وفي المواقف الدولية، قال:" ترواحت الردود الدولية من الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على المسجد، من اقتحامات وإغلاق للأبواب، واستمرار للحفريات، بين القلق، والاستنكار، والتحذير، والمساواة بين الضحية والجلاد، وتميز الموقف الأمريكي بدعمه المقلق للاحتلال,
وأكد أهمية الموقف الشعبي من القدس والأقصى، وقال:" لم يغب الأقصى عن تفاعل الجماهير العربية والإسلامية مع ملاحظة فتور هذا التفاعل نتيجة الأوضاع الداخلية في البلدان العربية، وقد عُقد في بيروت، ملتقيان سياسيّان شعبيّان تحت عنوان "متحدون ضدّ صفقة القرن"، وكذلك شهدت بعض الدول العربية والإسلامية فعالياتٍ تضامنيةً مع الأقصى في بعض المناسبات والمحطات لا سيما في هبة باب الرحمة.
حيال هذا الواقع، فإنّنا نقدّم مجموعة من التوصيات، هي توصيات الحدّ الأدنى لمنع الاحتلال من تسجيل مزيد من النقاط في مشروعه التهويدي الذي يطال الأقصى.
وختم حمود أبرز التوصيات التي وردها التقرير، فدعا حمود السلطة الفلسطينية إلى العمل الجدي لتحقيق المصالحة الفلسطينية الناجزة بما يخدم وحدة الصف، والتفرّغ لمواجهة العدو الحقيقي وإنهاء العمل بالاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال، والاستفادة من توسيع التمثيل الفلسطيني في مجلس الأوقاف لتعزيز الدفاع عن الأقصى في وجه اعتداءات الاحتلال.
وطالب حمود قوى المقاومة والفصائل الفلسطينية بالعمل على تعزيز جبهة المقاومة وتمتينها، واحتضان المقاومة الشعبية، ورفدها بما يلزمها لمواجهة الاحتلال في معركة الصمود، واستثمار نموذج هبة باب الأسباط والحرص على المحافظة على المكتسبات التي أمكن تحقيقها في هبة باب الرحمة، داعيًا الجماهير الفلسطينية إلى تحصين مكتسبات هبة باب الرحمة، والوقوف في وجه مساعي الاحتلال المستمرة لسرقة هذه المكتسبات وإلغائها.
وطالب حمود الأردن بالتعامل بحزم مع اعتداءات الاحتلال على الأقصى، والدفاع عن الحصرية الإسلامية في إدارته، والتمسك بالموقف من باب الرحمة، وعدم الرضوخ لما يقوم به الاحتلال من محاولات لانتزاع موافقة أردنية على إغلاق باب الرحمة تحت ذريعة الترميم لتحويله إلى مكتب للأوقاف.
وطالب حمود الحكومات العربية والإسلامية بالوقوف في وجه صفقة القرن، ورفضها، وتوفير الدعم الحقيقي والمباشر للقدس والمقدسيين والأقصى، من دون الحاجة إلى أن يمرّ الدعم في القنوات الأمريكية أو يخضع لموافقتها ورؤيتها عبر ورش ظاهرها اقتصادي تخدم الاحتلال الإسرائيلي.
ودعا حمود شعوب الأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم إلى الضغط على الحكومات لإنهاء التطبيع مع الاحتلال، والمساهمة في حملات الدعم المالي المخصصة للقدس والأقصى، للمساهمة في تثبيت المقدسيين ودعم صمودهم، ورفد الموقف الشعبي في فلسطين المحتلة، بكل الفعاليات الشعبية التي توصل رسائل الدعم المعنوي والتضامن.
وتخلل المؤتمر الصحفي عرض مصور قدمه رئيس قسم الأبحاث والمعلومات في مؤسسة القدس الدولية هشام يعقوب، استعرض فيه تطورات هبة باب الرحمة وصولًا إلى انتصار المقدسيين وفتح مصلى باب الرحمة الذي يقع في صلب المطامع الإسرائيلية لتحويله إلى كنيس يهودي.
ونوه العرض إلى أن الحفاظ على انتصار المقدسيين في هبة باب الرحمة مرهونٌ بمواصلة بذل الجهود لإعمار المصلى والتصدي لمشروع الاحتلال بالسيطرة على المنطقة الشرقية من المسجد الأقصى المبارك.
للاطلاع على الملخص التنفيذي للتقرير، أنقر هنا
للاطلاع على المقطع المرئي "باب الرحمة معركة بحجم القدس" أنقر هنا (يوتيوب)