عقيدة القتل الصهيونية: الواقع استمرار للماضي

بقلم: فايز رشيد

 أصدر عدد من حاخامات إسرائيل (24 أغسطس/آب 2016) فتوى تحض الجنود الصهاينة على قتل الفلسطينيين، وتقول بالنص "أقتلوهم.. أبيدوهم بلا رحمة من أجل أمن إسرائيل). هؤلاء الحاخامات شكلوا قبل عشر سنوات، حركة أطلقوا عليها اسم "هسنهدرين هحداشا" (مَجْمَع الحاخامات الجديد). وقد أسس هذه العصابة، الحاخام عيدان شتاينليزتس الحاصل على جائزة إسرائيل ووسام الرئيس الإسرائيلي. هذه فتوى من مئات أمثالها، واكبت إنشاء دولة إسرائيل.
ولعل من أبرز الظواهر التي تطوّرت بعد ما يزيد على 70 عاماً على إنشائها القسري، عقيدة القتل الصهيونية للفلسطينيين والعرب، "فالعربي الجيد- بالنسبة لهذه الدولة – هو العربي الميّت"، هذا ما أفتى به حاخاماتهم، إضافة إلى فتاوى أخرى في السياق نفسه، وهذا إن دلّ على شيء، فإنما على تعاظم عقيدة اقتراف المجازر والقتل اليومي ضد شعبنا وأمتنا في العقل الصهيوني، الذي تجسّده هذه الدولة.
الشواهد التي يمكن أن يجري الاستناد إليها كثيرة وكبيرة، وتتكرر بشكلً شبه يومي: حرق الأطفال، قتل الجرحى الفلسطينيين علنا وأمام أعين الكاميرات، التلذذ برؤية مشاهد قتل الفلسطينيين، إضافة إلى المشاهد الأخرى الشبيهة التي يراها المشاهد بشكل متواصل. إسرائيل وبعد أن ألحقت هذه المشاهد ضررا كبيرا بسمعتها عالميا، بصدد سنّ قانون في الكنيست يحظر بموجبه توثيق قتل الفلسطينيين، ومنع الأجهزة الإعلامية المختلفة من نشر هذه المشاهد (مقاطع الفيديو) وتقع تحت طائلة العقوبات المختلفة بما فيها السجن سنوات طويلة.
وأمام هذا النهم والتعطش الصهيوني لقتل أبناء شعبنا وأمتنا، يتساءل كل عربي وفلسطيني، عن أسباب هذه الشهية للقتل وارتكاب المذابح في العقيدة الصهيونية؟ في الواقع، هناك أسباب كثيرة تكمن وراء ذلك، لعل أهمها (ونحن لسنا بصدد كتابة بحث طويل) أنه في البدايات تركز التربية الصهيونية على جانبين في التربية: ديني محض وآخر فكري. في الأول تختار هيئات التربية نصوصاً من التوراة والتلمود، وتحفّظ للطلبة بعد شرح مفصل لها. وهذه النصوص تبتعد كلياً عن مفاهيم العبادات، وتركّز على حروب اليهود، وعلى ما أوحى لهم ربهم بشأنها، وبتركيز أكثر توضح النصوص علاقة اليهود بالكنعانيين العرب والفلسطينيين والعمالقة، وغيرهم من بطون الشعب العربي القديم، الذي عاش في المنطقة منذ فجر التاريخ البشري على الأرض. فمن جانب أولي تُظهر النصوص أعداء اسرائيل بانهم مجرمون خونة قتلة وتجب إبادتهم.
ومن جانب ثان تُظهر عظمة اليهود عنصراً وفكراً وروحاً، فهم شعب الله المختار الذي لا يعادله شعب آخر، ويجب أن يعيش فوق الارض المقدسة لوحده. ولهذا نرى الطلبة يرددون وبشكل دائم، وفي كافة مراحل تعليمهم، نشيد موسى وبني إسرائيل التليد حسب زعمهم: يقول (إسمعي يا شعوب المقهورين، فليمتلككم الخوف منا وليرتعد من هولنا صناديد البترا، وليرتجف عول وموآب، وليرتعد كل سكان كنعان، وليخيم على سمائهم الذعر والرهبة فجبروت بطشك جمّدهم كالحجارة، وعندئذ ينتقل شعب الله المختار إلى حيث أراد الله). ولو عرجنا قليلاً على تربية النشء قبل مجيئه الى فلسطين، لوجدنا أن الصهيونية، ومن خلال "الغيتو" الذي ساد قبل الحرب العالمية الثانية بكثير، ركزت جهودها على خلق اليهودي الحاقد، الذي رسمت بذهنه صورة العربي الذي لا يستحق الحياة، ومن هنا يمكن أن نفسر الأعمال الإجرامية التي وقعت ضد الشعب العربي في فلسطين والعرب منذ ما قبل 1948 وحتى الآن.
كتب يهودي مهاجر إلى إسرائيل في صحيفة "يديعوت أحرونوت" بتاريخ 14/7/1972 النص التالي: "لقد ربوني على الاستهتار بالسكان العرب، وقالوا لي بأن العرب هم حثالة البشرية، وعندما قدمت الى فلسطين عام 1945 وعشت في الكيبوتس لم يربوني على احترام الجار العربي". هذا الحديث ليشعياهو بن فورات في مقال له بعنوان "الخطأ والسذاجة" ويضيف: عندما نقول إن التربية الدينية أساسية في التعليم الصهيوني، فإن ذلك يؤكد ما للتشويه الصهيوني من دور. يلجأ الحاخامات المتعصبون إلى التركيز على هذه الزاوية، بحيث يخدمون الفكر الصهيوني دينياً وتاريخياً، والأطفال الذين يتلقون التعاليم الدينية من رجال الدين، الذين لهم وزنهم السياسي في الكيان الصهيوني، لا يمكن أن يعيشوا في حالة من التشكيك في عدم جدوى التوجيه الديني في الطلبة، لأن العامل الديني مهم جداً في عملية غسل الدماغ والإقناع طالما أن الادعاء الصهيوني يركز على مسألة أرض الميعاد، والتاريخ اليهودي المزعوم عن المنطقة. لقد جاء في مقدمة كتاب "الكوزاري" الصادر بتوجيه من شعبة التربية التابعة للكنيست والحائز مصادقة وزارة الثقافة والمعارف، وهو بقلم الدكتور أ. تسيفوري "وقد منحت التوراة لشعب إسرائيل من دون العالمين جميعاً لأنه صفوة الشعوب بأسرها، ولأن لغته أشرف لغة ينطق بها البشر.. عنصر شعب إسرائيل هو أفخر العناصر، لأنه تكون عن طريق الافضل من جيل لجيل".

هذا الكتاب يدرس في المدارس الثانوية في الكيان الصهيوني. وقد جاء في الكتاب نفسه على لسان الحاخام شنيؤورسن قوله: إن الفرق بين اليهودي وغير اليهودي هو من النوع الذي ينطبق عليه التعبير السائر "لا وجه للشبه"، إذ كيف يمكن البحث عن فرق بين شيئين من مستويين مختلفين كلياً. ففي حين يجلس اليهودي في المرتبة العليا، وينحدر من الصنف الأسمى تقبع بقية الأمم في الدرك الأسفل وتنحدر من أدنى صنف.
بعض اليهود ومن بينهم من يقدّمون أنفسهم على أنهم إسرائيليون يعترفون بما قلناه، وهذا يتخذ أهميّة مضاعفة، فينطبق على هؤلاء المثل العربي القائل "وشهد شاهد من أهلها". من بين هؤلاء الصحافي أميتاي بن أبا، الذي كتب مقالة مهمة على موقع "كاونتر بنتش" (21 مايو 2018) تحت عنوان "عقيدة الإبادة الجماعية في إسرائيل"، وفيه يقول: "بصفتي يهودياً إسرائيلياً من نسل ناجين من الهولوكست، أعتقد أن المقارنة بين الظروف في فلسطين، وتلك التي سبقت المحرقة ليست مبرّرة فحسب، وإنما ضرورية أيضاً. فقد أصبحت إسرائيل مستعدة أيديولوجياً لتنفيذ عملية إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في الوقت الحالي. وإذا لم نتحرك ونفعل شيئاً، فإن هذه العملية سوف تسير إلى مرحلتها الحاسمة الجديدة ـ لتصل إلى 6 ملايين فلسطيني وأكثر". ثم يقول الكاتب: إن من الأكثر دموية بين السياسيين الإسرائيليين – عضو الكنيست بنيامين نتنياهو، بيني غانتس، ليبرمان، سموتريتش، نفتالي بينيت، عمدة القدس نير بركات وغيرهم.
جهدت وتجهد الحركة الصهيونية، وتمثيلها السياسي القائم في دولة الكيان، على إخفاء الكثير من المعلومات، المتعلقة بتغيير كبير أجراه الحاخامات اليهود في العصور الوسطى في التناخ (الكلمة التي تجمع: التوراة أي أسفار موسى الخمسة، والمكتوبات أي المزامير، وسفر الأمثال ونشيد الأناشيد وبقية أسفار الحكمة وغيرها) وفقا لأهوائهم ومصالحهم وضمان سيطرتهم على فقراء المعتنقين للديانة اليهودية في البلدان التي عاشوا فيها، وتنفيذ أوامرهم وعدم الاختلاط بالمجتمعات التي عاشوا بين ظهرانيها، من هذه، "القرابين البشرية" اليهودية. القضية باختصار، إنه في العصور الوسطى، ووفقاً للشرائع اليهودية الجديدة المحرفة، التي حرص حاخامات القرون الوسطى (عصر السحر) على ابتداعها، وفقاً لكتاب برنارد لازار، بعنوان "اللاسامية.. تاريخها وأسبابها" فإنه ومن أجل تصنيع "الفطيرة" في الأعياد اليهودية، كان لابد من خلطها بالدم البشري! نعم، الدم البشري يأخذونه من مسيحي أو مسلم، ولو توجب قتله ظلماً وعدواناً. نعم، إنها "القرابين البشرية".
لقد اعتاد اليهود، وفقاً لتعاليمهم ووفق ما ضبط من جرائمهم في قتل الأطفال وأخذ دمائهم، ومزجها بدماء فطائر العيد التي يقومون بتصنيعها. ذبائح عيد البوريم مثلاً، كانت تُنتقى من الشباب. أما ذبائح عيد الفصح، فتكون عادة من الصبيان الذين لا تزيد أعمارهم على عشر سنوات. يمزج دم الضحية بعجين الفطير قبل أو بعد تجفيفه ( كتاب العلامة والفقيه السوري مصطفى الزرقا بعنوان "الكنز المرصود في قواعد التلمود"، كتاب المستشرق الفرنسى شارل لوران، اليهود والقرابين البشرية" اعتمد فيه على مصادر كثيرة منها: كتاب "خطر اليهودية على الإسلام والمسيحية" لعبد الله التل، و"التعاليم اليهودية" لدورزي، و"المخطط الصهيوني حتى عام ألفين" لدائرة المعارف اليهودية و"الكنز المرصود في قواعد التلمود"، وكتب كثيرة أخرى.
جملة القول، إن تربية وتعاليم كهذه، لا يمكنها إلا إنتاج عقيدة قتل بربرية متوحشة، تتفوق على كل المظاهر الشبيهة لها في التاريخين القديم والحديث، ومثلما كان التوحش عاملا أساسياً في اندثار تلك، ستكون عامل فناء لعقيدة القتل الجديدة.

فايز رشيد
كاتب فلسطيني