عندما أقرأ الأخبار اليومية والمتعلقة بتصريحات قادة إسرائيل تتصدر الصحف , مفادها أنهم يتوعدون بإشتياح غزة , والقضاء على حكم حماس , حينها أسخر من عقلية إسرائيل في حال أنها تعني ما تقول , وذلك لأن حماس ليس كل المقاومة , ولكنها جزء من منظومة المقاومة في غزة , والتي تتمثل في عدة فصائل مسلحة ومدربة ومدعومة إقليمياً , ولو إفترضنا جدلاً أن إسرائيل سيطرت على حماس في غزة , فهل هذا يعني حل المشكلة؟ بالطبع لا لأن هناك من يشكلون خطراً على إسرائيل أكثر من حماس , ولكن في حال أن إسرائيل تتعمد بتلميع حماس دون سواهم , وإعطائهم الحجم الزائد عن الحد , فهذا يعني أن مشروع التسوية القائم بين حماس وإسرائيل , يتطلب مزيداً من التلاعب بالألفاظ بهدف تعويم الواقع , وإقناع الرأي العام بأن شركاء إسرائيل المستقبليين والبديلين عن منظمة التحرير جاهزين , ولا يوجد أحد سواهم , وهذا التفكير بالطبع مغايير للواقع , لأن أصحاب القرار في غزة كثر , فأقل فصيل في غزة يستطيع أن يطلق رشقة من الصواريخ ويقلب الطاولة فوق الجميع , ويغير كل المعادلات والحسابات , فإذا كان نتنياهو وقادته بالفعل يجهلون قوة الفصائل في غزة , ولا يذكرون إلا حماس , فهذه مشكلتهم , كما كانت مشكلة الناس في فيلم الهلفوت..
الهلفوت , هو إسم فيلم مصري شهير في الثمانينيات للفنان عادل إمام والفنان الراحل صلاح قابيل , فكان عادل إمام يمثل دور الهلفوت , وكان صلاح قابيل يمثل دور عصران الضبع , وهنا كان عصران الضبع هو البعبع الذي يخافون منه الناس في الحي , ويعملون له ألف حساب , ويهربون عندما يأتي لأي مكان , لأنه كان قاتل مأجور بحسب الفيلم , وفي يوم من الأيام دخل الهلفوت الى بيت عصران الضبع ليخدم عليه , وحينها إكتشف الهلفوت أن عصران شخص مريض جسدياً , ولم يستطيع أن يبدل ملابسه لوحدة , حتى طلب من الهلفوت أن يساعده في تبديل ملابسه , وكان عصران لا يستطيع أن يلتقط نفسه من شدة السعار , حينها تحدث الهلفوت في سره مستغرباً!! وقال لنفسه جملة مفيدة جداً لمن يثمنها , وهي : الراجل الي مخوف أهالي الحي كله , وفارض عليهم الإتاوة طلع مقلب , ده طلع سكه ومخلوع.. عجبي يا بلد..
ومن هذا الموقف بدأ الهلفوت أن يغير من طريقة تعامله مع عصران الضبع , وأصبح يتعامل معه على أنه إنسان ضعيف لا يستطيع أن يهش ناموسة , وحتى وصل الأمر بحسب أحداث الفيلم , أن ينتحل الهلفوت شخصية عصران , وحتى دار عراك بالأيدي بينهما , وأدى هذا العراك الى موت عصران الضبع , وأصبح الهلفوت بطلاً في نظر أهالي الحي.. ومن هذا الفيلم الجميل نستخلص عبر كثيرة , أهمها أنه يوجد قوة وهمية مبنية على الدعاية والخداع , ويوجد قوة حقيقية لا زالت مجهولة تبحث عن فرصة حقيقية , ولو أسقطنا أحداث فيلم الهلفوت على واقعنا هذا , لوجدنا أنه نسخة طبق الأصل .
لا زال نتنياهو وقادته يجسدون دور عصران الضبع , لأن إسرائيل لديها ماكينة إعلامية تروج لقوتها والتي لا تضاهى بحسب زعمهم , ولا زالت هذه القوة الوهمية تاركة أثراً على الغالبية من العرب , لا أحد ينكر أن إسرائيل لديها سلاح نووي , وأيضاً مدعومة عسكريا من الولايات المتحدة , ومع ذلك فمن الممكن أن ينقلب كيانها في دقائق , وتصاب حياتهم بالشلل الكامل , وذلك بمجرد أن تطلق إحدى الفصائل الصغيرة رشقة من الصواريخ على تل أبيت أو عسقلان , أو يقوم أحد الشبان الصغار بطعن أو دهس جندي أو مستوطن في الضفة الغربية.. فالقوة من وجهة نظري لا تقاس بالإمكانيات فقط , فهناك عوامل كثيرة ومؤثرة قد تصدر من أصغر فصيل , أو من أصغر شبل فلسطيني.. ولا بد أن يأتي اليوم ليصبح من تسميه إسرائيل والمنسجمين معها بالهلفوت , بطلاً يعملون له ألف حساب , ويكسر قاعدة القوة الوهمية والتي يجسد فيها نتنياهو دور عصران الضبع في فيلم الهلفوت .
بقلم/ أشرف صالح