السفاح والليبرالية

بقلم: فراس ياغي

كثيراً ما يتم مهاجمة التيار المتأسلم السياسي الظلامي التفكير والذي لا يرى غير معتقداته وينظر من ثقب إبره لمن حوله ووفقا لأفكاره التي تتوافق مع عصر السفاح "أبو العباس عبد الله السفاح" مؤسس الدولة العباسية، والذي تم فيه تزوير التاريخ ورسالة الرحمة ومكارم الأخلاق التي جاء بها سيد البشر محمد الرسول صلوات الله عليه وسلم.
المهم...أن العديد من الكتّاب والعديد من الأحزاب يُهاجم هذا الفكر الأصولي الوهابي السلفي الإخونجي وغيره، لكنه لا ينظر إلى نفسه أولاً فهو لا يرى إلا غَيره، لذلك إذا أردتم أيها السادة الكتاب والسياسيين الليبراليين مهاجمتهم فيجب عليكم أن تكونوا قُدوة؟!!!!!
والقُدوة أساسها العدل الإجتماعي والحرية الفكرية والتعددية ومحاربة الفساد والمُفسدين والمساواة التامة بين الرجل والمرأة، والتركيز يجب أن ينصب على التنمية والتطوير وبالأساس في التعليم والصحة والبنية التحتية، التركيز على إستهداف الإنسان كرأسمال الوطن والمجتمع لأن تطوير هذا الإنسان هو اللبنة الأساسية لتطوير أي مُجتمع.
وما ذكر أعلاه يجري في دول "الكفر" كما يتهمونهم، بينما في الدول العربية وغالبية الدول الإسلامية "هناك إستثناءات لأنها خارج الفكر الوهابي والإخواني والسلفي" يجري تقريباً كل شيء وفق رؤيا السلب والنهب والفساد ومحاربة الفرد وتقييد حريته والتعامل معه بمفهوم "الأسياد" و "العبيد"، وعليه، فإن من يهاجم فكر الظلام ليس بقدوة ولا يمكن أن يُشكّل بديل لهذا الفكر، هنا يجد التيار الظلامي المتأسلم ضالّتَه بين فقراء الشعب المُتديّن أصلا والذي يرى فساد وظلم نظام الحكم والحاكمين في الدولة ويجد في هذه التيارات الظلامية حاجته في التعبير عن رفضه لواقعه وحقده على ما يحدث له، التيار المتأسلم يستغل ذلك ويقوم بدعايته الغيبية الكاذبة لكي يُسوّق نفسه على أنه البديل، هذا التيار يستغل الواقع السيئ للشعوب أولا ويحاول أن يلامس عواطفهم الدينية ثانيا ويُركز على المرأة كمخزون له ثالثا بإعتبارها أكثر فئات الشعب جهلا في حقوقها المدنية وحتى الدينية والتي كان له كتيار نصيب الأسد في جهلها وفي محاصرتها ومحاولة عزلها وجعلها عورة وقريبة من النجاسة وفقا لشريعة الأصوليين اليهود مما مَكنَهُم من السيطرة عليها خاصة المرأة الفقيرة وهم الغالبية العظمى في المجتمعات العربية.
في واقعنا الفلسطيني، وبالذات في قطاع غزة، إكتشفت الغالبية العظمى من الناس أن فكر هؤلاء المتأسلمين جزء أصيل من الفاسدين، بل إن فسادهم أعظم لأنهم يُغَلّفوه برسالة الرسول الأعظم محمد عليه ألف صلاة وسلام، ويأتون بأحاديث وفتاوى شرعية لتبرير أفعالهم إضافة إلى مفهوم المقاومة كحجة دائمة على الآخرين، في حين في الضفة الفلسطينية لغرب نهر الأردن الناس لا ترى سوى التنسيق الأمني والفساد وتعتقد أن المتأسلمين هم المقاومة فيجد هذا التيار متنفساً له بينهم، هو لم يُجربهم بعد لذلك يَصْعب عليه تصديق أنهم أكثرُ فساداُ مما لديهم.
نموذج "الليبرالية" وخصصة الإقتصاد في السلطة فشل لأسباب كثيرة أولها الفساد وطريقة الحكم وآخرها الإحتلال الذي يستغل ذلك ويُسهل كل شيء للفساد والبزنس في محاولة منه لمنع إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وعاصمتها القدس الشريف، ونموذج "المتأسلمين" في حكم غزة فشل بسبب الفساد والفكر الإحادي المطلق وظلاميته التي إختلطت في الحكم وجعلت الدين أساسها، وطبعا كان مؤسس الدولة العباسية "السفاح" قُدوتهم.
النموذجان فشلا، ولكن الفشل أيضاً كان من نصيب سياسة الإحتلال وسياسة حكومة "نتنياهو" اليمينية الدينية التوراتيه، فمهوم الحفاظ على الأمر الواقع كما هو وفق رؤية "نتنياهو" وإستغلالها لقضم أراضي الضفة الغربية للإستيطان وللأمن وتهويد "القدس" أدى لواقع جديد فرض نفسه على الأرض وأصبح مفهوم الدولتين لشعبين غير ممكن وغير قابل للتطبيق وأي محاولة للفصل ستؤدي إلى وضع الشعب الفلسطيني في معازل منفصلة لا يمكن أن تُشكّل بمجموعها دولة مستقلة ذات سيادة.
نظام "السفاح" في غزة، ونظام "الليبرالية" في الضقة وما بينهما "الإحتلال" العسكري ودولة "إسرائيل"، هم عوائق طبيعية أمام إمكانية السلام الواقعية، وأمام مفاهيم التعايش والتطور للإنسان في البقعة الجغرافية الممتدة بين البحر والنهر، والواقع الجغرافي والإقتصادي يُعيدنا لفكرة التشبيك، وفكرة الدولة الواحدة لكل مواطنيها، دولة مدنية تفصل بين الدين ونظام الحكم، ويتعايش فيها الجميع على أساس المساواة التامة بعيداً عن رؤيا "التوراتيين" ورؤيا "المتأسلمين" ورؤيا "الفاسدين".
قال تشي جيفار "الحياةُ لا تَمنح الفُرص، إلا للراغبين"، لذلك ليست النوايا الحسنة ولا الأقوال الحماسية ولا اللسان الجميل،يُمكن أن يكونوا بديلاً للواقع، فكذبة الموروث المُزَوّر أنتج أصوليين ومتأسلمين وظلاميين، والرأسمالية الشرهةُ أنتجت ليبرالية المال والفساد، والإحتلال أنتج فكر ما بعد "الصهيونية" وجاء بموروث دولة "المكابيين" التوراتية، ونحن الآن أمام التصادم ليس في الأفكار فحسب، بل تصادم بمفهوم الموروث، تصادم بمفهوم "السفاح" وجماعة حملةِ جوازات السفر "العثمانية"، ومفهوم "التوراتيين" من يهود وصهاينة إنجيليين، وما بينهم ليبرالية تنهب من المال العام لتأمين مستقبلها بعيداً عن منطقتنا وجغرافيتنا وجُلّهم الآن يحملون جوازات سفر أوروبية أو كندية أو أمريكية، في حين ليس أمام الإنسان هنا وفقراءِه سوى الوحدة في دولة واحدة مهما كان جحيمها، وقد لخص الأديب العظيم "ديستويفسكي" ذلك بقوله "مهما رأيت من الوحدة جحيماً لا يُطاق، هي أفضل بكثير من الأقنعة المتعددة للبشر".
فلماذا لا نُجرّب ما لم يُجرّب؟!!!!!


بقلم: فراس ياغي