إنها المقاومة تسري مسرى الدماء في شرايين الضفة المحتلة , فلا حياة عزيزة بلا مقاومة , ولا دفاع حقيقي عن أراضينا وجبالنا ومياهنا من هجمة لصوص المستوطنين في الضفة إلا بالمقاومة , لا هوية فلسطينية وطنية ناصعة بلا مقاومة , لا حرية ولا تحرير بلا مقاومة , هذا هو الإيمان الراسخ في قلوب وأرواح الشباب الطاهر في مدن الضفة الحبيبة وفي القلب منها القدس المحتلة , فلم يتأخروا عن واجب الدفاع المقدس عن فلسطين وقدسها , بذلوا الغالي والنفيس ورخصت أرواحهم وسُكبت دمائهم في معارك إحقاق الحق وإبطال الباطل , فكانوا في ملاحم الدفاع عن الهوية الوطنية وعن إسلامية أقصاها الطاهر الذي يتعرض لتدنيس أوباش الصهاينة .
لن يتوقف شعبنا في الضفة عن مقاومته , يواصل الشباب الفلسطيني في ضفة الثوار وقدس الأحرار عملياتهم البطولية بإمكانياتهم المتواضعة , وخاب مسعى الإحتلال في حملات القمع والإعتقال التي لم توفر الأمن والهدوء لمستوطنيه , وفشلت منظومة التنسيق الأمني والقبضة الأمنية لأجهزة السلطة في قمع المقاومة وقتل روحها في نفوس الشباب , فخرجت نماذج من البطولة والتضحية والفداء لتعلن صرختها المدوية في وجه الإحتلال المجرم , فشكلت تلك الأرواح الثائرة ثورة على واقع الإستسلام الذي يحاول الإحتلال فرضه على الضفة وأهلها الشجعان , فتتوالد البطولة من رحم الحقيقة , والحقيقة في الضفة تقول بأن الإحتلال الجاثم على أراضيها ظلما وعدوانا لن يزول إلا بالمقاومة .
عملية التفجير قرب " نبع بوبين " غرب رام الله الجمعة 23-8-2019 , والتي أسفرت عن مقتل مجندة صهيونية وإصابة إثنين آخرين , تعتبر تطورا ملحوظا في أساليب المقاومة بالضفة المحتلة , لتتنوع بذلك عمليات المقاومة التي تشهدها مدن الضفة من " طعن , دعس , إطلاق نار , وإلقاء زجاجات حارقة " , ورغم قلة الإمكانيات والحصار والقمع التي تتعرض له المقاومة في الضفة , إلا أن المقاومة ورجالها لن يعدموا الوسيلة ولن يقفوا مكتوفي الأيدي وسيعملون على تطوير أدوات ووسائل المقاومة وهذا ما أكدته العملية الفدائية غرب رام الله .
في الذاكرة الفلسطينية القريبة شهد " نبع بوبين " التابع لأراضي بلدة دير إبزيغ غرب رام الله , عملية فدائية في 20-6- 2015 وقتل فيها مستوطن عبر إطلاق النار من نقطة صفر تبنتها كتائب القسام في حينه , ولا يخفى على أحد ما تتعرض له الينابيع الفلسطينية وأيضا الأماكن الأثرية والتاريخية من عملية التهويد والسيطرة الصهيونية وإستخدامها في الترويج للسياحة الداخلية والخارجية , وللأسف لم يستطيع الإحتلال تنفيذ مخططاته الإستيطانية والتهويدية في الضفة المحتلة إلا من خلال أجواء الهدوء والأمن التي يوفرها التنسيق الأمني وعمليات قمع المقاومة التي منحت الصهاينة المناخ المناسب للعربدة ومصادرة الأراضي والتوسع الإستيطاني في الضفة المحتلة .
عملية " نبع بوبين" رسالة قوية واضحة المعاني ترسل في كل الإتجاهات , مفادها أن شعبنا في الضفة في قلب المعركة , ولن يركنوا لموجات الإرهاب والقمع الصهيوني , ولن يرهبهم الإعتقال والقتل , وأن بركان الغضب سينفجر لا محالة في الضفة وأن أوانه يقترب سريعا , وسيشكل "لعنة وموت" على كل من يقف في وجه تطلعات شعبنا بالحرية والإنعتاق من الإحتلال البغيض .
العمليات البطولية في الضفة المحتلة , نتاج طبيعي وممارسة وطنية , وخيارلاغنى عنه وطريق لابد من سلوكه ,من أجل تحصين القضية والهوية الفلسطينية التي تُنتهك بالقوانين والقرارات الصهيوأمريكية العنصرية وأنياب جرافات ومعاول الهدم التي تحاول تزوير وتزييف الحقائق لصالح الرواية اليهودية المصطنعة , كما تشكل تلك العمليات الفدائية دفاعاً عن الأقصى أمام محاولات التقسيم والسيطرة والتهويد , فالقضية الفلسطينية تتعرض لأبشع عدوان يستهدف ثوابتها في ظل هجمة "صفقة القرن " , وهرولة التطبيع العربية المخزية إتجاه كيان الإحتلال , فليس أمام شعبنا إلا التمسك ببندقيته الثائرة والمضي قدما على طريق الثورة والمقاومة , فمهما بلغت التضحيات فإن نهاية طريق المقاومة والكفاح الثوري هو الخلاص من الإحتلال وإستعادة الحقوق وتطهير المقدسات .
بقلم : جبريل عوده *
كاتب وباحث فلسطيني