مهما طغى الظلم وتمكًَّن من وضع شروطه على الباقين من عبيده، ومنها عدم السؤال وتلقي أي جواب المتعلق بالذي لا مفر من تسديده، والويل لمن تأخر عن أداء ما صدر بشأنه أمر تبديده ، بشراً كان سقط الملف الشهير بين يديه ، الموثقة بين صفحاته أسماء المفروض ألا يعلم بها غير المُوَظِّفِ لها في جهاز أَلْيَن ما فيه الواجهة البرَّاقة المُطلَّة منها وجوه حسنوات مختارات عن جمالهن من أقصى البلاد إلى أدناها ابتسامة الواحدة منهن تدخل المُستهدف لألعن ما في ذاك الجهاز "المِقصلة" المؤدية مهمتها بتيار خاص يُبعدُ به الآلة الرهيبة عن موطن نشأتها في العصور الوسطى ما دام أسلوب التعذيب تطوَّر بتطور الرغبة في استخراج الاعتراف الموزون بأعلى نسبة من الصدق وروافده ،
... أحيانا يحكم المتسرعون اعتماداُ على المظهر أو الوشاية الكاذبة ، فيضيعون أوقات غيرهم في المتجاوز الخالي من الفائدة ، مثل هؤلاء ، مكتظ بهم جهاز المخابرات الليبي الموضوع رهن إشارة القذافي والأخير مستغني عنه باللجان في كل مكان، مما عرَّضه لاختراق بشع من طرف الجهاز الإسرائيلي ، المستعد بما اتخذَهُ من إجراءات على جميع الأصعدة، للقضاء المبرم ابتداءً من القذافي نفسه متبوعاً بقافلة نظامه القائم أصلا على نظرية فَرّق تَسُود . أخذني مثل التفكير والباخرة والجة الحدود البحرية الإقليمية لمالطا، قادما إليها من صقلية، كمحطة إستراتيجية داخل تصميم هَنْدَسْتُهُ كمحاولة اختراق ، تعيدُ نقطتَي حرف القاف المنزوعتين في مدينة العرائش المغربية لكلمة الحق ، فكانت الفكرة بقدر بساطة تركيبها تحتاج خلال التنفيذ لإرادة كافية تتغلب من الجولة الأولى على إزاحة كل الكمائن مما يربِك المخابرات الإسرائيلية محتِّمة إياها تعويض كل الاحتمالات الواردة في مخططها الموضوع رهن إشارة المخابرات الليبية في شخص جعلتُ افتضاح أمره من الأولويات الواردة ، إن وصل الأمر لكشف كل الأوراق دفعة واحدة لأخرجَ سليماً بريئاً من أي اتهام مهما كان موضوعه أو مصدره . في "مالطا " اتصلتُ هاتفيا بصديق محترم طالما ناقشته في أمور فلسفية وأخرى تهم النِّتاج الفكري للقذافي ، يشتغل بالمركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر بالجماهيرية الليبية الشعبية الاشتراكية ، وحالما سمع مني باهتمام بالغ تفاصيل ما أطلقَ عليها بالمؤامرة الوقحة ، طلب مني أن لا أبرح مكاني في نفس الميناء حتى يحضر من يوصلني للمسؤول عن مكتب شؤون الجماهيرية بمالطا، سأعرفه من جريدتي "الشعب" التي سيُحضِر نسخة منها معه كوسيلة للتعارف .
...كانت الجلسة مفعمة بجو الاحترام المتبادل القريب جدا لعدم تصديق ما جاء في تلك التهمة السخيفة التي جعلت مني جاسوساً مغربياً مزروعاً في قلب الجماهيرية بدون سند يؤكد بالدليل تلك الحماقة الطاغية على الواشي المريض ، طبعا المسؤول الدبلوماسي المعني اتصل برؤسائه هاتفيا بحضوري مطلعاً إياهم في طرابلس أن الاستاذ مصطفى منيع بعد استماعه لما أُسندَ إليه سلَّمَ نفسه إلينا لنقوم معه بالواجب في مثل المواقف باسم الجماهيرية . بعد المكالمة خاطبني حرفيا بما يلي :
- لو كنتَ جاسوساً حقاً لَما سلّمتَ نفسكَ وأنت تعلم ما ينتظرك من عقاب لو ثبت عنك ذلك في محاكمة غير عادلة يطغى عليها حماس المتحمسين غير المدركين أن الجماهيرية قامت ليسود العدل الحقيقي بين الجميع ، لكن ثورة الفاتح من سبتمبر العظيم لا زالت في المهد ما دام تاريخ الدول لا يعدُّ بسنوات فليلة مرّت من عمرها . الاستاذ مصطفى منيغ كما تري جريدتك بين يدينا تمهد لما أتيتَ من أجله وقابلتَ في شأنه الأخ القائد معمر القذافي ، وما نشرتَ لغايته ذاك المقال الرائع في جريدة "الزحف الأخضر" ، فكن على يقين أن رجالاً شرفاء تحاول الدولة الصهيونية إزاحتهم عن طريق ما تصبو إليه الجماهيرية أن يعم الخير الشعوب العربية وتتحرر جلها من التبعية الأمريكية . بعد ساعات ستحل في طرابلس عاصمة بلدك الثاني وستجد من سيرحب بمقامكَ بينهم ، ومن هنا سنتتبع المحاكمة وعلى رأسنا القذافي نفسه لتعلم أن الأوفياء لنا لا عليهم أن يحزنوا ، وحينما سنلتقي بموعد لاحق سيكون لي شرف مناقشة نظريتك التي أطلقت عليها "نظرية الألفية الثالثة " التي حكا لي عنها أحد الأصدقاء المقرب لدينا معا من نفس المجلة التي تشتغل فيها بمدينة أثينا اليونانية .
... في المطار ونحن ننتظر موعد إقلاع الطائرة من مالطا مباشرة لليبيا اتصلت بالذي جعله العرائشي إياه ، ليس واشيا كاذبا بل مشاركا في تنفيذ مآمرة مدمرة لشخصي ، اتصلتُ به على تلفون بيته ، ومع استغرابه سماع صوتي قلت له بالحرف :
- اسمع يا هذا ، بعد وقت قصير سأكون في طرابلس، وقد أحضرتُ للمسؤولين هناك هدية رائعة تعبر فيها بصوتك المسجَّل بوضوح عن سخطك على النظام الذي فرضه القذافي بالقوة والطغيان على الشعب الليبي وأشياء أخري يطول شرحها ، كنتَ متحمِّساًً للغاية وأنت تصرِّحُ بها لي وللآلة التي لم تترك كلمة إلا وسجلتها لك ، لتعلم أنني ما كنتُ مرتاحاً لك منذ اللحظة الأولي التي زرتُ فيها طرابلس بدعوة كريمة من مسؤولي الإعلام الثوري ، لأريك أن لحم مصطفى منيغ لا يُمَضغ بسهولة وأنك وصديقك العرائشي إياه ، لم تبلغا سن الرشد لتسمع شهادتكما أي محكمة محترمة ، كالتي ستحاكمني وأنت معي في نفس القفص . سمعتُ نحيبه الممزوج بتوسله الحار أن ألقاه للتفاهم، أجبته إن أردتَ أن تُنقذَ نفسكَ اتصل فوراًً بمن اتصلتَ به أول مرة وأقنعه أن القضية برمتها أساسها باطل قائم على وشاية كاذبة.( للمقال صلة).
بقلم/ مصطفى منيغ