من الغريب اليوم والمشاهد عند الشارع الفلسطيني هو الحديث عن هجرة الشباب عندهم بصورة ملفة للنظر حيث لا يخلوا مجلس من الحديث عنه، وشكل مشكلة مجتمعية يصعب ايقاف مسارها دون وضع قوانين تحمي الوطن وعدم اخلائه من طاقاته وكفاءاته التي لابد منهم لرسم مستقبل وطنهم.
وطبعاً لا يختلف إثنان على أسباب الهجرة عند هؤلاء الشباب هو الحلم بالحياة الجميلة والغنى الفاحش وبالوصول للقمة والعيش الكريم، فمن أجل ذلك تراهم مندفعين دون التفكير بالعواقب والاخطار المحدقة التي قد تواجههم وتهدد حياتهم و دون التفكير في عواقب تلك الرحلة المجهولة المصير و المحفوفة بالمخاطر.
نعم الوطن الفلسطيني الحالي وبكافة حكوماته المتعاقبه لم توفر للشباب المستقبل والحياة الكريمة، والقلق الذي يصيب عوائلهم للقادم المظلم، من ارتفاع نسبة البطالة والفقر وفقدان الاستقرار الأمني وتفشي المحسوبية والواسطة والفساد ونقص بالخدمات الحياتية ادت بالتالي للتفكير بهجرة الالاف من الشباب الفلسطيني إلى تركيا وأوروبا، ما فتح باب الربح على مصراعيه للمتاجرين من اصحاب هذه المهنه الشريرة علاوه على بعض شركات السفر والسياحة ودفع هؤلاء الشباب على البحث عن بلد بديل يمنح لهم حياة أفضل، متناسين ان الآف الغارقين في البحر لرداءة وضيق القوارب التي هاجروا فيها للبحر وجشع المتاجرين، وتناسوا أيضاً أن أغلب المهاجرين المتواجدين في اوروبا يعملون بأدنى الوظائف واسوأها في هذه البلدان، ولكن الأغلبية متمسكون بفكرة أن الذي يذهب لهذه البلاد بالتأكيد سيجد حظّة الضائع الذي افتقده في وطنه ليس بالجانب الاقتصادي فقط بل هناك الجوانب الفكرية والسياسية.
وبات الاستقرار النفسي والإجتماعي حلما لا يمكن تحقيقه في ظل ظروف الوطن وخاصة الحصار الإسرائيلي والاغلاقات المستمرة منذ اثنى عشر عاما، وبالتزامن مع الإهمال الذي يعانيه من قبل الجهات المعنية والحكومية، وبرغم المناشدات الكثيرة، كل هذا وغيره دفع عددا ليس بالقليل من الشباب الفلسطيني للتفكير والعمل للهجرة تخلصاً من همومهم التي تتزايد بمرور الوقت، على الرغم من أن الهجرة مغامرة غير محسوبة النتائج إلا أنها تبقى خيارا مفتوحا وأملا يداعب الكثير من الشباب بالخلاص المرتجى.
لاشك بخروج هذه الفئة ستخسر فلسطين هذه الكفاءات التي تعد أساس مستقبله، وكذلك خسارة أرواحهم وسط طلاطم امواج البحار والمحيطات، بواسطة عصابات من المهربين المتواجدين في كل بلد، كل مهرب يأخذ مجموعة من المهاجرين من مكان الى آخر وتسليمهم الى مهرب آخر.
وللحد من ذلك لا بد من توفير الدوافع التي تمنعهم من الهجرة كالعمل المناسب و على تحسين أوضاعهم المعيشية. وكذلك لا بد من وضع برامج توعوية للشباب تمنعهم من الهجرة التي تعد مساراً خطراً، ونهاية لأرواحهم وليس تحقيقا لأهدافهم التي كانوا يسعون إليها، ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وخطباء المساجد والمدرسين تقع على عاتقهم مسؤولية كبيرة في إبراز سلبيات هذه الظاهرة، ووضع برامج تثقيفية تبين مخاطر الهجرة غير الشرعية التي يتعرض لها اللاجئون عبر وسائل الإعلام وإيصالها للمجتمع للحد منها، وحوادث الغرق ومخاطر هجرة الشباب على البلاد الأخرى ، وتداعياتها في المستقبل، والعمل لوضع آلية لافهامهم السلبيات التي تحيط في دول المهجر وتشجيعهم على العودة الطوعية، والحكومة مسؤولة لايجاد السبل من أجل النهوض بواقع الشباب، والتركيز على تلبية احتياجاتهم، وتحقيق طموحاتهم لغرض الحد من هجرتهم الى المجهول.
خلاصة القول أن الحياة الصعبة التي يحيياها الشباب في وطنه، لا يفتأ حلم الهجرة يداعب عقولهم يدفعهم إلى ذلك صعوبات كثيرة تواجههم في وطنهم الأم، من بينها التكافؤ في الحصول على فرص العمل والدخل المحدود وتدني الخدمات الاجتماعية ونقص الحريات والفقر والبطالة علاوة على الاقتتال والنزاعات والحروب الأهلية والمشاكل العائلية وعمليات الثأر والأمية، وعادة ما ترتبط أحلام المهجر في رؤوس المواطن بالثراء السريع والكفاءة العلمية والوجاهة الاجتماعية، إضافة إلى متعة الانتماء إلى الحضارة المنتصرة، وهو الأمر الذي يوقعهم كثيرا ضحية لإعلانات الهجرة المضللة التي تنشر في الجرائد، وتستغل الطموح الزائد وقلة الخبرة لدى الشباب لتحقيق مكاسب غير مشروعة.
آخر الكلام:
على الجميع أن يعلم أن الشباب طاقة إما أن تستغل في بناء الوطن، أو يستغلها الآخرين من أصحاب النفوس المريضة لتدمير الوطن والهجرة منه.
بقلم/ رامي الغف