يبدو أن العملية التفجيرية الإنتحارية المؤسفة , والتي وقعت في غزة , وأدت الى إستشهاد ثلاث عناصر من الشرطة , وعدد من الإصابات , قد فتحت أبواب الإتهامات مجدداً بين قطبي الصراع(...) , لدرجة أن العاطفة كانت بديلة عن المنطق في تصريحات الناطق بإسم حماس "فوزي برهوم" حين قال : إن اللواء ماجد فرج رئيس جهاز المخابرات في السلطة , هو وراء كل محاولات إثارة الفوضى في غزة , كما حدث في محاولة إغتيال توفيق أبو نعيم , وتفجيرات رامي الحمدالله وإغتيال مازن فقهاء , حسب قوله! ولكن برهوم لم يكن يعلم أنه أوقع نفسه في الخطأ عندما وضع قضية مازن فقهاء في لائحة الإتهام ضد السلطة وماجد فرج , وذلك لأن قضية إغتيال مازم فقهاء كانت واضحة تماما , وكل الإعترافات أشارت الى أن موساد الإحتلال كان المسئول المباشر عن هذه العملية..
أنا لست قاضياً ولا محققاً , ولا زلت أنتظر نتائج البحث والتحقيق كباقي الناس , ولكنني أكتب بما أراه منطقياً , لأنه لا يوجد حديث عن جريمة أو إتهام بعيداً عن المنطق , وإلا ستتحول الجريمة الى حالة مرضية , فمثلا : لو قام شخص بسرقة بضع شواقل , وألقينا القبض عليه , ومن ثم إكتشفنا أن السارق مليونير , فحتماً سنعلم أنه مريض نفسياً , ومصاب بداء السرقة , لأنه من المنطق أن يكون السارق لبضع شواقل بحاجة للمال وليس مليونير.. وعلى هذه القاعدة يجب أن نتعامل مع قضية منفذين التفجيرات في غزة "الإنتحاريين" , فلو إفترضنا أن التفجيرات لصالح السلطة وماجد فرج كما يزعم برهوم , أو حتى لصالح جهات أخرى , أو حتى لمجرد خلاف سياسي بين المنفذين وبين حماس , فهل يعقل أن يقوم شخص سوي بتفجير نفسه مقابل المال مثلاً! أو مقابل مصالح حزبية لمن أرسله مثلاً! أو مقابل خلاف سياسي بينه وبين حماس مثلاً! فالمنطق يقول أنه ماذا سيستفيد المنفذ من المال بعد موته؟ وهذا في حال أنه قاتل مأجور , وماذا سيستفيد المنفذ من مرسليه بحجة خلاف سياسي بعد موته؟ وماذا سيفيد موته في طرح أفكار مخالفة لحماس مثلاً , وهذا في حال أنه خصم سياسي وفكري لحماس..
إن حدث التفجيرات الإنتحاري أكبر من تلك الأفكار بكثير, وللأسف لا زال أمن غزة يفكر بعيداً عن المنطق , فالمنطق يقول أن من يفجر نفسه بهذه الطريقة لا بد أنه يعتقد أنه سيدخل الجنة , لأنه قام بقتل شخص كافر حسب إعتقادة , وحسب علمي لا أعتقد أن أحد يفكر بهذه الطريقة سوا "السلفية الجهادية" , وهم أشد الأعداء لحماس , وقد قاموا بتفجيرات كثيرة قبل ذلك في غزة , وقتلوا أفراد من حماس في غزة و سيناء , وأعلنوا الجهاد ضد حماس من داخل سيناء , وأصدروا فتوى بتكفير حماس وفتح وبعض الأحزاب الأخرى , وأطلقوا الصواريخ على إسرائيل بهدف قلب الطاولة على حماس.. فالمعركة بالنسبة لهم ليس على حكم غزة ورام الله أو حتى فلسطين التاريخية , ولكنها معركة خلافة إسلامية قائمة على مبداً أن التكفير هو أصل من أصول الدين , وأن كل من يخالفهم فهو كافر , والكافر يجوز قتله في أي مكان وزمان , ومن هنا فيجب أن تعلمان فتح وحماس أن الخلاف بينهما مزاحاً نسبة لفكر السلفيين , فخلاف فتح مع حماس محصوراً بالرؤية السياسية لإدارة الوطن , والذي يتمثل في مترين في غزة ومترين في رام الله , ولا يوجد خلاف عقائدي , ولا يوجد تكفير بين فتح وحماس , وسيأتي اليوم وأن تقول حماس "نار فتح ولا جنة السلفيين" وكذلك الأمر فتح .
هكذا هم السلفية الجهادية في غزة , والتي لا زالت هوية الغالب منهم مجهولة , بسبب أنهم لا ينتمون الى مدرسة واحدة , فمنهم من ينتمي الى مدرسة "القاعدة" , ومنهم من ينتمي الى مدرسة "داعش" , وهذا بخلاف مدارس أخرى مجهولة , وبالإضافة الى الفصائل السلفية المتعارف عليها في غزة , وتعمل في نطاق مقاومة الإحتلال كباقي الفصائل , وهي تعتنق الفكر السلفي كفكر , ولا ترتبط إقليمياً بالخارج كباقي المدارس السلفية , وهؤلاء هم "جيش الإسلام - جيش الأمة - التوحيد والجهاد - أنصار بيت المقدس - مجلس شورى المجاهدين , إئتلاف غزة سيناء", والغريب أن هناك تعتيماً إعلامياُ في غزة على نشاط التيار السلفي , فلا أعلم إن كان هناك دواعي أمنية تقف وراء هذا التعتيم , أم أن هناك عدم وعي كامل بخطورة هذا التيار نتيجة عقيدة التكفير , فكل ما أعلمه أن اليوم ليس كالأمس , وغداً ليس كاليوم , فالسلفيون قادمون قادمون..
بقلم/ أشرف صالح