حرص الكيان الإسرائيلي على مدار احتلاله فلسطين الى ربط الاقتصاد الفلسطيني باقتصاده، وخلق حالة التبعية له؛ لعلمه أن ذلك يعني بالضرورة عدم تحقيق الكيانية السياسية، وعدم الاعتراف بها.
وهذا الفكر ترجم عملياً وسياسياً عبر بروتوكول باريس الاقتصادي، الذي أعطى الاحتلال الحق في التحكم في مدخولات الخزينة الفلسطينية، وحالة ربط الاقتصاد وما أفرزه من اعتماد فلسطيني كلي على السوق الإسرائيلية في تصدير السلع. إذ بلغ التصدير للكيان ما نسبته 96.6% من إجمالي صادرات الأراضي الفلسطينية، وما أفرزه ذلك من تحكم إسرائيلي في الاقتصاد الفلسطيني.
استمر هذا السلوك الإسرائيلي في حالتنا اليوم، في ظل وجود كيانين سياسيين فلسطينيين ساهم هو في خلقهما عبر الانقسام، وبدا ذلك في صورة أموال المقاصة بالضفة المحتلة، والمنحة القطرية في غزة.
شهدت الأيام السابقة إعلان الاحتلال الافراج عن بعض أموال المقاصة للسلطة الفلسطينية بالضفة، والسماح بإدخال الأموال القطرية في غزة، في صورة أجلّت هذا التحكم والسيطرة المالية والاقتصادية.
الناظر للحالة الفلسطينية يوقن أن هذا التحكم الإسرائيلي لم يكن وليد اللحظة، إنما أتى عبر إجراءات وسياسات ممنهجة كانت تهدف إلى إغراق الجسم الفلسطيني وإبقاء الرأس في قبضته، حيث يقوم بإغراق ما تبقى من الجسم في أي لحظة قرر فيها الفلسطيني الخروج من عباءة الاحتلال ليطلبه إلى بيت الطاعة الإسرائيلي، وإلا فالمصير الهلاك!
فنراه تارة يمنع تحويل أموال المقاصة للجانب الفلسطيني وتارة يمنع تحويل أموال المنحة لغزة، وأخرى يقوم بعدوان يستهدف البنى التحتية الاقتصادية لغزة، ويسمح لسوقه بغزو السوق الفلسطيني في الضفة، ويمنع إدخال المواد مزدوجة الاستخدام؛ في خطوة يقصد من ورائها ضرب الاقتصاد بغزة، ويشرعن الاستيطان في الضفة؛ ليسلب ما تبقى من الأرض ويدمر الاقتصاد الزراعي الفلسطيني.
من خلال ما سبق، يضمن العدو التخلص من "مشاغبات غزة"؛ لأن المصير المنتظر في هذه الحالة الافقار وإغراق الرأس، وكذلك يضمن بقاء التنسيق الأمني في الضفة وإلا فالمصير أيضا الإغراق والافقار.
وصول الاحتلال الى هذا القدر من الخنق والسيطرة يرجع سببه لربما إلى عدم الوعي الكافي لدى الفلسطينيين بالنتائج بعيده المدى لإجراءات الكيان وعدم العمل على مواجهتها من البداية، كذلك عدم العمل الجاد على إيجاد مشاريع ذات طابع تنموي كفيلة بتحقيق هدف الاستقلال الاقتصادي.
من هنا كان لزاماً توحيد الجهود الرامية إلى تعرية هذا الاحتلال وإجراءاته، والابتعاد عن المناكفات التي لا تخدمه، والعمل الجاد على توحيد واستثمار مصادر الثروات لتحقيق استقلال اقتصادي يقود إلى تحرر سياسي. فمن يملك ماله يملك قراره.
بقلم/مصطفى رضوان
ماجستير تنمية اقتصادية