المتدينون يعتقدون ان الابتعاد عن الدين هو سبب مأساتنا والعلمانيون ومن معهم يعتقدون ان الدين سبب تخلفنا وما بينهما تتوه بوصلة البحث عن ذات لم نعد على ما يبدو نريدها بل صار البحث عن ذات بديلة هو الحل الامثل والا فما معنى وجود 50 مليون عربي اصبحوا مهاجرين وحملوا جنسيات الدول التي هاجروا اليها ويفاخرون بجنسياتهم هذه ويعتبرون انفسهم مميزون عن ابناء جلدتهم ويكفي ان نرى الواحد منهم على أي حاجز عسكري احتلالي على الارض الفلسطينية يتقدم الصفوف طالبا التميز عن ابناء شعبه لأنه يحمل جنسية غربية وهو يفعل ذلك كلما وجد فائدة مهما كانت تافهة تميزه عن ابناء وطنه بل ويتباهى احيانا كثيرة بما وصلت اليه البلد التي انتمى اليها دون ان يكلف نفسه عناء الاهتمام بان تصل بلده وشعبه الى ما وصل اليه اولئك وعلى العكس من ذلك تجده يعود الى وطنه ليمارس ما كان يمارسه قبل ان يهاجر وأسوأ بكثير فهو هناك مؤمن بحقوق المرأة ويلتزم بتلك الحقوق ويدوسها بقدميه في بلده بشكل علني وعنيف.
هل التدين اذن وما يحتويه من غيبيات وظلامية كما يراه البعض سبب مأساتنا وهل تقديس النص او تقديس رجال النص او الوقف عند حدود النص بما يشبه الصنمية ويقترب من حد العبادة هي المأساة التي سببت حالنا واذا كان الامر كذلك فما هو الحال في اليابان التي يتوزع مواطنيها في ولاءاتهم الدينية بين الشنتو 160 مليون والبوذية 96 مليون وغيرهم دون ان يؤثر ذلك بشيء او بآخر على تقدم اليابان ومكانتها الحضارية ودورها في صناعة مستقبل البشرية والاحترام الذي تحظى به بين شعوب الارض رغم ما مرت به من ظروف قاهرة لم يعرفها العرب ورغم ان اللغة اليابانية لغة يصفها البعض بانها لغة ضعيفة محصورة لا يمكنها استيعاب منجزات العصر وفي دول مثل ايسلندا والدنمارك والنروج اشارة واضحة في دساتيرها الى مكانة الدين في الدولة بل وتحديدا الكنيسة الوثرية ومع ذلك تعتبر هذه الدول نماذج متقدمة للدول الديمقراطية المتحضرة وتشير المادة الرابعة من الدستور الدنماركي الى ان الكنيسة الانجيلية اللوثرية هي الكنيسة الرسمية للدولة وفي المادة السادسة اشارة واضحة الى ان الملك يجب ان يكون منتميا للكنيسة الانجيلية وفي المادة 66 بالزام تطبيق دستور الكنيسة الرسمية بقوانين الدولة اما القوانين البريطانية فتنص حرفيا "ليس هناك مانعا على أساس دينى من تقلد المناصب العامة ما عدا منصب السيادة العليا للدولة (الملك أو الملكة) الذى يجب أن يكون صاحبه بموجب القانون بروتستانتيا " كما ان الملك او الملكة بموجب القانون هو هو الحاكم الأعلى للكنيسة الانجيلية وهو الذي يعين الاساقفة ورؤسائهم كما ان من حق السنودس " المجمع الكنسي الانجيلي " أن يقدم إقتراحات بقوانين تعد سارية و معتمدة بعد إعتماد البرلمان لها. وينص القانون البريطاني أيضا على أن " كنيسة انكلترا و كنيسة اسكتلندا هما الكنائس الرسمية المقررة لمراسم الدولة ذات الطابع ديني. ولا يحصل أعضاؤها مع ذلك على أى ميزة بكونهم أعضاءها" ويعتبر المجلس الروحي الذي يضم 26 عضو يشترط ان يكون دينهم المسيحية الانجيلية وان يكونوا اساقفة في الكنيسة الانجيلية كما ان دولة الاحتلال الاسرائيلي تعتبر نفسها دولة يهودية وفي ايران ينص الدستور على ان دين الدولة هو الاسلام بل ويحدد المذهب ايضا في المادة "12" الى ان " المذهب الجعفري الإثني عشري يبقى إلى الأبد المذهب الرسمي لإيران، وغير قابل للتغيير " وفي قسم رئيس الجمهورية الذي يجب ان يكون منتميا للمذهب الشيعي الجعفري نص صريح وواضح يقول " أقسم بالله ان اكون حاميا للمذهب الرسمي للبلاد " ومع ذلك فان الدول المذكورة تتقدم باستمرار وتعتبر الدول الاولى في العالم دون ان يذكر احد ان لذكر الدين او مكانة الدين في قوانينها ودساتيرها أو حرية ممارسة التدين وشعائر الدين والاعتقاد والتعبير عنه كان سببا من اسباب التخلف او مانعا لتقدم وتطور واستقلالية وحرية هذه الدول وشعوبها كما هو الحال في دساتير دول تحدد البوذية ايضا البوذية او الهندوسية في دساتيرها وبالتالي فان الذين يعتقدون بدور الدين والاعتقاد به في تخلف العرب وتراجع مكانتهم لا يمكنهم ان يقدموا اثباتا واحدا او نموذجا مشابها لرايهم في العالم والا لما كانت دول مثل بريطانيا قد تمكنت من احراز كل التقدم والنجاح الذي وصلت اليه على مستوى العالم وهو ايضا ما يشير ان ليس نظام الحكم الشكلي هو سبب من اسباب التخلف فبريطانيا والسويد وهولندا وغيرها من دول العالم تحكم بنظام ملكي كما هو الحال في السعودية والمغرب وغيرها وتبقى المقارنة متعذرة بين نظام ملكي يحكم بريطانيا العظمى واخر يحكم السعودية.
ليس الاعتقاد الديني سببا من اسباب التخلف بل ان الجهل والتخلف الحضاري والعزلة هي السبب الذي يقود تلقائيا الى التخلف الديني وتحويل الدين عن مكانته الروحية السامية الى سلوكيات وشكليات وتقييدات للفكر وحريته, فالذين ينشغلون بتأليف وطباعة ونشر نصوص وادعية للدخول والخروج من البيت والسوق والحمام وما شابه ليس لهم علاقة بالدين لا من قريب ولا من بعيد, والذي ينشغلون بتأليف تصورات مريضة عن مدة الجماع الجنسي أو عدد الحوريات والوصيفات او اشكالهن وجمالهن في الجنة التي لم يزرها احد بعد ولم يأت يومها بعد ولم يذكر القرآن الكريم عنها شيئا مما يتخيلون على الاطلاق, وبعض الذين ينشغلون بتحريم وتحليل ما انزل الله به من سلطان واصدار فتاوي مقرفة كحكاية ارضاع الموظفة لزميلها او جماع الوداع او جهاد النكاح او تحريم امساك المرأة ببعض انواع الخضار بسبب شكلها أو تأثير استخدام شطافة المرحاض على الصيام كل هؤلاء عقول مريضة يجب استئصالها من الدين اولا قبل المجتمع وانتشار هؤلاء وفكرهم وتغييب الفكر النهضوي العملي الفاعل هما المؤشران الخطيران على تخلف الامم, فأمثال هؤلاء ينبذون ويحاكمون بتهمة الهرطقة او الزندقة او النصب والاحتيال في العديد من قوانين دول العالم.
تماما كما يشيع مدعي أو محتكري الليبرالية والعلمانية ان الدين والتدين هما سبب تخلفنا والحالة الدونية التي نعيش يحاول محتكري الدين او مدعيه تصوير عدم التدين على انه السبب في كارثة العرب والمسلمين وان دعاة العلمانية والليبرالية وغيرهم هم سبب كل تخلف ودونية وان الله ساخط علينا لابتعادنا عن الدين وهو لذلك يسبب لنا الهزيمة تلو الهزيمة والكارثة تلو الكارثة ليجعلنا مثلا لكل من يبتعد عن الله وعن الدين وطبعا وبشكل تلقائي لكل من لا ينصاع لأوامرهم وفتاويهم وهو ما ينبغي ان نناقشه بوضوح ايضا.
بقلم/ عدنان الصباح