تعج ايام الفلسطينيين بالكثير من الاشياء اللافتة والمثيرة والمشوقة والمستغربة، كما انها مليئة بالمفاجآت، بكلتي حالاتها السارة والحزينة، ولهذا تجد الفلسطيني منشغل دائما ويفكر بالمستقبل ويتطلع الى الافضل نتيجة هذه الحركة المكوكية اليومية بحثا عن الاستقرار والامن والامان وتوفير لقمة العيش والركض وراء التوظيف والركض ايضا وراء سماسرة التعيين والتوظيف الذين يعملون بالعلن ولا يجدون من يردعم او يسحقهم ويحمي المواطنين من شرورهم .
كلما حاولت أن أسطر بعض الأفكار والرؤى حول المستقبل الفلسطيني انتابني شعور بالأسى لم أجهد كثيرا في التعرف على أسبابه، وأول هذه الأسباب يتمثل في إن الرأي العام الفلسطيني يبدو وكأنه في عزلة وعدم إكتراث لهذه المباحث، فهو غائب أو مغيب عنها، له ما يشغله ويصرف أنظاره بعيدا عنها، فهو يفكر في يومه وقد حاصرته هموم الحياة أكثر مما يجهد في التفكير بغده، ثم أن المفردة السياسية والعنوان السياسي يفرض نفسه على سمعه وبصره صباح مساء ولا يترك موضعا لسواه.
النخبة السياسية من جانبها والمفروض بها أن ترتقي بوعي المواطن وتعيد ترتيب اولوياته وتضع الملفات الأساسية الخطيرة في دائرة إهتماماته المباشرة لا تفعل ذلك مع الأسف، وإذا جئت تستقصي العناوين البارزة في نشرات الأخبار ووكالات الأنباء المحلية فما الذي ستجده؟
هي نفس العناوين تتكرر بلا كلل ولا ملل منذ سنوات وكلها تدور حول مسائل فرعية تافهة لا ترقى ابدا لمستوى التحديات التي تحاصر الإنسان الفلسطيني بالفعل، فلقد تزاحمت ويلات الإنقسامات والتشرذمات والحروب على فلسطين والفلسطينين، وكلما إندمل جرح أبتلينا بأخر أو أكثر، حتى صارت جراحات الوطن وشعبه لا تعد ولا تحصى، لكثرة النوائب والمصائب والهموم والكوارث والتي حلت بنا، فجسد الوطن يسيل دما حتى غدت دمائنا أنهار صبابة لا تنقطع روت أرض الوطن من شماله لجنوبه، ومن شرقه لغربه، فلم يعد شبرا من أرض الوطن، إلا وإرتوى من تلك الدماء الزكية، وطن توشح بالسواد وصار رفيق الحزن، فلقد ذبحت فلسطين بيد أبنائها وأعدائها ولم يرتضوا هذه المرة، بقرارة الجب بل مزقوا أشلائها.
في وطن مثل فلسطين تعصف به الرياح والمؤامرات وهو يميل يمينا وشمالا، فهل سيستطيع القادة والسياسيون من وضع قراءة ناجحة وتحليل دقيق وتقيم صادق للإحداث والاحتمالات بنضوج ومن ثم معالجة الأخطاء، وفي ظل هذه الفوضى العارمة التي تعصف بالوطن؟ وهل ستشهد المرحلة القادمة حالة وعي جماهيري لتصحيح المسار المنحرف بعد ان انكشفت أقنعة البعض وخداعهم؟.
ومن كان يتصور في يوم من الأيام أن يصبح الوطن الفلسطيني سلعة رخيصة الثمن الى هذا الحد ليتاجر به بعض المعدومين من الضمير وبهذا الشكل الفظيع، فبعد أن عجزت الحكومة من إيجاد مخرج للمأزق الذي حشرها البعض فيه، بتقديم أفضل الخدمات للمواطنين ومعالجة سوء أوضاعهم المتراكمة ولم تغير من حالها شيئا على الإطلاق وربما وصلت الأمور للأعقد وليفقد المواطن أمله بإنهاء مأساته.
وفي ظل حدوث شرخ كبير وفجوة واسعة بين الفرقاء السياسيين ما بينها من جهة وبين المواطن وهذه القوى السياسية من جهة أخرى لم يعد بمقدور المواطن من معرفة وتحليل المشهد العام وإلى أين يتجه مصير الوطن؟ وهل الشعارات التي ترفع والتي لا تخلوا من خداع عالي من قبل المتصارعين والمنقسمين والتي كانت تحاكي المواطن وخدمة الوطن كانت للاستهلاك الإعلامي فحسب، أم إننا سنستفيق يوما على حالا لم يكن في الحسبان كما حدث في السنوات الماضية من عنف وإقتتال ومشاهد الدم المتكررة، أو أن يلجأ الجميع الى حل جميع المشاكل وبالطريق السلمية، والتخلي عن لغة السلاح والعنف.
يجب أن يعترف السياسيون إنهم مارسوا أبشع أنواع الخداع ضد هذا الشعب للوصول الى مأربهم التافه وعجزوا عن معرفة ومعالجة ما قد لا يحمد عقباه وما تخبئ لنا الأيام وان كانت الأيام هي الكفيل الوحيد لمعرفة ما سيئول إليه مصير فلسطين والذي لم يعد بمقدور المواطن ان يتحمل المزيد من المزايدات والمجازفات والتي هي كالعادة تقع على رؤوس الفقراء والأبرياء من أبناء هذا الوطن الجريح والذي لم يعد يهمهم من سيحكم الوطن لأنه لم يبقى لهم حلم وأمل يتشبثون فيه إلا رحمة الله التي لم ييأسوا منها أبدا.
إن الفلسطيني مواطن صبور، ضحى بالغالي والنفيس كي يعيش كريما معزّزا في وطنه، واجه المحتلين بكل الحقب ورفض الخنوع، قدّم ما يلزم وأكثر كي تُصان كرامتهُ وينتهي من دوّامة المآسي والكوارث التي لا يزال يعيشها، في حين أن المفترَض والصحيح هو أن يتم تعويضه عن تضحياته الكبيرة، فقد تعرّض الوطن الفلسطيني وجماهيره منذ عقد وأكثر من السنوات، وحتى هذه اللحظة، الى مآسٍ كبيرة تنوعت وتوزعت على الجوانب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، لكن الأكثر ضررا وخطورة ما حدث من تخريب للنسيج الاجتماعي، فواجه المجتمع الفلسطيني الكثير من المآسي منها على سبيل المثال تلك الأرقام الكبيرة التي تم رصدها في مجال الطلاق ولهجره والبطالة والفقر وكثير من حالات الفساد التي ضاعفت من المصاعب التي واجهها الفلسطينيون، بعد أن كان أملهم في الخلاص من الحرمان والجوع والأمراض التي فتكت بهم على مر السنين.
لذلك نحتاج اليوم الى صداقة حقيقية بين القادة والسياسيين لكي تحقن الدماء في هذا الوطن المبتلي بالنزاعات والصراعات منذ عشرة سنوات، فلم نجني منه سوى القتل والفقر والبؤس والحرمان والخراب والتشريد والتهجير، فلقد آن الأوان لتصفير كل المشاكل والأزمات لتبنى على قاعدة الصداقة والتسوية.
آخر الكلام:
إذا تعالوا نضمد جراح المتألمين والمقهورين من الف مصيبة ومصيبة والمصائب والحمد لله لا تعد ولا تحصى، ولنصغي الى مشاكل المواطنين بإنتباه اكثر لكي نعطي لكل ذي حق حقه؟.
بقلم/ رامي الغف