قال مركز الميزان لحقوق الإنسان، "تتواصل فصول معاناة موظفي السلطة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة، الناشئة عن التمييز بينهم وبين أقرانهم من موظفي السلطة في الضفة الغربية".
وأضاف في بيان له "تستمر هذه المعاناة منذ نيسان (أبريل) 2017، حيث تمت إحالة حوالي 27 ألف موظف، من بينهم 18 ألف موظف عسكري من موظفي السلطة في قطاع غزة، ومنذ ذلك التاريخ تبنت الحكومة اجراءات انطوت على تقليص رواتب موظفي غزة ومسَت أوضاعهم على نحو غير مسبوق".
وأوضح "وبعد نحو عامين، تسببت تلك الإجراءات في معاناة كبيرة لموظفي السلطة الوطنية وعائلاتهم، وأدخلت السواد الأعظم منهم إلى دائرة العوز والفاقة، وعدم قدرة غالبيتهم على الوفاء بالتزاماتهم المالية للبنوك، ما عرّضهم للملاحقات القانونية واحتجاز العشرات منهم، هذا بالإضافة إلى تأثيرها العميق في تكريس الفقر. كما طاولت آثارها غير المباشرة القطاع الخاص وأصحاب المهن المختلفة".
وتشير الوقائع إلى أنه يتم صرف ما لا يتجاوز 60٪ من الراتب، وأصبحت البنوك المستفيد الأول من تلك الإجراءات، وتقوم باقتطاع دفعات القروض الشهرية من دون النظر إلى النسبة التي يتلقاها الموظف من راتبه.
يشار إلى أن السواد الأعظم من موظفي السلطة يعتمدون على الاقتراض في دفع مستحقات تعليم أبنائهم وبناتهم الجامعي وتزويجهم وامتلاك الشقق والمساكن أو إصلاحها، حيث تتبقى مبالغ زهيدة من الراتب بعد الاقتطاعات، وفي حالات كثيرة لا يحصل المستفيدون على أكثر من 15 دولاراً أميركياً بعد اقتطاع البنك القسط الشهري.
ولم يقتصر الأمر على تلك الحسومات، بل تبنت الحكومة ما أصبح يعرف بالتقاعد المالي بعد إقرارها التقاعد الإجباري، وهو الإجراء الذي لا أساس له في القانون الفلسطيني ولا في القانون الدولي أو أي من القوانين الوطنية في دول العالم الأخرى، لأنه يتناقض من حيث المبدأ وفي شكل جوهري مع حقوق الإنسان.
وتتم بموجبه إحالة الموظف العمومي على التقاعد وهو على رأس عمله، وتحسم نسبة من راتبه كمتقاعد وبعد ذلك تطبق عليه الحسومات السارية، ويبقى الموظف على رأس عمله، مع أن أقصى ما قد يحصل عليه من راتبه لا يتجاوز أكثر من 50 إلى 60٪ في المتوسط العام.
كما وأن سنوات عمله وفقا للتقاعد المالي لا تحسب كسنوات خدمة، فهو عمليا احيل للتقاعد وهو لايزال على رأس عمله، لكنه لا يخضع لولاية هيئة التأمين والمعاشات.
هذا بالإضافة إلى استمرار الظلم الواقع على موظفي قطاع غزة منذ أكثر من عشر سنوات بحرمانهم من البدلات كافة، مثل بدل المواصلات وغيرها من العلاوات التي كانت تُسهم في رفع قيمة الراتب، وهي استحقاقات وظيفية شأنهم فيها شأن أقرانهم في الوظيفة العمومية في الضفة الغربية.
وتفاءل الموظفون بعد تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة دولة رئيس الوزراء محمد اشتية، الذي وعد بمساواة موظفي غزة والضفة، وصرف ما نسبته 110٪ من رواتب موظفي السلطة كتعويض تدريجي لما فقدوه من أجورهم منذ أكثر من عامين لموظفي السلطة في غزة، ومنذ نحو ستة شهور في الضفة الغربية.
لكن المفاجأة كانت أن هذا الأمر طبّق على موظفي الضفة، فيما لم تتجاوز نسبة ما تقاضاه موظفو القطاع 60٪ من رواتبهم في أحسن الأحوال، ومعظم هذه المبالغ تقتطعها البنوك وتترك أسر الموظفين وأطفالهم من دون دخل يؤمن لهم الحدود الدنيا من سبل العيش الكريم.
وقال "مركز الميزان لحقوق الإنسان إذ يعبر عن قلقه الشديد لاستمرار هذه الإجراءات سواء التقاعد الإجباري أو التقاعد المالي والحسومات المختلفة على رواتب الموظفين العموميين في قطاع غزة، فإنه يؤكد على أنها تمثل انتهاكاً خطيراً لمبادئ حقوق الإنسان، لاسيما مبدأ المساواة الذي يشكل جوهر القانون الدولي لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى انتهاكها الحق في العمل والحق في مستوى معيشي ملائم وجملة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والقانون الأساسي وقانون الخدمة المدنية الفلسطينيين".
وناشد مركز الميزان لحقوق الإنسان يناشد الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء محمد اشتية باتخاذ التدابير التي تُنهي هذا الوضع الكارثي لموظفي الخدمة العمومية في القطاع، ووقف الحسومات وإلغاء قرارات التقاعد المالي والإجباري والتعامل على قدم المساواة مع من يعملون الوظيفة العمومية بغض النظر عن المنطقة الجغرافية أو غيرها من ضروب التمييز.