أي مجتمع من المجتمعات البشرية يجب أن لا يترك بحالة من الفراغ ، وعدم المتابعة والتخطيط ، وعدم توفر الإمكانيات والموارد القادرة على احداث حالة التفاعل المجتمعي بما يوفر أرضية خصبة للعمل والإنتاج واثبات القدرات ، كما احداث النشاط الإنساني واستنهاض الطاقات ، حتى يصبح الإنسان فاعلا ، مبدعا ، مخترعا ، وليس انسانا عاجزا صامتا غير قادر على ملئ فراغه ، ولا حتى العمل على احداث حضور مجتمعي يمكن من خلاله أن يترك بصمة في حياته وفي مماته .
احداث التفاعل ما بين الشرائح والفئات العمرية حتى لا يترك المجال لحدوث حالة من الفراغ ، وكما يقال فالفراغ قاتل .
ولكن سيبقى السؤال من أين يأتي الفراغ داخل أي مجتمع ؟!
وهل الفراغ شخصي فردي ؟! أم فراغ مجتمعي مؤسساتي؟!
الفراغ بشكل عام يأتي في سياق أوضاع غير سوية مليئة بالإحباط وعدم الانسجام وفي سياق الآمال الضائعة ، والطموحات المفقودة ، والاستعدادات المنقوصة .
أي أن حالة الفراغ تستمر بمخاطرها وأخطارها في إطار أحوال استثنائية طارئة لا يلتفت اليها أحد ، ولا تجرى الخطط المدروسة لأجل مواجهتها ، ولا تجرى البرامج العملية لإحداث التطوير واستنهاض الطاقات بما يكفل زيادة عوامل القوة المجتمعية القادرة على مجابهة حالة الفراغ وانعكاساتها السلبية .
هناك الكثير من المجتمعات التي عاشت بحالة فراغ كما هناك البعض ممن لازالوا يعيشون هذه الحالة ، دون أن تدرس الظاهرة ومساحتها ومخاطرها ونتائجها المخيفة لأن حالة الفراغ العام لا تخرج عن إطار الفراغ الشخصي الفردي الذي يتناقل ما بين أفراد المجتمع بظواهره السلبية وبأجوائه المحبطة والمتداخلة داخل النواة الصغيرة للمجتمع الأصغر وحتى المجتمع الأكبر .
من يتحمل المسؤولية عن حالة الفراغ ، بداية لها علاقة بالإنسان بحد ذاته لماذا؟!
لأن الإنسان بطبيعته يتحمل مسؤوليته كما يتحمل مسؤولية تطوير ذاته ، كما يتحمل مسؤولية ملئ الوقت المتوفر له ، هذا لا يعني أن الإنسان أو الفرد منعزل عن مجتمعه بل مترابط معه بشكل جذري على اعتبار ان المسؤولية الجمعية والتكاملية تقع على عاتق من يمتلكون القرار، وقدرة صناعة الخطط ، وتوفير الموارد .
المجتمعات لا تبنى ، إلا من خلال بناء الانسان أولا قبل المؤسسات والحجر والشجر ، وهذا لا يعني التقليل من أهمية المؤسسات وضرورتها في تفعيل الجهود وتسخير الطاقات بما يعطي قوة دفع اضافي ومجتمعي يمكننا من مواجهة حالة الفراغ ومخاطره .
القصور في أداء الواجب اتجاه حالة الفراغ القائم من قبل المؤسسات المجتمعية ، التعليمية ، الثقافية ، الانسانية والقانونية ، ومراكز البحث العلمي والجامعات والكليات ومن خلال المساقات العلمية والتدريبية والمناهج المدرسية جميعها يجب أن يعمل باتساق وتنسيق وتنظيم بحسب المرحلة والشريحة والفئة لإنهاء حالة الفراغ ، وحتى نحدث حالة من التطور المجتمعي باتجاه الإبداع والابتكار وخلق بيئة بحثية وليس مجموعة من الخريجين التقليدين .
خطورة الفراغ تتعدى حالة القصور الشخصي والذاتي عن اداء الواجب ، بل تتعدى الى حد القصور المجتمعي في واقع حالة التخبط وعدم التخطيط وغياب اليقين وترتيب الأولويات وتطوير الأليات .
من هنا يجب ان نأخذ باعتبارنا ان المؤسسات كافة بتخصصاتها العلمية والعملية والمهنية يجب ان تعمل وفق خطة مدروسة بما يتناسب وسياسة التعليم مع سوق العمل ، وبما يمكن الجهات ذات الاختصاص بمواجهة حالة الفراغ وتقليص مخاطره وانعكاساته السلبية ، وهذه مهمة استراتيجية يجب العمل عليها.
المدربة الدولية والإعلامية / ريم زنداح