جرائم‭ ‬الشرف‭ ‬البعيدة‭ ‬عن‭ ‬الشرف‭… ‬من‭ ‬آية‭ ‬إلى‭ ‬إسراء

بقلم: عبد الحميد صيام

أثار‭ ‬مقتل‭ ‬الشابة‭ ‬إسراء‭ ‬غريّب‭ ‬من‭ ‬بلدة‭ ‬بيت‭ ‬ساحور‭ ‬الملاصقة‭ ‬لبيت‭ ‬لحم،‭ ‬ضجة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬وحدها،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬بكامله،‭ ‬لبشاعتها‭ ‬ومدى‭ ‬الظلم‭ ‬الذي‭ ‬أطاح‭ ‬بفتاة‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬الزهور،‭ ‬دونما‭ ‬ذنب‭ ‬أو‭ ‬خطيئة،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬حالتها‭ ‬أقرب‭ ‬وصفا‭ ‬إلى‭ ‬المؤودة‭ ‬التي‭ ‬نص‭ ‬عليها‭ ‬كتاب‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬الآية‭ ‬الكريمة‭ “‬بأي‭ ‬ذنب‭ ‬قتلت‭”. ‬
أصبحت‭ ‬إسراء‭ ‬رمزا‭ ‬للظلم‭ ‬والقهر‭ ‬والتخلف‭ ‬والتعصب‭ ‬الذكوري،‭ ‬وانعدام‭ ‬الضمير‭ ‬وخيانة‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬جميل‭ ‬في‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬المناضل‭. ‬لقد‭ ‬شعرت‭ ‬بأننا‭ ‬كلنا‭ ‬مذنبون‭- ‬الأهل‭ ‬وبنات‭ ‬العم‭ ‬والمستشفى‭ ‬ووزارة‭ ‬الصحة‭ ‬ووزارة‭ ‬المرأة‭ ‬والأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬والحكومة‭ ‬بكاملها،‭ ‬والمجتمع‭ ‬الذكوري‭ ‬المتخلف‭ ‬وأصحاب‭ ‬الفتاوى‭ ‬الدينية‭ ‬المتخصصة‭ ‬في‭ ‬جسد‭ ‬المرأة‭. ‬كل‭ ‬من‭ ‬يصمت‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الجريمة‭ ‬مشارك‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭. ‬كل‭ ‬من‭ ‬يبرر‭ ‬للرجل‭ ‬عنترياته‭ ‬ويجرم‭ ‬المرأة‭ ‬منافق‭. ‬
هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الجرائم‭ ‬البشعة‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يثير‭ ‬مسألة‭ ‬ترابط‭ ‬التحرير‭ ‬بالتحرر،‭ ‬فمن‭ ‬يناهض‭ ‬الاستعمار‭ ‬والاحتلال‭ ‬والسيطرة‭ ‬الأجنبية،‭ ‬أولى‭ ‬به‭ ‬أولا‭ ‬أن‭ ‬يتحرر‭ ‬من‭ ‬عقلية‭ ‬الجاهلية‭ ‬والتعصب‭ ‬الأعمى‭ ‬والتخلف،‭ ‬التي‭ ‬تسقط‭ ‬دائما‭ ‬على‭ ‬النساء،‭ ‬باعتبارهن‭ ‬الضلع‭ ‬الأقصر‭ ‬والفريسة‭ ‬الأسهل‭.. ‬كيف‭ ‬لعاقل‭ ‬يقبع‭ ‬تحت‭ ‬احتلال‭ ‬أجنبي‭ ‬يربط‭ ‬الشرف‭ ‬بجسد‭ ‬المرأة،‭ ‬بدل‭ ‬ربطه‭ ‬بالنضال‭ ‬ضد‭ ‬العدو‭ ‬الخارجي‭ ‬الذي‭ ‬ينتهك‭ ‬شرفنا‭ ‬صباح‭ ‬مساء،‭ ‬ويدوس‭ ‬على‭ ‬كرامتنا‭ ‬جميعا‭ ‬من‭ ‬الرئيس‭ ‬إلى‭ ‬أصغر‭ ‬عامل‭ ‬أو‭ ‬طالب‭ ‬أو‭ ‬رجل‭ ‬أمن؟‭ ‬
حكاية‭ ‬إسراء‭ ‬ذكرتني‭ ‬بجريمة‭ ‬بشعة‭ ‬مشابهة‭ ‬عندما‭ ‬قتلت‭ ‬الشابة‭ ‬الجامعية‭ ‬آية‭ ‬برادعية‭ ‬ابنة‭ ‬العشرين‭ ‬ربيعا‭ ‬من‭ ‬بلدة‭ ‬صوريف‭ ‬بقضاء‭ ‬الخليل،‭ ‬التي‭ ‬اختفت‭ ‬يوم‭ ‬20‭ ‬أبريل‭ ‬2010‭ ‬وتم‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬ملابسات‭ ‬الجريمة‭ ‬بعد‭ ‬سنة‭ ‬تقريبا،‭ ‬ليتبـين‭ ‬أن‭ ‬عمها،‭ ‬كتف‭ ‬يديها‭ ‬ورجليها‭ ‬ورمى‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬بئر،‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬ترتكب‭ ‬أي‭ ‬خطأ‭ ‬تستحق‭ ‬العقاب‭ ‬عليه‭. ‬كل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أنها‭ ‬رفضت‭ ‬الزواج‭ ‬من‭ ‬ابن‭ ‬عمها،‭ ‬وتقدم‭ ‬شاب‭ ‬جامعي‭ ‬لخطبتها‭ ‬فوافق‭ ‬أهلها‭ ‬واتفقوا‭ ‬مع‭ ‬الخطيب‭ ‬على‭ ‬إتمام‭ ‬مراسم‭ ‬الزواج‭ ‬بعد‭ ‬التخرج،‭ ‬ما‭ ‬أغضب‭ ‬العم‭ ‬فقرر‭ ‬قتلها‭. ‬تلك‭ ‬الجريمة‭ ‬هزت‭ ‬المجتمع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬برمته‭ ‬لفظاعتها‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬ولمدى‭ ‬الظلم‭ ‬الذي‭ ‬أودى‭ ‬بحياة‭ ‬فتاة‭ ‬بريئة‭ ‬طاهرة‭ ‬شريفة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬حيث‭ ‬سار‭ ‬في‭ ‬جنازتها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬ألف‭ ‬مواطن،‭ ‬واعتصم‭ ‬طلاب‭ ‬جامعة‭ ‬الخليل‭ ‬احتجاجا‭ ‬على‭ ‬مقتل‭ ‬زميلتهم‭ ‬المعروفة‭ ‬بسمو‭ ‬الخلق‭ ‬والاجتهاد‭ ‬والأدب‭ ‬الجم‭. ‬
وعد‭ ‬الرئيس‭ ‬عباس‭ ‬عندها‭ ‬مراجعة‭ ‬قوانين‭ ‬العقوبات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بجرائم‭ ‬الشرف،‭ ‬لكن‭ ‬وعده‭ ‬ذهب‭ ‬هباء،‭ ‬ولذلك‭ ‬قتلت‭ ‬إسراء‭ ‬بالبشاعة‭ ‬نفسها‭. ‬وما‭ ‬بين‭ ‬آية‭ ‬وإسراء‭ ‬قتل‭ ‬نحو‭ ‬200‭ ‬فتاة‭ ‬بريئة‭. ‬ومنذ‭ ‬انتشار‭ ‬أخبار‭ ‬الجريمة،‭ ‬حاولت‭ ‬بكل‭ ‬طريقة‭ ‬جمع‭ ‬أكبر‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬المعلومات،‭ ‬واتصلت‭ ‬بالدائرة‭ ‬التي‭ ‬حولها‭ ‬وبعدد‭ ‬من‭ ‬الأصدقاء‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬بيت‭ ‬لحم‭ ‬وأستطيع‭ ‬القول‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬الموضوعية‭ ‬إنني‭ ‬جمعت‭ ‬قدرا‭ ‬كافيا‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬حول‭ ‬إسراء،‭ ‬تثبت‭ ‬دون‭ ‬أدنى‭ ‬شك،‭ ‬أنها‭ ‬بريئة‭ ‬ومظلومة،‭ ‬وأنها‭ ‬قتلت‭ ‬عمدا‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬خزعبلات‭ ‬الجن،‭ ‬وأي‭ ‬نتائج‭ ‬تخالف‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬لن‭ ‬نصدقها،‭ ‬فكما‭ ‬اختفت‭ ‬آثار‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الفتيات‭ ‬أو‭ ‬طمست‭ ‬معالم‭ ‬الجريمة‭ ‬لن‭ ‬يقبل‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الآن‭ “‬لملمة‭ ‬المسألة‭ ‬واعتبار‭ ‬قتلها‭ ‬موتا‭ ‬طبيعيا‭”. ‬
إسراء‭ ‬من‭ ‬الفتيات‭ ‬الذكيات‭ ‬الجميلات‭ ‬المبرزات‭ ‬في‭ ‬ميادين‭ ‬العلم‭ ‬والعمل‭ ‬معا،‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تثير‭ ‬غيرة‭ ‬قريباتها‭ ‬أو‭ ‬زميلاتها‭. ‬فهي‭ ‬تدرس‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬بيت‭ ‬لحم‭ ‬الأدب‭ ‬الإنكليزي،‭ ‬وتعمل‭ ‬مُزيّنة‭ ‬ومصففة‭ ‬شعر‭ ‬في‭ ‬صالون،‭ ‬وتكسب‭ ‬جيدا‭ ‬وتصرف‭ ‬على‭ ‬العائلة‭. ‬ولا‭ ‬تعمل‭ ‬شيئا‭ ‬خفية‭ ‬أو‭ ‬سرا‭ ‬عن‭ ‬أمها‭ ‬وأبيها‭. ‬لم‭ ‬ترتكب‭ ‬جرما‭ ‬بخروجها‭ ‬مع‭ ‬خطيبها‭ ‬برفقة‭ ‬أخته،‭ ‬والتقطت‭ ‬صورة‭ ‬لهما‭ ‬وأرسلتها‭ ‬لبنات‭ ‬عمها‭ ‬اللواتي‭ ‬تثق‭ ‬بهن،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الثقة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬في‭ ‬موضعها،‭ ‬بل‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬تحريض‭ ‬العائلة‭ ‬وارتكاب‭ ‬الجريمة‭ ‬على‭ ‬مراحل‭. ‬
منذ‭ ‬قيام‭ ‬سلطة‭ ‬أوسلو‭ ‬وخضوع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬بعد‭ ‬نهاية‭ ‬الانتفاضة‭ ‬الثانية‭ ‬للسلطتين‭ ‬الفتحاوية‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬والحمساوية‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬تفاقمت‭ ‬المشاكل‭ ‬الداخلية‭ ‬والعنف‭ ‬المحلي‭ ‬والمشاجرات‭ ‬العائلية‭ ‬وجرائم‭ ‬القتل،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬جرائم‭ ‬الشرف‭. ‬فمرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬أوسلو‭ ‬تجسد‭ ‬ردة‭ ‬في‭ ‬الأخلاق،‭ ‬وردة‭ ‬في‭ ‬المفاهيم‭ ‬وردة‭ ‬في‭ ‬الوعي،‭ ‬وردة‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬السائدة‭ ‬حول‭ ‬مفهوم‭ ‬مشوه‭ ‬للشرف‭. ‬وسأقتبس‭ ‬بعض‭ ‬الأرقام‭ ‬والحقائق‭ ‬من‭ ‬تقارير‭ ‬عديدة‭ ‬صادرة‭ ‬عن‭ ‬الهيئة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المستقلة‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬ومركز‭ ‬المرأة‭ ‬للإرشاد‭ ‬القانوني‭ ‬والاجتماعي،‭ ‬ومركز‭ ‬الدراسات‭ ‬النسوية‭ ‬وغيرها‭. ‬
ففي‭ ‬عامي‭ ‬2014‭-‬2015‭ ‬قتلت‭ ‬42‭ ‬امرأة‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وقطاع‭ ‬غزة‭ ‬بمعدل‭ ‬60%‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬و40%‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭. ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬16‭ ‬قضية‭ ‬قتل‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬تم‭ ‬الإبلاغ‭ ‬عن‭ ‬12‭ ‬حالة،‭ ‬وصدرت‭ ‬أحكام‭ ‬في‭ ‬أربع‭ ‬منها‭. ‬وقتلت‭ ‬13‭ ‬فتاة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬عامي‭ ‬2011‭ ‬و‭ ‬2012‭ ‬بينما‭ ‬قتلت‭ ‬29‭ ‬فتاة‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2007‭ ‬و2010‭ ‬أي‭ ‬خلال‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬بمعدل‭ ‬7‭ ‬تقريبا‭. ‬بينما‭ ‬يشير‭ ‬مركز‭ ‬تنمية‭ ‬وإعلام‭ ‬المرأة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬70‭ ‬فتاة‭ ‬قتلن‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2010‭ ‬و2016‭ ‬أي‭ ‬بمعدل‭ ‬12‭ – ‬13‭ ‬للسنة‭ ‬الواحدة،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الأرقام‭ ‬ما‭ ‬فتئت‭ ‬تزداد‭. ‬في‭ ‬عام‭ ‬2018‭ ‬قتلت‭ ‬7‭ ‬نساء‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬برصاص‭ ‬أزواجهن‭ ‬بالخطأ‭ ‬حسب‭ ‬إفادة‭ ‬الأزواج،‭ ‬عدا‭ ‬عن‭ ‬عدد‭ ‬آخر‭ ‬قتلن‭ ‬بطرق‭ ‬أخرى‭ ‬كالشنق‭ ‬والرمي‭ ‬من‭ ‬الطوابق‭ ‬العليا‭ ‬والطعن‭. ‬وتصل‭ ‬النسب‭ ‬العمرية‭ ‬للمقتولات‭ ‬دون‭ ‬18‭ ‬سنة‭ ‬إلى‭ ‬30%‭ ‬وهي‭ ‬النسبة‭ ‬نفسها‭ ‬للفئة‭ ‬العمرية‭ ‬31‭- ‬50‭ ‬سنة،‭ ‬بينما‭ ‬ترتفع‭ ‬النسبة‭ ‬إلى‭ ‬33%‭ ‬بين‭ ‬سن‭ ‬18‭ ‬و30‭ ‬سنة‭. ‬ونسبة‭ ‬المتزوجات‭ ‬المقتولات‭ ‬35%‭ ‬والعازبات‭ ‬34%‭ ‬بينما‭ ‬المطلقات‭ ‬لا‭ ‬تزيد‭ ‬عن‭ ‬8%‭ ‬والطفلات‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬19%‭. ‬والشيء‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬الغالبية‭ ‬الساحقة‭ ‬من‭ ‬الضحايا‭ ‬من‭ ‬ربات‭ ‬البيوت‭ ‬غير‭ ‬العاملات،‭ ‬ما‭ ‬يجعلهن‭ ‬غير‭ ‬مستقلات‭ ‬اقتصاديا،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬التعليم‭ ‬لدى‭ ‬معظم‭ ‬الضحايا‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬عن‭ ‬الثانوية‭ ‬العامة‭. ‬وتفيد‭ ‬الدراسات‭ ‬بأن‭ ‬مرتكب‭ ‬الجريمة‭ ‬من‭ ‬الدائرة‭ ‬المقربة‭ ‬جدا‭ ‬من‭ ‬الضحية،‭ ‬خاصة‭ ‬الزوج‭ ‬يليه‭ ‬الأخ‭ ‬فالأب‭ ‬فالعم‭ ‬أو‭ ‬الخال‭.‬
جرائم‭ ‬الشرف‭ ‬ليست‭ ‬محصورة‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬والأردن،‭ ‬بل‭ ‬تتعداهما‭ ‬إلى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭. ‬مثل‭ ‬الأردن‭ ‬ولبنان‭ ‬ومصر‭ ‬والعراق‭ ‬وتركيا‭ ‬وباكستان‭ ‬وبنغلاديش‭. ‬وتقدر‭ ‬اليونسيف‭ ‬أن‭ ‬نحو‭ ‬5000‭ ‬امراة‭ ‬يقتلن‭ ‬سنويا‭ ‬في‭ ‬باكستان،‭ ‬لأسباب‭ ‬تتعلق‭ ‬بالشرف‭. ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الجريمة‭ ‬من‭ ‬مفهوم‭ ‬اجتماعي‭ ‬ثقافي‭ ‬موروث‭ ‬عن‭ ‬الماضي‭ ‬فحسب،‭ ‬فهذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬كادت‭ ‬تختفي‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬سنوات‭ ‬النضال‭ ‬والمواجهة‭ ‬والانتفاضات‭. ‬لكنها‭ ‬عادت‭ ‬بشكل‭ ‬قوي‭ ‬لتضافر‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأبعاد‭ ‬مثل،‭ ‬البعد‭ ‬الديني‭ ‬الذي‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬قشور‭ ‬الدين‭ ‬كالاختلاط‭ ‬والحجاب،‭ ‬وأنواع‭ ‬الزواج،‭ ‬وتعداد‭ ‬عورات‭ ‬النساء‭ ‬ويحصر‭ ‬دور‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬بيتها‭ ‬للطبخ‭ ‬والنفخ‭ ‬والتفريخ‭ ‬فقط‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬تفاقم‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وانتشار‭ ‬البطالة‭ ‬يؤدي‭ ‬حتما‭ ‬إلى‭ ‬تفاقم‭ ‬العنف‭ ‬الأسري‭ ‬بسبب‭ ‬زيادة‭ ‬نسبة‭ ‬الفقر‭ ‬وعجز‭ ‬الرجل‭ ‬عن‭ ‬الأيفاء‭ ‬بالتزاماته‭ ‬الأسرية،‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬أسباب‭ ‬العنف‭ ‬البيتي‭ ‬واضطرار‭ ‬المرأة‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬عمل‭. ‬وبسبب‭ ‬ارتفاع‭ ‬سعر‭ ‬الأراضي‭ ‬بدأت‭ ‬النساء‭ ‬يطالبن‭ ‬بحصصهن‭ ‬من‭ ‬الإرث،‭ ‬ما‭ ‬سبب‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬النفور‭ ‬والصراع‭ ‬والخلافات‭ ‬الحادة،‭ ‬التي‭ ‬ذهب‭ ‬ضحيتها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬النساء‭. ‬بعد‭ ‬عودة‭ ‬السلطة‭ ‬تراكمت‭ ‬الديون‭ ‬وزادت‭ ‬الأعباء‭ ‬وارتفعت‭ ‬الأسعار‭ ‬وتفاقم‭ ‬الفساد،‭ ‬وانتشرت‭ ‬ظواهر‭ ‬البذخ‭ ‬والإسراف‭ ‬لدى‭ ‬الفئة‭ ‬المستفيدة،‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يطيح‭ ‬بمنظومة‭ ‬القيم‭ ‬والأخلاق‭ ‬المستقرة‭ ‬لدى‭ ‬الضمير‭ ‬الجمعي‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭.‬
أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬البعد‭ ‬السياسي‭ ‬وانسداد‭ ‬الأمل‭ ‬بنهاية‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وقيام‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المستقلة،‭ ‬التي‭ ‬وُعد‭ ‬بها‭ ‬منذ‭ ‬قامت‭ ‬القيادة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بتوقيع‭ ‬اتفاقية‭ ‬أوسلو‭. ‬فالمستقبل‭ ‬غامض‭ ‬والشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬يشاهد‭ ‬أرضه‭ ‬تسلب‭ ‬منه‭ ‬جهارا‭ ‬نهارا،‭ ‬والقيادة‭ ‬تمارس‭ ‬تعميم‭ ‬الوهم‭ ‬بتضخيم‭ ‬انتصارات‭ ‬صغيرة‭ ‬كرفض‭ ‬صفقة‭ ‬القرن،‭ ‬أو‭ ‬رفع‭ ‬العلم‭ ‬أمام‭ ‬مبنى‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭. ‬
هذا‭ ‬الوضع‭ ‬ولّد‭ ‬شعورا‭ ‬بالعجز‭ ‬والإحباط‭ ‬والقهر‭ ‬المكبوت‭ ‬والمنحبس‭ ‬داخليا،‭ ‬مما‭ ‬فاقم‭ ‬مشكلة‭ ‬العنف‭ ‬الداخلي‭ ‬بين‭ ‬العائلات‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وأفراد‭ ‬العائلة‭ ‬الواحدة‭. ‬
التصدي‭ ‬لجرائم‭ ‬الشرف‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالعنف‭ ‬الأسري‭ ‬يبدأ‭ ‬أولا‭ ‬بتغيير‭ ‬القوانين‭ ‬المعمول‭ ‬بها،‭ ‬كما‭ ‬وعد‭ ‬رئيس‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬محمود‭ ‬عباس،‭ ‬بعد‭ ‬اكتشاف‭ ‬جريمة‭ ‬آية‭ ‬برادعية،‭ ‬ولم‭ ‬يتغير‭ ‬شيء،‭ ‬خاصة‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭ ‬الأردني‭ (‬المادة‭ ‬99‭ ‬رقم‭ ‬16‭) ‬لعام‭ ‬1960‭ ‬المعمول‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬وقانون‭ ‬العقوبات‭ ‬البريطاني‭ ‬لعام‭ ‬1936‭ ‬المعمول‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬حول‭ ‬العقوبة‭ ‬المخففة‭ ‬للقاتل‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الاستعمال‭ ‬الواعي‭ ‬لوسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬والتواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬قد‭ ‬يلعب‭ ‬دورا‭ ‬إيجابيا‭ ‬في‭ ‬تعبئة‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬ضد‭ ‬هذه‭ ‬الظواهر‭ ‬المرضية،‭ ‬التي‭ ‬تنخر‭ ‬في‭ ‬جسم‭ ‬المجتمع‭ ‬وتطيح‭ ‬بمنظومة‭ ‬القيم‭ ‬الجميلة‭ ‬والعادات‭ ‬الأصيلة‭ ‬لديه،‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬التسامح‭ ‬والمحبة‭ ‬والمساواة‭ ‬والتنوع‭. ‬لعل‭ ‬دم‭ ‬إسراء‭ ‬المسفوح‭ ‬ظلما‭ ‬يحرك‭ ‬المياه‭ ‬في‭ ‬البحيرة‭ ‬الآسنة‭.‬

عبد الحميد صيام

*محاضر‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬دراسات‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بجامعة‭ ‬رتغرز‭ ‬بنيوجرسي